يقوم القانون الإداري على مجموعة من المفاتيح تتضمن مفاهيم ومصطلحات تلخص جوهره، فهو أحد فروع القانون العام الذي ينظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظائفهاالادارية، وينظم كذلك علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيئات، كما أنه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة الأفراد وجهة القضاء التي تختص بها.
في مقالة لآية الرشيدي في جريدة السياسة الكويتية توضح فيها الفرق بين القانون العام والخاص، بينت أن “القانون العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفاً فيها باعتبارها سلطة ذات سيادة، أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد، أو بينهم وبين الدولة، باعتبارها شخصاً عادياً لا باعتبارها سلطة ذات سيادة.”
وهنا قد يطرأ في ذهن المرء أنه من الغريب أن تقوم الدولة بمحاكمة نفسها في حال قصرت في حقوق مواطنيها، ولكن في ظل استقلالية القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية تصبح العدالة أمراً حتمياً.
فالقانون أساساً يجب أن يجعل القضاة مستقلين وغير قابلين للعزل إلا وفقاً لأحكامه، ولا يجوز المساس بقراراتهم، أو التدخل في شئونهم، لذلك كان لابد من البحث عن فكرة يستند إليها القانون الإداري في التطبيق.
يقول يوسف البشير في كتابه مبادئ القانون الإداري إن هذه الاعتبارات تم التفكير بها في فرنسا مهد القانون الإداري عندما وضعوا قضاء إدارياً مستقلاً متخصصاً ينظر في المنازعات الإدارية إلى جانب القضاء العادي الذي يتولى المنازعات التي تنشأ بين الأفراد، وبمعايير وتطبيقات وسلطة مختلفة عنه.
ويضيف البشير أنه “عندما نشأ القانون الإداري في فرنسا مع الثورة الفرنسية عام 1789، أراد قادة الثورة تنفيذ إصلاحات دون تدخل المحاكم القضائية التي كانت تتدخل في شؤون الإدارة، لذلك حرمت الثورة المحاكم من مراقبة أعمال الإدارة العامة، وأعطت الإدارة حق الفصل في المنازعات المتعلقة بها.”
وفي بحث لأحمد مومني يناقش مبدأ استقلالية القضاء الإداري كضمانة لتكريس مبدأ المشروعية في ضوء التشريع الجزائري، نوه أن مبدأ استقلالية القضاء الإداري هو أساس لحماية حقوق الإنسان وتكريس مبدأ المشروعية ضد تعسف الإدارة، ضمن هرم قانوني، يعلوه الدستور، وأسفله القوانين العادية، وأسفلها أعمال السلطة التنفيذية.
فمصطلح الإدارة يعني الدولة التي تعتبر أحد أطراف النزاع في إطار القانون العام، فهو يشمل مؤسساتها وهيئاتها ومرافقها، والقرارات الصادرة عن أشخاص يمثلونها، سواء كانوا حكاماً أو وزراء أو موظفين، فكل ما يصدر منهم يعتبر صادراً عن الدولة.
ويُطبق الأمر ذاته على أي كيان يعبر عن المصالح الحكومية كالصحة والتعليم والمواصلات وغيرها، حتى تصرفات وقرارات الجمعيات والمراكز والاتحادات المرخصة تخضع هي بدورها أيضاً لرقابة القضاء الإداري تحقيقاً لمبدأ المشروعية.
ويمكن ملاحظة ذلك في أمور عدة مثل الانتخابات التي تجريها، والضرائب التي تجنيها، وفي إزالة المباني المخالفة لقوانينها، وبين الموظف الحكومي ومرافقها.
فقد يُفصل موظف ما من عمله، فيأتي القضاء الإداري لينظر في قرار فصله الذي تحول إلى نزاع بينه وبين إدارته، كي يستعيد له حقوقه المهدرة.
وفي أحد البحوث المنشورة بجامعة الملك عبدالعزيز تم توضيح المقصود بالمشروعية قائلاً “أن تخضع الدولة بهيئاتها وأفرادها جميعهم لأحكام القانون وأن لا تخرج عن حدوده، ومن مقتضيات هذا المبدأ أن تحترم الإدارة في تصرفاتها أحكام القانون، وإلا عدت أعمالها غير مشروعة وتعرضت للبطلان.”
والأساس الذي يقوم عليه المبدأ مرهون باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك أسباب قهرية قد تجبر الدولة على تجاهل مبدأ المشروعية مثل حرب أو زلزال أو ثورة تخلق معايير استثنائية في اتخاذ القرارات الإدارية المختلفة.
أرادت قطر أن تسلك هذا المسار لتحقيق العدالة والاستقرار ولتحمي أفرادها مما قد يطرأ من بعض الأشخاص الممثلين للدولة وفي لحظة غياب للضمير من أصحاب النفوس المريضة، الساعين لاستغلال مناصبهم ونفوذهم أسوأ استغلال.
ففي عام 2007 صدر في قطر قانون رقم (7) بشأن الفصل في المنازعات الإدارية الذي يقضي بإنشاء دوائر في المحكمة الابتدائية تنظر في المنازعات المتعلقة بهذا الشأن، ودائرة في محكمة الاستئناف للنظر في طعونها.
إلا أن القانون نفسه في مادته الثالثة حدد نزاعات إدارية معينة تنظر الدائرتان فيها، وهي “المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت والعلاوات المستحقة للموظفين أو لورثتهم، أياً كانت تدرجاتهم الوظيفية.”
وراعى أيضاً “الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بترقية الموظفين من الدرجة الأولى فما دونها وما يعادلها أو إنهاء خدماتهم، والقرارات التأديبية الصادرة بشأنهم”.
واستثنى القانون الأوامر والقرارات والمراسيم الأميرية، وبين في التعديل الذي تم على القانون في عام 2013 بشكل واضح وصريح أنه “ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة ومسائل الجنسية.”
واستثنى كذلك “القرارات الصادرة بموجب القوانين المتعلقة باللجوء السياسي، والإقامة الدائمة، ودخول وخروج الوافدين وإقامتهم وإبعادهم، والجمعيات والمؤسسات الخاصة، والمراكز الدينية، والمطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات، وتراخيص الأسلحة والذخائر والمتفجرات، ونزع الملكية للمنفعة العامة، والقرارات المتعلقة بتحديد العنوان الدائم للناخب، والقرارات المتعلقة بالألقاب والانتساب للقبائل والعائلات.”
وأيضاً استثنى القرارات الصادرة بموجب القانون رقم (17) لسنة 2002 بشأن حماية المجتمع الذي يعطي وزير الداخلية حق التحفظ على المتهم في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو الواقعة على العرض أو المخلة بالحياء أو الآداب العامة، “إذا ثبت أن هناك مبررات قوية تقتضي ذلك، بناءً على تقرير بالواقعة يرفعه مدير عام الأمن العام.”
فمدلول الدعاوي المرفوعة في قطر ليس واسعاً ليشمل كافة الشخصيات الممثلة للدولة، ولكنه ضيق ليشمل هيئة أو إدارة بعينها، ضمن معيار شكلي ينظر لإجراءات القرار فقط، أو ضمن معيار موضوعي ينظر إلى مضمون القرار ومدى صحته بشكل تفصيلي، مما يحد من نطاق صلاحيات القضاء الإداري.
كذلك شرع القانون بشأن الفصل في المنازعات الإدارية مواداً تنظم إلغاء القرارات الإدارية وكيفية تعويض أصحاب الدعاوى.
فعلى سبيل المثال، إذا رفع موظف حكومي دعوى بإلغاء قرار فصله، وثبت لدى القضاء الإداري أن الفصل كان تعسفياً، يتم إلغاء القرار ويعود الموظف إلى عمله كما كان، وقد يحدث أن يبقى الموظف دون عمل خلال فترة النظر في دعواه، وحينها يمكنه المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة من عدم تقاضيه راتباً خلال هذه الفترة على سبيل المثال.
فالدائرة الإدارية يمكنها بناء على المادة رقم 7 أن تأمر “باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه لحين الفصل في طلب إلغاء قرار إنهاء الخدمة، إذا رأت من ظروف الدعوى ما يبرر ذلك. “
بشكل عام تعتبر قطر من الدول التي تأخرت نسبياً في تبني القضاء الإداري، وهذا يعني أن تجربتها ليست بسعة تجربة القضاء الإداري في دول عربية أخرى، لذلك على المشرع النظر بجدية إلى تطويره والاستفادة من تجارب الغير، فالقضاء يعد مصدر العدالة، وكلما كان اللجوء إليه في متناول الأفراد كلما شعروا بالطمأنينة والأمن وزاد استقرار البلاد.
والقضاء الإداري بشكل خاص هو أحد المنافذ التي تمكن الدولة قبل الأفراد من مراجعة وتعديل التشريعات والقوانين والقرارات، ويجب أن تتميز بالمرونة والسرية والإجراءات الآمنة التي يتم اتباعها بشكل مستقل يحقق العدالة في تسوية النزاعات.