spot_imgspot_img
بيتالحوادثالتفسير التآمري لمقتل الحاخام زفي كوغان في الإمارات

التفسير التآمري لمقتل الحاخام زفي كوغان في الإمارات

انتشرت تقارير صحفية إسرائيلية حول اختفاء شخص مزدوج الجنسية، يحمل كلاً من الجنسية الإسرائيلية والمولدوفية يُدعى زفي كوغان (28 عاماً) في الإمارات العربية المتحدة، كان قد شوهد لآخر مرة ظُهر الخميس الموافق 21 نوفمبر 2024، ثم عثرت السلطات الإماراتية على جثمانه يوم 24 من نفس الشهر، وقد أشارت التقارير إلى احتمال مقتله على يد جماعة مسلحة كانت تراقبه.

بدأت الأخبار بإعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أكد في بيان رسمي اختفاء كوغان في الإمارات، مرجحاً أن تكون ملابسات الحادث مرتبطة بعمل إرهابي، وأوضح أن الحاخام، الذي يمثل حركة دينية يهودية تدعى حاباد، قد اختفى في ظروف غامضة أثناء أداء مهامه الدينية ضمن بعثة الحركة في الإمارات. 

كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب إعلان مقتل كوغان

وأفاد مكتب نتنياهو بأن السلطات الإماراتية بدأت تحقيقاً شاملاً في الواقعة، بينما تكثف الأجهزة الأمنية والاستخبارات الإسرائيلية جهودها لتحديد ملابسات الجريمة، وبحسب المعلومات الأولية التي كشفها مكتب نتنياهو، توجد مؤشرات على أن اختفاء الحاخام قد يكون مرتبطاً بعمل إرهابي، وأكد البيان أن حركة حاباد التي ينتمي إليها تُعدُّ من أبرز المنظمات الدينية اليهودية العالمية ولها فروع في مختلف الدول.

من جانب آخر، أفادت تقارير إسرائيلية أن التحقيقات الأولية تشير إلى احتمال تورط إيران في اختطاف الحاخام اليهودي، مع تقديرات بأن خلية أوزبكية تابعة لإيران قد نفذت عملية الاختطاف وقتلت كوغان قبل مغادرتها للإمارات، وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن جهاز الأمن العام بدأ تحقيقاً مكثفاً بعدما تبيّن احتمال اختطاف الحاخام وقتله على يد مجموعة أوزبكية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن كوغان، الذي كان يدير متجر البقالة اليهودي ريمون للطعام الكوشر الحلال وفقاً للشريعة اليهودية في دبي، شوهد آخر مرة ظهر الخميس الموافق 21 نوفمبر 2024، حيث أبلغت عائلته عن فقدان الاتصال به في اليوم السابق، خاصة وأن هاتفه كان مغلقاً، مما دفع زوجته الأمريكية إلى إبلاغ السلطات عن غيابه عن بعض الاجتماعات التي كان من المفترض أن يحضرها، وأضافت الصحيفة أن التحقيقات كشفت العثور على سيارته مهجورة قرب مدينة العين الإماراتية القريبة من سلطنة عمان.

جدير بالذكر أن كوجن، هو ابن شقيق الحاخام غابرييل هولتزبرغ، الذي قُتل مع زوجته في هجوم إرهابي نفذته جماعة “لشكر طيبة” الجهادية الباكستانية على مركز حركة حاباد في مومباي بالهند عام 2008.

الهجوم الإرهابي على يهود في مومباي بالهند في عام 2008

وأظهرت التحقيقات الإسرائيلية على حد قولها أن ثلاثة عملاء أوزبكيين قد تابعوا كوغان بعد مغادرته المتجر، وقتلوه قبل الفرار إلى تركيا التي سلمتهم للإمارات بعد إلقاء القبض عليهم.

الملفت للانتباه أن كوغان كان يوم الثلاثاء الموافق 19 نوفمبر في إسرائيل في مكتب نتنياهو وكان معه السفير الإسرائيلي القادم في الإمارات لاعتماد أوراقه.

وقد خدم كوغان كجندي في لواء جفعاتي التابع للجيش الإسرائيلي، ثم ترك الحياة العسكرية، وأصبح مساعداً للحاخام الأكبر للجالية اليهودية في الإمارات ليفي دوشمان.

من جهة أخرى، أصدرت وزارة الداخلية الإماراتية بياناً حثت فيه على الاعتماد على المعلومات الرسمية محذرة من الانسياق وراء الشائعات التي تهدف إلى إثارة القلق والبلبلة داخل المجتمع، حيث نشرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) ما أعلنته وزارة الداخلية من “تمكن السلطات الإماراتية المختصة في وقت قياسي من إلقاء القبض على الجناة في حادثة مقتل شخص مقيم في الدولة يدعى زفي كوغان يحمل الجنسية المولودفية بحسب الأوراق الثبوتية التي دخل فيها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وعددهم ثلاثة أشخاص، مؤكدةً القدرة على التعامل بحزم ضد كل من يحاول المساس بأمن المجتمع واستقراره”.

وقد أفادت وزارة الداخلية الإماراتية على حسابها في منصة إكس بأنه “بعد أن تقدمت عائلة المجني عليه ببلاغ عن اختفائه تم تشكيل فريق بحث وتحري، وأسفرت التحقيقات عن العثور على جثة الشخص المفقود وتحديد الجناة، حيث تم إلقاء القبض عليهم والبدء بالإجراءات القانونية اللازمة، وسيتم الإعلان عن كافة ملابسات الحادثة بعد الانتهاء من التحقيقات”.

ومن المعروف أن الإمارات تحظى بدرجة أمن عالية وبعدد كبير من كاميرات المراقبة، حيث تم تتبع حركته كوغان، واتضح أن سيارته خرجت من أبو ظبي، وتجاوزت السرعة المسموحة ورصدتها رادارات المرور ، وكانت تقترب من حدود سلطنة عمان، حيث عُثر على سيارته مهجورة وقد ظهرت عليها علامات صراع بداخلها.

الأمر الذي يُذَكِّر بعملية اختطاف إيران للمعارض الإيراني المقيم في الولايات المتحدة ويحمل الجنسية الألمانية جمشيد شارمهد من الإمارات في عام 2020 ، ومن ثم تهريبه عبر سلطنة عمان إلى طهران، حيث تمت محاكمته وإدانته بتفجير حسينية سيد الشهداء في مدينة شيراز الإيرانية، وربما حسب مراقبين إسرائيليين كان الهدف الأصلي من اختطاف كوغان هو تهريبه أيضاً إلى إيران.

جنازة الحاخام زيفي كوغان

وقد نشرت سفارة الإمارات لدى الولايات المتحدة على حسابها في منصة إكس البيان الذي أدلى به السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، جاء فيه أن الإمارات تنعي اليوم الحاخام زفي كوغان، وتدعم عائلته وأصدقائه ومجتمعه بعد حادث مقتله غير المقبول الذي كان أكثر من مجرد جريمة في دولة الإمارات، بل جريمة ضد الإمارات نفسها، جريمة تستهدف قيمها ورؤيتها التي ترحب بالجميع وتحتضن التعايش السلمي وترفض التطرف والتعصب من كل نوع، وستبقى ذكرى زفي كوغان حية من خلال إعادة التزام الإمارات بهذه القيم، وتصميمها أكثر من أي وقت مضى على حماية الإمارات والحفاظ عليها كمثال ساطع ودائم على التنوع والقبول والسلام.

وقد وصل وفد رسمي إماراتي، برئاسة علي راشد النعيمي الذي يترأس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، إلى إسرائيل لتقديم واجب العزاء في مقتل الحاخام اليهودي كوغان، وقد أعرب الوفد الإماراتي عن تعاطفه الكامل مع أسرة الحاخام، وأبدى استعداده لتقديم كل الدعم اللازم لهم، حيث عقد اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين للتأكيد على التزام الإمارات بتوفير بيئة آمنة للإسرائيليين واليهود المقيمين على أراضيها.

وفي إطار الجهود الإماراتية لتعزيز علاقتها مع الجالية اليهودية العالمية، قدم الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان تبرعاً مالياً لمنظمة حباد، حيث خصص خمسة ملايين دولار كدفعة أولى لدعم أنشطة المنظمة ومؤسساتها، مع تعهده بتمويل إنشاء مركز يهودي جديد في الإمارات يحمل اسم بيت زفي تخليداً لذكرى الحاخام الراحل.

يُعرّف د. عبد الوهاب المسيري القَبالة في المجلد الخامس من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية نموذج تفسيري جديد (1999) بأنها ذلك “التراث الصوفي اليهودي”.

ويقول إن الحسيدية مصطلح يستخدم “للإشارة إلى عدة فرق دينية في العصور القديمة والوسطى، ولكنه يستخدم في العصر الحديث للدلالة على الحركة الدينية الصوفية الحلولية”.

وتنقسم الحسيدية على حد قوله إلى عدة فرق، من ضمنها حركة حباد التي تُعدّ “اتجاهاً صوفياً ذهنياً يعتمد على دراسة كل من القبالاه والتلمود”، وقد “أتت النازية على المراكز الحسيدية الأساسية في شرق أوروبا”، حيث انتقلت “إلى الولايات المتحدة، مع انتقال يهود اليديشية إليها، منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر”، لكنها “لم تبدأ نشاطها الحقيقي إلا بعد الحرب العالمية الثانية”، “ويوجد مركزان أساسيان للحسيدية في الوقت الحاضر: أحدهما في الولايات المتحدة والآخر في إسرائيل”.

ويضيف المسيري أن الحسيديين ينادون بأن “عبادة الإله يجب أن تتم بكل الطرق، كما يجب أن نخدمه بكل شكل: بالجسد والروح معاً مادام أنه إله غير مفارق، لا يتجاوز الطبيعة والتاريخ، كامن في كل شيء، حتى في مذاق الطعام وتدخين التبغ وفي العلاقات الجنسية والتجارية، وقد قال أحد زعماء الحسيدية إن على المرء أن يشتهي كل الأشياء المادية، ومنها المرأة، حتى يصل إلى ذروة الروحانية، فالفرح الجسدي عند الحسيديين يؤدي إلى الفرح الروحي، والحسيدية تؤمن بروحانية المادة، لأن الروح شكل من أشكال المادة، بل إن العبادة والخلاص بالجسد يصلان إلى حد عبادة الإله من خلال العلاقات الجنسية، ومثال هذا الموقف كامن في أية رؤية حلولية متطرفة، حيث تلتقي وحدة الوجود الروحية بوحدة الوجود المادية”.

أغنية من التراث الحسيدي اليهودي

ويضيف أن الحلولية “تنعكس في شكلين هما في الواقع شكل واحد: حب عارم لفلسطين أو إرتس يسرائيل، يقابله كره عميق للأغيار، ولذلك، لم يكن مفر من أن يخرج الحسيديون من بين الأغيار المدنسين، وبلاد الأغيار المدنسة، ليستقروا في الأرض الطاهرة المقدسة التي هي هدف القداسة ومصدرها في وقت واحد”

لذلك يرى المسيري أنه “كان على الحسيدي أن يغوص في فردوس الذات بدلاً من أن يحاول تحقيق الفردوس الأرضي، وإذا كانت الرؤية المشيحانية التقليدية رؤية أبوكاليبسية تحدث بغتة عن طريق تدخل الإله في التاريخ، فالمشيحانية الحسيدية تدريجية، وقد حولت المشيحانية إلى حركة بطيئة متصاعدة يشترك فيها كل جماعة يسرائيل، بقيادة عدد كبير من التساديك، ولا تتوقع أية تحولات فجائية (وقد تأثر الفكر الصهيوني بهذه الفكرة)”، حيث أن “التساديك هو شخص ذو قداسة خاصة يقف في منزلة لا تتلو إلا منزلة الإله”.

ربما تكشف الأيام المقبلة اللثام عن إجابة السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد من مقتل كوغان، وهل كان مقتله بدوافع معاداة اليهود أم لأسباب جنائية غير مسيسة؟ أم لأسباب أخرى خفية؟

فدولة الإمارات المطلة على ضفاف الخليج العربي الثري، والتي تحظى بواحدة من أعلى درجات الأمن على المقياس العالمي، وبعلاقة تطبيع متميزة مع إسرائيل صاحبة جهاز المخابرات الشهير الموساد المتمرس على المستوى الدولي، يصعب جداً تصور أن الجريمة قد تمت على أراضيها بدون تخطيط محكم لدولة لديها قدرات استخباراتية وربما تآمرية.

يُذكر في هذا السياق التآمري أن السفينة المتهالكة إيجوز التي استأجرها الموساد في 1960 لنقل المغاربة اليهود إلى إسرائيل بشكل غير شرعي، قامت باثنتي عشرة عملية لنقلهم، لكنها في العملية الثالثة عشرة غرقت في يناير 1961 بالقرب من مضيق جبل طارق، وغرق 42 كانوا على متنها، وتم انتشال 22 جثة، لتدفن في المقبرة اليهودية في بلدة الحُسيمة المغربية، ثم بناء على طلب إسرائيلي تم نقل رفاتهم ودفنوا في جبل هرتسل في القدس.

وقد أدى حادث غرق السفينة إلى مفاوضات إسرائيلة سرية مع الملك الجديد آنذاك الحسن الثاني للضغط عليه، كي يسمح بنقل يهود المغرب بشكل قانوني منظم تحت مسمى عملية ياخن، وهي مفردة توراتية تعني أحد الاعمدة التي يستند عليه هيكل سليمان.

وتثار كثير من الشكوك حول أن غرق السفينة إيجوز التي كانت تحمل مهاجرين مغاربة يهود غير شرعيين إلى إسرائيل كان أمراً مدبراً من قبل الموساد، لإجبار المغرب على تنفيذ مخطط نقل بقية المغاربة اليهود على نطاق واسع بشكل قانوني ورسمي، وهو ما قد كان.

وقد أحاط رئيس الحكومة آنذاك دافيد بن غوريون الحادثة بكتمان شديد حتى لا تتأثر عملية نقل المغاربة اليهود، وكذلك بسبب تخوفاته من إمكانية ربط غرق السفينة بقضية لافون التي كانت عملية سرية إسرائيلية فاشلة هدفها  تفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية في مصر في عام 1954 لتعطيل مفاوضات انسحاب القوات البريطانية من السويس.

فهل يفسر النموذج التآمري مقتل الحاخام  زفي كوغان في الإمارات، كنموذج سبق لإسرائيل أن لجأت إليه عدة مرات في الماضي؟ أما أنها بريئة براءة الذئب من دم ابن كوغان؟

Ahmad Okbelbab
Ahmad Okbelbab
Since 2005, Ahmad has been teaching video editing and graphic design both online and in-person for leading entities such as Al Jazeera Media Network, Deutsche Welle Academy, and Al Faisaliah Group, gaining deep experience in e-learning content development, using Canvas LMS, and multimedia production with tools like Camtasia, Adobe Suite, and Final Cut Pro. His role since 2016 as an audiovisual translator at Al Jazeera, working between Arabic, English, and German, has built on his background in storytelling and video editing. Academically, Ahmad holds a BA in Mass Communications from Cairo University (2004), a Diploma in Filmmaking from New York Film Academy (2009), and has pursued Master Courses in Audiovisual Translation at Hamad Bin Khalifa University (2018), endorsed by the University of Geneva.
مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية