لا يستوعب الإنسان العادي التفاصيل المتعلقة بالنظم القضائية حتى يجربها بنفسه، فهناك تفاصيل كثيرة، وإجراءات عديدة، وخطوات وتدابير تجعل المظلوم يتنازل عن حقه من صعوبة تنفيذها.
أنا شخصياً ما زلت أعاني من قضية استغرقت عشر سنوات، مررت فيها على جميع المحاكم ودرجات التقاضي مرتين، وبعد كل هذه المعاناة حصلت على حكم قضائي لصالحي ولله الحمد بعد سبع سنوات، ولكن لم يستطع المحامون ولا القضاة تنفيذه حتى تاريخ كتاتبة هذا المقال.
ما زلت أجزم أن الحق محفوظ، وبالتأكيد هو كذلك عند الواحد العادل، إلا أن النظم القضائية وأرجو أنها لا تعطل تطبيق العدالة، ولا تعرقل إرجاع الحقوق لأصحابها.
رفعت الدعوى في عام ٢٠١٤ ضد إحدى المؤسسات ذات النفع العام التي تعنتت ورفضت دفع المستحقات المتعاقد والمتفق عليها بعد إتمام العمل المطلوب، وكانت هذه القضية أول تجربة لي مع المحاكم بشكل عام.
كان علي في البداية أن أوكل محامياً لكي يتولى القضية وإجراءاتها وحضور الجلسات والأهم كتابة المذكرات، والمذكرة هي الوسيلة الرئيسية في كيفية التواصل بيني وبين القاضي.
تبين كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة ديالى أن المذكرة هي “بيان مكتوب معد من قبل المحامي يجادل فيه قضية مطروحة بالمحكمة، ويحتوي على ملخص لوقائع القضية، والقوانين ذات الصلة، وحجة كيفية تطبيق القانون على الوقائع التي تدعم موقف المحامي.”
وأيضاً من الأمور الرئيسية التي وضحها المحامي أن قضيتي تعتبر مدنية، أي أن هذا النوع من النزاع تحت ما يسمى بالقانون المدني، وهو أحد فروع القانون الخاص.
في العموم القانون إما أن يكون عاماً أو خاصاً، وحددت موسوعة ودق القانونية ما يشتمل عليه كل واحد منهما، أما “القانون العام يشمل كل من القانون الإداري، والقانون الدستوري، والقانون المالي، والقانون الجنائي، أما القانون الخاص فإنه يشمل كل من القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون المرافعات المدنية والتجارية.”
وتعتبر الموسوعة أن القانون المدني مجموعة من القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم العلاقات والنزاعات بين الأفراد والمجتمع، أو الأفراد والدولة من جهة أخرى، وباختصار هو ” قانون الأحوال الخاضعة لتطور حياة المجتمع العصرية” كما يعرفه معجم المعاني الجامع.
تدرجت قضيتي عبر السنين على محاكم الدولة جميعها، بدأت مع المحكمة الابتدائية، التي عينت خبيراً ليوضح للمحكمة الأمور الفنية والمالية المرتبطة بالقضية، ولكن حكمها الصادر لم يراعي أموراً كثيرة، فاضطرني ذلك للطعن في الحكم، وبذلك انتقلت الدعوى لمحكمة الاستئناف التي انصفتني، فطعن خصمي في الحكم، فانتقلت الدعوى لمحكمة التمييز التي اقرت الحكم الصادر من محكمة الاستئناف.
في مقال سابق بعنوان إضاءات على القضاء القطري بيّنتُ في مجلة قول فصل الإلكترونية أن نظام محاكم قطر لحق بمن حوله من دول إسلامية أخرى ودمج الشرعي واللاتيني وكون نظاماً قضائياً خاصاً به، ويختلف النظام اللاتيني ذو الأصل الفرنسي النابليوني عن الأنجلوسكسوني المتبع في بريطانيا وأمريكا.
وفي ورقة بحثية بعنوان نظرة عامة على نظام المحاكم في قطر لسارة الجليل وأشرف فيشاوي توضح أن الفرق بين النظامين اللاتيني والأنجلوسكسوني في مسألة التبعية للسوابق القضائية، إذ إن الإنجلوسكسوني يعتبرها مصدراً رئيسياً لما يصدر من أحكام، والآخر يعتبرها مصدراً ثانوياً.
وجدير بالذكر أن المحاكم الدنيا في النظام القضائي في قطر قد تلتزم بقضاء المحاكم العليا “التزاماً أدبياً وليس قانونياً.”
أصدرت دولة قطر قانون السلطة القضائية رقم (10) لسنة 2003 وذلك بالتزامن مع إصدار دستورها الدائم، وتم ترتيب محاكمها وتنظيمها على نحو تتكون فيه من ثلاث درجات، ابتدائية واستئناف وتمييز، وكل واحدة منها مختصة بالفصل في المسائل التي ترفع إليها طبقاً للقانون، ودرجات التقاضي هذه تعتبر لاتينية.
ويعني ذلك أن كل دعوى تمر بثلاث مراحل: أولاً، محكمة أول درجة للنظر الابتدائي، ثم محكمة الاستئناف لمراجعة وتعديل أو إلغاء الحكم، وأخيراً محكمة التمييز لفحص قانونية الحكم دون إعادة النظر في تفاصيل الدعوى، إلا إذا كان الطعن للمرة الثانية أو كانت الدعوى مهيأة للفصل النهائي.
قدما الجليل وفيشاوي قائمة متنوعة من القضايا التي تنظرها هذه المحاكم، تضمنت النزاعات المدنية والتجارية مثل قضايا العقارات ومنازعات عقود الإنشاءات، بالإضافة إلى القضايا العمالية التي أصبحت تُنظر أمام لجنة مختصة وفق التعديل الأخير لقانون العمل القطري.
كما تنظر المحاكم في قضايا الأسرة والتركات، بالإضافة إلى ذلك، تتعامل المحاكم مع القضايا الإدارية التي تكون الدولة طرفاً فيها، وفقاً للقانون رقم 7 لسنة 2007 الذي يحدد اختصاص القضاء الإداري حصرياً، علاوة على ذلك، تتولى المحاكم النظر في استئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى الإيجارية من لجان فض المنازعات الإيجارية.
ووضحا أن مدة إصدار الحكم النهائي في المحاكم تعتمد على نوع القضية ودرجة التقاضي، وأفادا أن القضايا المدنية والتجارية في محكمة أول درجة تستغرق من 6 إلى 12 شهراً، بينما تستغرق القضايا الجنائية والإدارية من شهرين إلى 6 أشهر.
أما القضايا الاستئنافية المدنية تستغرق من 2 إلى 6 أشهر، لكن التأخيرات قد تمدد إلى 12 شهراً، وفي محكمة التمييز، تستغرق القضايا المدنية من 2 إلى 4 أشهر، والقضايا الجنائية من 6 أشهر إلى سنة، ليصبح الحكم نهائياً إذا لم يتم الطعن عليه في الوقت المحدد.
السبب الرئيسي لتأخر الحصول على حكم نهائي في قضيتي كان تأخري في استئناف الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى، حيث يجب تقديم الطعن خلال مدة ثلاثين يوماً، ولحسن حظي عندما رفعت دعواي في أول الأمر، قدم خصمي تبريراً لعدم دفع المستحقات من خلال اتهامات شكلت قضية فرعية استمرت حتى محكمة التمييز، وبعد صدور حكمها الذي كان لصالحي، تمكنت من الاستعانة به لإعادة فتح القضية في المحكمة الابتدائية مرة أخرى التي أقرت حكم المحكمة العليا وربما أدبياً كما أشارا الجليل وفيشاوي، وبذلك كسبت القضيتين.
منذ ثلاث سنوات وأنا أحاول تنفيذ الحكم، وأحسب أن الحكم القضائي يعتبر أمراً ملزماً للمحكوم عليه، ويعتبر التنفيذ هو الإجراء الأخير ومحصلة الحكم القضائي، ويكون تحت إشراف ورقابة قاضي التنفيذ.
يقول زين العابدين شرار في مقال له بعنون التنفيذ الجبري إن “قاضي التنفيذ هو أحد قضاة المحكمة الكلية أو الجزئية بالمحكمة الابتدائية ويختص بالفصل في جميع منازعات التنفيذ، وبإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ.”
ويضيف شرار أن التنفيذ يتطلب سنداً تنفيذياً ليتمكن المدعي من استيفاء حقه، ويعرف قانون رقم (13) لسنة 1990 الخاص بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية السندات التنفيذية على أنها “الأحكام والأوامر الصادرة من المحاكم واتفاقات الصلح التي أثبتت بمحضر الجلسة أو ألحقت به والأوراق الرسمية التي يعطيها القانون قوة التنفيذ.”
ليست كل الأحكام الملزمة لها سندات تنفيذية، بل فقط تلك التي تكتسب قوة الأمر المقضي به، أي التي لا تقبل الطعن بالطرق العادية.
غطى شرار في مقالته هذه الأحكام: أولاً الأحكام غير القابلة للاستئناف من محاكم الدرجة الأولى ضمن حدود مالية معينة، وثانياً الأحكام الصادرة من المحاكم الاستئنافية التي تؤيِد أو تُعدل أحكام الدرجة الأولى.
وأضاف شرار أنه حتى إذا كانت هناك طرق طعن غير عادية كالتماس إعادة النظر أو التمييز، فإن ذلك لا يمنع تنفيذ الحكم، إلا إذا صدر حكم جديد يجبه.
بصورة عامة، من الواضح من مواد قانون رقم (13) لسنة 1990 أن محكمة التنفيذ تفصل في جميع المنازعات مهما كانت قيمتها، ولديها الصلاحية لإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، كالاستعانة بالشرطة والقوى المختصة، وإيقاف الخدمات أو رفعها، والأمر بمنع السفر أو رفعه، والأمر بالحبس والإفراج، والأمر بالإفصاح عن الأصول وحجزها.
ولا شك أن تنفيذ الأحكام القضائية يساهم في تحقيق العدالة، ويضمن حصول أصحاب الحقوق على حقوقهم، مما قد يضمن استقرار المجتمع وتقدمه، لذلك أنا واثق أن حقي سيصلني كاملاً بإذن الله مهما كانت العقبات التي أواجهها.