spot_imgspot_img
بيتأخبارجدل سياسي في العراق حول قانون المحكمة الاتحادية وصلاحياتها

جدل سياسي في العراق حول قانون المحكمة الاتحادية وصلاحياتها

شهد العراق موجة جديدة من الجدل السياسي والقانوني بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أمراً ولائياً يقضي بتعطيل ثلاثة قوانين مثيرة للجدل، وهي قانون العفو العام، قانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات، بسبب الشكوك حول صحة التصويت عليها دفعة واحدة، مما أثار ردود فعل متباينة بين الأطراف السياسية والقانونية، وفتح باب النقاش حول الصلاحيات الدستورية للمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى.

تصاعدت الخلافات بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا حول مفهوم الأوامر الولائية وصلاحيات كل جهة في اتخاذها، حيث قدم مجلس القضاء الأعلى تفسيراً جديداً لمفهوم “القرارات” و”الأوامر الولائية”، مشيراً إلى أن الأوامر الولائية، رغم أنها تدخل ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية، إلا أنها تظل قابلة للطعن وفقًا لقانون المرافعات المدنية.

في المقابل، أصرّت المحكمة الاتحادية العليا على أن قراراتها، بما في ذلك الأوامر الولائية، إلزامية ونهائية ولا تخضع للطعن، حيث يمنحها الدستور قوة تنفيذية كاملة.

وأوضح نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، القاضي حسن فؤاد، أن القضاء الولائي لا يدخل ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية، مؤكداً أن المادة 94 من الدستور العراقي تنص على أن قرارات المحكمة باتّة وملزمة لجميع السلطات، ولكن مع التأكيد على أن الأوامر الولائية لا تمس بأصل الحق وتظل قابلة للطعن.

يُعرف الأمر الولائي وفقًا للمادة 151 من قانون المرافعات المدنية بأنه إجراء إداري مؤقت يصدره القاضي المختص بناءً على طلب أحد أطراف النزاع، في القضايا المستعجلة، ويهدف إلى حماية الحقوق والحريات العامة لحين الفصل في الدعوى الرئيسية.

كما أن المادة 300 من القانون ذاته تؤكد أن الأمر الولائي يتمتع بقوة النفاذ المستعجل ويوقف تنفيذ كافة الإجراءات والقرارات المرتبطة بالموضوع، لحين حسم القضية.

في 21 يناير الماضي، أقر مجلس النواب العراقي مجموعة من القوانين التي أثارت انقساماً واسعاً، وأبرزها قانون الأحوال الشخصية الذي شهد اعتراضات واسعة، خصوصاً من قبل الناشطين الحقوقيين والمنظمات النسوية.

قوبل هذا القانون بمعارضة حادة بسبب المخاوف من إمكانية السماح بزواج القاصرات وحرمان الزوجة من حقوقها المالية والحضانة، واعتبرت بعض الأحزاب الشيعية أنه يعزز حرية المعتقد، فيما رأت جهات أخرى أنه يهدد حقوق المرأة والطفل.

أما قانون العفو العام، فقد طالبت الأحزاب السنية بتمريره كشرط أساسي لتشكيل الحكومة الحالية، بهدف إطلاق سراح معتقلين من مناطق غرب وشمال العراق، لكن بعض المراقبين حذروا من شموله مدانين بقضايا فساد، لا سيما المتورطين في ما يُعرف بـ “سرقة القرن”.

وبالنسبة لقانون إعادة العقارات، فقد واجه معارضة شديدة من جهات سياسية تخشى أن يؤدي إلى إعادة توزيع غير عادل للأراضي والعقارات.

توالت ردود الفعل السياسية على قرارات المحكمة الاتحادية، حيث دعا الأمين العام للمشروع الوطني العراقي، جمال الضاري، إلى اجتماع طارئ للقادة محذراً من الزج بالقضاء في النزاعات السياسية.

أما رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، فقد اتهم المحكمة بتسييس قراراتها، داعياً إلى مظاهرات شعبية رفضاً لما اعتبره تدخلاً غير قانوني في عمل السلطة التشريعية.

من جهة أخرى، أعلن محافظو صلاح الدين والأنبار ونينوى تعطيل الدوام الرسمي احتجاجاً على قرارات المحكمة، فيما دعت هيئة علماء الدين في الفلوجة إلى إقامة صلاة موحدة يوم الجمعة المقبلة.

وفي موقف مؤيد للمحكمة، أكد النائب جواد اليساري أن قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة ولا يجوز الطعن فيها، مشيراً إلى أنها جهة قضائية مستقلة لا تنحاز لأي طرف سياسي.

في المقابل، اعتبر عضو البرلمان، محما خليل، أن المحكمة لجأت إلى الأوامر الولائية كإجراء احترازي لمنع تطبيق القوانين قبل استكمال التحقيقات اللازمة.

في سياق آخر، دعا تحالف العزم السني إلى إطلاق حوار وطني شامل بهدف إعادة صياغة الدستور، لضمان التوازن بين السلطات ومنع تداخل الاختصاصات بين القضاء والبرلمان.

في المقابل، رد مجلس القضاء الأعلى على قرار المحكمة، مؤكداً أنه لا يجوز إيقاف تنفيذ القوانين قبل نشرها في الجريدة الرسمية، ما يشير إلى استمرار الخلافات القانونية حول سلطة المحكمة في إصدار الأوامر الولائية.

يبدو أن العراق مقبل على مرحلة جديدة من الصراع بين السلطات، حيث تسعى المحكمة الاتحادية إلى فرض سلطتها الدستورية في مواجهة مجلس القضاء الأعلى والبرلمان، وبينما تستمر الخلافات السياسية والقضائية حول مشروعية القوانين الأخيرة، يظل التساؤل الأكبر قائمًا: هل ستنجح القوى السياسية في إيجاد مخرج لهذه الأزمة، أم أن العراق سيواجه موجة جديدة من الاضطرابات الدستورية؟

القانون ليس مجرد نصوص جامدة، بل هو ميزان يحفظ استقرار الدول.. والسؤال الآن: هل سيبقى هذا الميزان متوازنًا في العراق؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية