spot_imgspot_img
بيتالمحاكم والقضاءمحكمة العدل الدولية

محكمة العدل الدولية

إذا وقع خلاف بينك وبين جارك حول حدود ملكيتكما، فلا مفر من الذهاب إلى القاضي، لكن ما العمل إذا وقع نزاع حدودي بين دولتين متجاورتين؟ أي قاض وأي قانون يمكنهما حل هذا النزاع؟ في الماضي كانت الحروب هي الحل الوحيد، لكن بعد حرب عالمية أولى وأخرى ثانية خلفتا ملايين الضحايا، توصل المجتمع الدولي إلى خيار سلمي من خلال إنشاء الأمم المتحدة وجهازها المعروف باسم محكمة العدل الدولية أو محكمة العالم.

تاريخ محكمة العدل الدولية

أنشأت محكمة العدل الدولية في عام 1946 كخليفة لمحكمة أخرى أنشأتها عصبة الأمم في عام 1922 وهي المحكمة الدائمة للعدالة الدولية التي انتهى دورها في عام 1940، ولكنها استطاعت خلال هذه الفترة القصيرة ان تحكم في 60 قضية، ثم حلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وتعتبر المحكمة جهازاً رئيسياً في منظمة الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة ومجلس الأمن، ومع ذلك فهي الجهاز الوحيد الذي لا يوجد مقره في نيويورك، ويقع مقرها في هولندا، وتحديدا في قصر السلام بلاهاي، وهي أعلى هيئة قضائية في المنظمة وفي العالم، حيث نظرت حتى الآن في أكثر من 170 قضية تتعلق بالحقوق الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية والسيادة الإقليمية، منها مثلا النزاع المصري الإسرائيلي حول طابا، والبت بضمها إلى الأراضي المصرية، وكذلك ترسيم الحدود بين قطر والبحرين.

وتتمتع محكمة العدل الدولية باستقلالية إدارية، كما أنها الجهاز الرئيسي الوحيد في منظمة الأمم المتحدة الذي لا تساعده الأمانة العامة للمنظمة، لكن يساعد القضاة مسجل المحكمة المنتخب من جانب المحكمة لولاية مدتها سبع سنوات قابلة للتجديد، ويعتبر مسجل المحكمة رئيساً للأمانة العامة للمحكمة وقلمها.

وتعترف تلقائياً كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بالمحكمة، ويمكنها اللجوء إلى خدماتها، حيث أن لها مهمتين مثل سابقتها، الأولى، البت في النزاعات بين الدول، والثانية، الإجابة على الأسئلة القانونية التي تعرض أمامها من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن أو إحدى وكالات الأمم المتحدة في هذه الحالة، أما اللغتان الرسميتان المعتمدتان في محكمة العدل الدولية فهما الفرنسية والإنجليزية.

ومحكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية، فهي لا تحاكم الأفراد، لكنها تنظر في النزاعات التي تقوم بين الدول التي تعرض عليها، وتتألف من 15 قاضياً يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين لمنظمة الأمم المتحدة لولاية من تسع سنوات، ويتم انتخاب خمسة قضاة منهم كل ثلاثة أعوام، ويمكن إعادة انتخاب القضاة.

وكل ثلاثة أعوام، تنتخب المحكمة رئيساً و نائباً لها، ويرأس الرئيس كل جلسات المحكمة و يدير أعمالها، ويراقب نشاطاتها و أجهزتها، ويقدم كل عام تقريراً لمجلس الأمن في نيويورك حول نشاطات المحكمة.

ويعكس تأليف المحكمة توازناً جغرافيا، فيشغل ثلاثة مقاعد لقضاة أفارقة، ومقعدين يشغلهما قاضيان من أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكرايبي، وثلاثة مقاعد يشغلها قضاة آسيويون، وخمسة مقاعد يشغلها قضاة غربيون، ومقعدان يشغلهما قاضيان من أوروبا الشرقية.

ولا يوجد لأي بلد الحق في مقعد، غير أنه عمليا، تتضمن المحكمة دائما قاض من كل من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

كما أنه إذا عرض أمام المحكمة نزاع، ولم يكن فيها قاض من جنسية الدول المتنازعة، يجوز لكل منها اختيار قاض مخصص لهذا النزاع.

ميثاق النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية

يتكون النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية من 70 مادة موزعة على خمسة فصول، وتنص المادة الأولى على أن “تُنشأ محكمة العدل الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة لتكون الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وتعمل وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي.”

أما الفصل الأول منه فتركز مواده التي تبدأ من 2 حتى 33 على تنظيم المحكمة، حيث تتألف المحكمة من 15 قاضياً مستقلين يُنتخبون بغض النظر عن جنسياتهم من بين الأشخاص ذوي الأخلاق الرفيعة والمؤهلات اللازمة للعمل في أعلى المناصب القضائية في بلدانهم، أو الفقهاء البارزين في مجال القانون الدولي، ويجب أن يمثل هؤلاء القضاة مختلف الأنظمة القانونية والحضارات العالمية،

يوضح الفصل الأول ان القضاة ينتخبون من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن من قائمة الأشخاص الذين ترشحهم المجموعات الوطنية في محكمة التحكيم الدائمة، وفقًا للإجراءات المنصوص عليها، وتشترط أن يتم ترشيح المرشحين من قبل المجموعات الوطنية المعينة لهذا الغرض من قبل حكوماتهم وفق نفس الشروط المنصوص عليها لأعضاء محكمة التحكيم الدائمة.

وتراعي المحكمة في الأساس اتفاقية لاهاي لعام 1907 بشأن التسوية السلمية للمنازعات الدولية، وتحدد الجمعية العامة الشروط التي بموجبها يمكن لدولة طرف في هذا النظام الأساسي ولكنها ليست عضواً في الأمم المتحدة أن “تشارك في انتخاب أعضاء المحكمة، وفي حالة عدم وجود اتفاق خاص بموجب توصية من مجلس الأمن”.

وقد حددت المادة 13 مدة ولاية القضاة بتسع سنوات، ويجوز إعادة انتخابهم، كما تُنظم انتخابات القضاة وفقاً لإجراءات معقدة تشمل عدة جولات انتخابية وتشكيل مؤتمرات مشتركة لحل النزاعات المحتملة التي قد تنشأ أثناء الانتخابات، كما يُحظر على أعضاء المحكمة ممارسة أي وظائف سياسية أو إدارية أو أي أنشطة مهنية أخرى أثناء خدمتهم في المحكمة.

فيما يتعلق بالامتيازات والحصانات، يتمتع أعضاء المحكمة بالحصانات الدبلوماسية خلال أداء مهامهم، كما يُشترط على كل قاض قبل تولي مهامه أن يقدم تعهداً رسمياً بالعمل بنزاهة وضمير، ويتم انتخاب رئيس المحكمة ونائب الرئيس لفترة ثلاث سنوات، ويحق لهم إعادة الانتخاب.

أما الفصل الثاني فيتناول اختصاص المحكمة، حيث يمكن للدول فقط أن تكون أطرافاً في القضايا المعروضة على المحكمة، ويشمل اختصاص المحكمة القضايا التي تحيلها الأطراف إليها، وكذلك المسائل التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، ويُسمح أيضاً للدول الأطراف بالاعتراف بالاختصاص الإلزامي للمحكمة في النزاعات القانونية.

ويحدد الفصل الثالث الإجراءات المتبعة في المحكمة، فالقضايا تُرفع إما بإعلان الاتفاق بين الأطراف أو بطلب مكتوب يوجه إلى مسجل المحكمة، وتُمنح المحكمة سلطة اتخاذ تدابير مؤقتة إذا لزم الأمر لحماية حقوق الأطراف أثناء نظر القضية.

وقد عني الفصل الرابع بالآراء الاستشارية، فوفقاً للمادة 65 “يجوز للمحكمة أن تصدر فتوى بشأن أي مسألة قانونية بناء على طلب أي هيئة مخولة من قبل أو وفقا لميثاق الأمم المتحدة لتقديم مثل هذا الطلب، وتُعرض الأسئلة التي يُطرح بشأنها رأي استشاري أمام المحكمة عن طريق طلب كتابي يتضمن بياناً دقيقاً بالمسألة التي تتطلب فتوى، مصحوبة بجميع الوثائق التي من المحتمل أن تلقي الضوء على سؤال”.

أم الفصل الخامس والأخير فيتناول إجراءات التعديلات المستقبلية، كما تنص المادة 69 على أن “تُدخل التعديلات على هذا النظام الأساسي بنفس الإجراء المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة لتعديل ذلك الميثاق، مع مراعاة أي أحكام قد تعتمدها الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن بشأن مشاركة الدول، والتي هي أطراف في هذا النظام الأساسي ولكنها ليست أعضاء في الأمم المتحدة.

القانون الدولي

تتعدد أنواع القوانين ومشاربها ونصوصها وبنودها، لكن ما يعنينا هنا في هذا المقام هو القانون الدولي تحديداً، حيث يمثل مرجعية للأحكام التي تصدرها محكمة العدل الدولية.

القانون الدولي والعدالة يمثلان جزءاً مهماً من عمل الأمم المتحدة، التي نجحت في تطوير منظومة من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وضمان السلم والأمن الدوليين، هذه القوانين والمعاهدات تُعد الأساس الذي يحكم العلاقات بين الدول، وتلعب دوراً حيوياً في حياة الأفراد والمجتمعات على مستوى العالم.

وقد حددت المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية مرجعيتها القانونية على النحو التالي”تُطبق المحكمة، التي تتمثل مهمتها في الفصل وفقاً للقانون الدولي، في النزاعات المعروضة عليها: الاتفاقيات الدولية، سواء كانت عامة أو خاصة، التي تحدد القواعد المعترف بها صراحة من قبل الدول المتنازعة؛ العرف الدولي، كدليل على ممارسة عامة مقبولة كقانون؛ المبادئ العامة للقانون المعترف به من قبل الدول المتحضرة؛ مع مراعاة أحكام المادة 59 والقرارات القضائية وتعاليم أمهر الدعاة من الدول المختلفة كوسائل فرعية لتقرير أحكام القانون، ولا يخل هذا الحكم بسلطة المحكمة في الفصل في قضية حسب الإنصاف والحسنى، إذا اتفق الأطراف على ذلك”.

فالمادة 59 تنص على أنه “ليس لقرار المحكمة قوة ملزمة إلا بين الطرفين وفيما يتعلق بهذه القضية بالذات”.
ويتمثل أحد الأدوار الرئيسية للأمم المتحدة في مساعدة الدول على تسوية نزاعاتها بوسائل سلمية مثل التحكيم والتسوية القضائية، كما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة، فعبر السنوات، تم إيداع أكثر من 500 معاهدة متعددة الأطراف لدى الأمين العام للأمم المتحدة، تغطي مجموعة متنوعة من المواضيع مثل حقوق الإنسان ونزع السلاح وحماية البيئة.

كما تلعب الجمعية العامة دوراً محورياً في اعتماد المعاهدات الدولية، حيث تعمل كمنتدى للنقاش والاتفاق بين الدول الأعضاء، وقد ساعدت اللجنة القانونية السادسة في تقديم المشورة حول المسائل القانونية التي تهم الجمعية العامة، وخلال العقود الماضية، تم اعتماد عدد كبير من المعاهدات المهمة مثل اتفاقية منع الإبادة الجماعية (1948) واتفاقية حقوق الطفل (1989)، وغيرها من المعاهدات التي تشكل جزءاً من الإطار القانوني الدولي.

جدير بالذكر أنه في عام 1947، أسست الجمعية العامة لجنة القانون الدولي بهدف تطوير وتدوين القانون الدولي، حيث تتكون اللجنة من 34 خبيراً يعملون بصفتهم الشخصية وليس كممثلين عن حكوماتهم، وتُعهد إليهم مهام تتعلق بإعداد مسودات قوانين دولية تتناول قضايا متنوعة مثل استخدام المجاري المائية الدولية والقانون الخاص بالمعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية.

من جانب آخر، يشمل القانون الإنساني الدولي المبادئ والقواعد التي تنظم وسائل وأساليب الحرب، وتوفر الحماية الإنسانية للسكان المدنيين والمقاتلين الجرحى وأسرى الحرب، ومن أبرز هذه القوانين اتفاقيات جنيف لعام 1949، وتسعى الأمم المتحدة لتعزيز هذا القانون، حيث أصبحت حماية المدنيين وحقوق الإنسان في الصراعات المسلحة محاور رئيسية في جدول أعمال مجلس الأمن.

الطعن وقوة التنفيذ

لا تملك أحكام المحكمة قوة تنفيذية في ذاتها، لكن قد يمتثل لها طرفي النزاع طواعية، أو قد تتدخل دولة كبرى وتنفذ الحكم، أما الطعن على الأحكام فغير وارد إلا في حالة اكتشاف خطأ في المعلومات المقدمة.

تنص المادة 59 على أنه “ليس لقرار المحكمة قوة ملزمة إلا بين الطرفين وفيما يتعلق بهذه القضية بالذات”، كما يعتبر الحكم غير قابل للطعن عليه وفقا للمادة 60 التي تنص على “يعتبر الحكم نهائيا وغير قابل للاستئناف. وفي حالة وجود نزاع حول معنى أو نطق الحكم، يجب على المحكمة تفسيره بناءً على طلب أي طرف”.

كما وضحت المادة 61 أنه “لا يجوز تقديم طلب إعادة النظر في حكم ما إلا إذا كان يستند إلى اكتشاف حقيقة معينة من هذا القبيل من شأنها أن تكون عاملا حاسما، والتي كانت، عند إصدار الحكم، غير معروفة للمحكمة وكذلك للطرف المطالب بالمراجعة، بشرط ألا يكون هذا الجهل ناتجاً عن إهمال”.

لا شك أن حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية هو الخيار الأمثل، لكن هناك تناقض داخلي في هذه المقولة، فالحلول السلمية هي نتيجة طبيعية لمنطق العقل، ولكن الغالب في النزاعات هو منطق القوة لا العقل.
لذلك لا يبدو أن هناك حلول سلمية إلا إذا تكافأت قوة طرفي النزاع.

وهذا ما نراه جليا في سباق التسلح النووي بين القوى العظمى الذي يعتبر رادعاً وضامناً لعدم وقوع حرب نووية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية