في تطور يعكس تسارع الديناميكية الداخلية لحركة حماس، تم انتخاب يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة يوم الثلاثاء 6 أغسطس 2024، الذي يعد المنصب الأعلى تنظيمياً في الحركة بعد مجلس الشورى العام، وجاء السنوار بعد استشهاد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي السابق، في انفجار في طهران في 31 يوليو من نفس العام، وهو ما لم تعترف إسرائيل بتنفيذه.
كان لهنية دور محوري في التوازن بين الجناح العسكري ودعوات التسوية داخل الحركة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتجمع فيها قادة حماس لاختيار قائد جديد بعد حادث اغتيال؛ فعقب اغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين في 2004، عُقد اجتماع في منزله في غزة انتخب فيه خليفته عبد العزيز الرنتيسي، الذي لاقى نفس مصير سلفه خلال أقل من شهر.
كان تعيين يحيى السنوار قائداً لحماس ورئيساً لمكتبها السياسي في أعقاب اغتيال هنية بمثابة مفاجأة للكثيرين، فالسنوار الذي تعهدت إسرائيل بملاحقته، يعتقد أنه العقل المدبّر وراء عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 على غلاف غزة، الأمر الذي صب مزيداً من الزيت على النار.
وُلد يحيى السنوار في خان يونس في عام 1962،كان له دور أساسي في تشكيل جهاز أمن الدعوة سنة 1983 ، ثم تطور نشاطه فيما بعد ليشارك في تأسيس جهاز الأمن مجد عام 1986 الذي تولى ملاحقة عملاء الاحتلال في قطاع غزة.
وفي مقال على موقع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يقول د. محسن محمد صالح إنه “تم تشكيل منظمة الجهاد والدعوة “مجد” كقوة عسكرية ضاربة تتبع الجهاز الأمني، برئاسة يحيى السنوار، الذي ضم إلى جانبه روحي مشتهى؛ وكانت مهمتها مقاومة “الفساد والمفسدين” ثم تشعبت مهامها في مقاومة العملاء وغير ذلك”.
ويوضح الجزء الرابع من سلسلة النخبة الفلسطينية ما عاناه السنوار “أثناء مسيرته النضالية؛ فقد اعتقله الاحتلال أول مرة عام 1982 إدارياً لمدة أربعة أشهر، واعتقله للمرة الثانية بعد أسابيع من خروجه من السجن ليحكم عليه ستة أشهر إدارياً، واعتقله للمرة الثالثة عام 1988، وأصدر بحقه حكماً بالسجن أربع مؤبدات، قضى منها 22 عاما غالبيتها في العزل”، ثم أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى المعروفة باسم صفقة شاليط عام 2011، ثم أصبح رئيساُ للمكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة منذ عام 2017، وها هو في عام 2024 يُنتخب رئيساً للحركة.
تُعرف حركة حماس بهيكلها التنظيمي المتماسك المحاط بالسرية، ومنذ تأسيسها في غزة في عام 1987 خلال الانتفاضة الأولى، تجمع الحركة بين الأنشطة السياسية والعمليات العسكرية، شاركت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وأقامت مكاتب في دول عربية لمتابعة الشؤون والعلاقات الخارجية، وتمكنت من السيطرة على قطاع غزة بعد صدامات مسلحة مع حركة فتح.
عسكرياً، دخلت حركة حماس وإسرائيل في صراعات عنيفة منذ نهاية الثمانينيات، شهدت تلك الفترة تصاعداً في الأعمال القتالية، بما في ذلك سلسلة من الهجمات والعمليات العسكرية التي نفذتها حماس ضد الأهداف الإسرائيلية، مما أدى إلى تصعيد العنف والاحتكاك بين الطرفين.
منذ ذلك الحين، تواصلت الاشتباكات بين حماس وإسرائيل، مما أدى إلى عدة جولات من النزاع. كانت أبرز هذه المواجهات هي الحروب الثلاثة الكبرى على قطاع غزة: حرب 2008-2009، حرب 2012، وحرب 2014، حيث شهدت هذه الصراعات عمليات عسكرية مكثفة من كلا الجانبين، وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وقد أدى التصعيد الذي تم في 7 أكتوبر 2023 إلى اندلاع حرب جديدة في غزة، هذه الحرب كانت واحدة من أكثر التصعيدات دموية في العقد الأخير، وشهدت ضربات عسكرية مكثفة من إسرائيل على غزة وانتهاكات واسعة للقوانين الدولية أدت إلى مطالبة محكمة العدل الدولية إسرائيل بإنهاء الاحتلال ووقف العدوان في قرار هو الأول من نوعه.
وفي صراع حماس ضد استبداد الاحتلال كان لا مفر من أن تواجه صور الاستبداد داخلياً أيضاً، حيث لا يمكن أن تدعو حركة تحرر وطني إلى الاستقلال وتستثني نفسها، ففاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك في قلب آليات اتخاذ القرار داخل حماس يتربع على هيكلها مجلس الشورى العام الذي يتألف من 50 عضواً يمثلون مناطق مختلفة، داخل غزة وفي الضفة وفي السجون وفي الخارج، مما يضمن تمثيلاً عادلاً لمختلف الأصوات داخل الحركة.
ومن مهام مجلس الشورى العام انتخاب أعضاء المكتب السياسي، الذي يدير السياسات الاستراتيجية والعلاقات الخارجية الذي يتولى بدوره انتخاب رئيس المكتب السياسي ونائبه، بالإضافة إلى رؤساء المناطق الثلاث: غزة، والضفة، والخارج، وفقاً لهيكل الحركة، ولا يُسمح لأي رئيس أو مسؤول بالبقاء في منصبه لأكثر من ولايتين متتاليتين، كل منهما أربع سنوات.
لم تتجاهل حماس الجدل بين المفكرين حول الشورى والديمقراطية، فهي كحركة ذات مرجعية إسلامية يرى د. يوسف رزقة في الفصل الثاني بعنوان الرؤية السياسية لحماس من كتاب (حركة المقاومة الإسلامية حماس دراسات في الفكر والتجربة)، الذي نشره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت أن “حماس تعاملت مع مفهوم الديمقراطية في الإطار العام المناقض للاستبداد وحكم الفرد ، والتزمت بآليات العمل الديمقراطي في الممارسة، وإن ظلت تفضل مصطلح الشورى على مصطلح الديمقراطية في وثائقها المكتوبة، لأن مصطلح الشورى يتوافق مع رؤيتها الإسلامية، ولأن مصطلح الديمقراطية يثير خلافاً عند الجماهير المسلمة لما يحمله هذا المصطلح الغربي من ظلال سلبية ترتبط بالفلسفة حيناً، وبالممارسة الغربية المشوهة غالباً”.
ويرى توفيق الشاوي في كتابه فقه الشورى والاستشارة (1992) أن “الديمقراطية صورة غربية من الشورى الإسلامية”.
وعن إلزامية الشورى، يقول خالد الحروب في كتابه حماس: الفكر والممارسة السياسية (1996) إن الشيخ أحمد ياسين قال من معتقله للقيادة في سنة 1993 إن “الشورى عندنا ملزمة، لا يجوز أن ينفرد شخص أو بعض أشخاص في قرار يحدد مستقبل دعوتنا، وأي قرار تتخذه الأغلبية سيكون ملزماً للجميع”.
يأتي المكتب السياسي لحركة حماس بعد مجلس الشورى العام كأعلى هيئة قيادية في الحركة، حيث يتولى المكتب صياغة السياسات الاستراتيجية وإدارة العلاقات الخارجية والتفاوض مع الدول والفصائل الفلسطينية الأخرى، وقد تأسس في عام 1989 بفضل جهود موسى أبو مرزوق، وذلك بعد سلسلة من الاعتقالات الإسرائيلية التي طالت قيادات الحركة، مثل الشيخ أحمد ياسين الذي لم يُفرج عنه إلا في عام 1997.
كما يرى أن “الممارسة العملية لمؤسسات حركة حماس” تؤكد “التزام قادتها وكوادرها بإلزامية الشورى، حيث ردّ مجلس الشورى العام قرارات عديدة للمكتب السياسي الذي يمثل السلطة التنفيذية في الحركة”.
وقد تولى أبو مرزوق رئاسة المكتب السياسي من 1992 إلى 1996، ثم خلفه خالد مشعل من 1996 إلى 2017، ليصبح إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي في 2017، وخلال انتخابات 2021، تم تعيين 16 عضواً في المكتب السياسي، مع استمرار هنية في منصبه وانتخاب صالح العاروري نائباً له، في حين بقي يحيى السنوار رئيساً للحركة في غزة. وقد شهد عام 2024 مقتل صالح العاروري في بيروت وإسماعيل هنية في طهران، في هجمات يُعتقد أن إسرائيل تقف وراءها دون تعليق رسمي منها بذلك.
وعن موقف حماس من مبدأ الفصل بين السلطات يقول رزقة أن لها “موقفين: أحدهما على المستوى العام داخل المجتمع، حيث تطالب بفصل السلطات لمنع الاستبداد، ولمنع تغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات، ولا ترفض فكرة التعاون بينها”.
وتظل العلاقة بين المكتب السياسي والجناح العسكري للحركة، خاصة فيما يتعلق بالقرارات العسكرية غير واضحة تماماً، ووفقاً لتقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن التفاصيل الرئيسية لهجوم 7 أكتوبر، الذي نفذته حماس، قد أُخفيت عن قادة الحركة في الخارج.
يلي ذلك الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام الذي يُعرف بقدرته الكبيرة على الاستقلالية في اتخاذ القرارات الميدانية وتنفيذ العمليات، وتعود جذور النشاط العسكري للحركة إلى منتصف الثمانينيات، قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحركة سياسياً.
في تلك الفترة، كان النشاط العسكري يُعرف باسم المجاهدون الفلسطينيون، وقد ساهم صلاح شحادة، مؤسس الجناح العسكري وأول قائد له، في تأسيس حركة حماس من خلال مشاركته في اجتماع تم في منزل الشيخ أحمد ياسين في غزة قبل إصدار البيان الأول للحركة.
في عام 1992، اتخذ الجناح العسكري الاسم الحالي كتائب عز الدين القسام، وظل شحادة قائداً له حتى اغتياله في عام 2002، خلال السنوات التالية، استهدفت إسرائيل العديد من القيادات البارزة في الجناح العسكري، مثل صلاح الجعبري وجمال صعب ويحيى عياش، وفي بداية حرب إسرائيل على غزة في عام 2023، استشهد أيمن نوفل، وهو أحد القادة البارزين في كتائب عز الدين القسام، ومن بين الأسماء البارزة فيها قائدها محمد الضيف، الذي تقول إسرائيل إنها استهدفته في هجوم على غزة في 2024، لكن رغم هذا التصريح، لم تؤكد حماس رسمياً مقتل الضيف، وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت إسرائيل عن مقتل مروان عيسى، نائب الضيف، لكن حماس لم تصدر بياناً رسمياً لتأكيد هذا الخبر أو نفيه.
إلى جانب تلك الأجنحة، تتواجد في حركة حماس لجان وهيئات متخصصة في مجالات متنوعة مثل الإعلام والدعوة والخدمات الاجتماعية، مما يعزز من قدرة الحركة على العمل بفعالية في مختلف الأصعدة، إضافة إلى أن انتخاب يحيى السنوار كرئيس للمكتب السياسي يعزز في غزة قيادة الجيل الجديد داخل حركة حماس.
تلقت حركة حماس مباركات من مختلف الفصائل الفلسطينية بخصوص انتخاب يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي، حتى ممثلي حركة فتح التي كانت على خلاف طويل الأمد مع حماس وجدت أن القرار منطقي.
اعتبر جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح أن تعيين السنوار هو ” رداً منطقياً ومتوقعاً على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية”، مشيراً إلى أن هذا التغيير هو جزء من استجابة حماس للأحداث الأخيرة وتعزيز قدرتها على الاستجابة للتحديات.
أما على الجانب الآخر، فقد جاءت ردود الفعل الإسرائيلية من المستويين السياسي والعسكري، بنبرة أكثر حدة حيث دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى تصفية سريعة ليحيى السنوار، واعتبر تعيينه خلفاً لإسماعيل هنية سبباً إضافياً لضرورة القضاء عليه، ومحو الحركة من الخارطة، كتب كاتس على منصة إكس قائلاً: “تعيين السنوار على رأس حماس هو دافع إضافي لتصفيته سريعاً”.
في المقابل، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، أن تغيير القيادة في حماس لن يؤثر على استراتيجية الجيش الإسرائيلي في تعقب السنوار ومهاجمته، وأكد هاليفي أن “تغيير اسم القائد لا يمنعنا من الاستمرار في البحث عنه وتنفيذ العمليات ضد أهداف حماس”.
لا شك أن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي التي تدعي الوقوف إلى جانب حق الشعب الفلسطيني لا تريده أن يتحرر من المحتل على يد مقاومة وطنية ديمقراطية، فالحرية شديدة العدوى لبقية شعوب المنطقة.