في إطار جهود مجلس النواب المصري لتحديث وتطوير منظومة العدالة الجنائية، وافق البرلمان في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 10 فبراير 2025 على 398 مادة ضمن مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية، سعياً إلى مواكبة التحديات القانونية المعاصرة، وتحقيق توازن بين تعزيز العدالة الجنائية وضمان احترام حقوق الأفراد وحرياتهم.
شهدت الجلسة حضور عدد من كبار المسؤولين، من بينهم وزير الشؤون النيابية والقانونية، ووزير العدل، وممثلون عن وزارة الداخلية، ومجلس الشيوخ، ومجلس القضاء الأعلى، ونقابة المحامين، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وقد تمت مناقشة العديد من المواد التي تهدف إلى تسريع إجراءات التقاضي وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة.
من أبرز التعديلات التي تم إقرارها، تعديل المادة 339 التي أصبحت تمنح القاضي الجزئي صلاحية إصدار قرارات إيداع المتهم المصاب باضطراب نفسي أو عقلي تحت الملاحظة، بدلاً من محكمة الجنح المستأنفة، مما سيسرع الإجراءات وتخفيف العبء عن المحاكم العليا، وسيتيح سرعة التعامل مع هذه الحالات.
كما تم تعديل المادة 340 بتمديد مدة الاستئناف على أمر الإيداع تحت الملاحظة من 24 ساعة إلى 48 ساعة، وهو ما يمنح المتهمين فرصة أكبر للطعن في القرارات، خاصة في حال صدورها خلال العطلات الرسمية.
وفي إطار دعم المحامين المنتدبين وتعزيز دورهم في توفير الدفاع القانوني لغير القادرين، وافق المجلس على تعديل المادة 357 بحيث تكون المحكمة هي المختصة بالنظر في التظلمات المتعلقة بتقدير أتعاب المحامين المنتدبين، مما يسهم في تشجيع المحامين على قبول هذه القضايا وضمان عدالة الأتعاب.
كذلك، شملت التعديلات المادة 365 التي أكدت على ضرورة إعلان المتهمين بورقة التكليف بالحضور وإبلاغهم بأمر الإحالة لضمان إتاحة الوقت الكافي لإعداد دفاعهم، وذلك لتعزيز مبدأ المحاكمة العادلة وضمان عدم تفويت الفرصة على المتهمين في الدفاع عن أنفسهم.
على الجانب الآخر، أثارت بعض المواد في مشروع القانون مخاوف حقوقية، لا سيما البنود المتعلقة بمراقبة وسائل الاتصال الشخصية، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، فقد أعربت منظمات حقوقية ونقابات، مثل نقابة المحامين ونقابة الصحفيين، عن اعتراضها على هذه التعديلات، معتبرة أنها قد تشكل تهديداً للحريات الشخصية وتمنح السلطات صلاحيات واسعة في تتبع الأفراد دون وجود ضمانات كافية.
من جهتها، تؤكد الحكومة أن هذه التعديلات تأتي في إطار التحديث التشريعي لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتعزيز الأمن القومي، مشددة على أنها لا تستهدف تقييد الحريات وإنما تهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية الحقوق وضمان استقرار الدولة، وأشارت إلى أن هذه الإصلاحات تتماشى مع دستور 2014 واستراتيجية حقوق الإنسان الوطنية، مؤكدة أن المناقشات داخل البرلمان ما زالت مستمرة لضمان توافق هذه التعديلات مع المبادئ الدستورية ومتطلبات العدالة.
مع استمرار النقاش داخل البرلمان، من المتوقع أن تخضع بعض المواد لمزيد من المداولات قبل إقرار المشروع النهائي، لا سيما تلك المتعلقة بالمراقبة الإلكترونية وضمانات المحاكمة العادلة.
قد تشهد الجلسات القادمة تعديلات إضافية بناءً على توصيات الجهات القانونية والمنظمات الحقوقية، لضمان تحقيق توازن عادل بين الأمن وحماية الحريات الفردية.
تمثل هذه التعديلات خطوة هامة في مسيرة تحديث النظام القانوني المصري، لكنها تبقى خاضعة للنقاش والتطوير بما يضمن تحقيق العدالة وتعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة مع استكمال المناقشات داخل البرلمان.