بعيون مشدودة إلى شاشات التلفاز وقلوب تتسارع وتيرة نبضاتها في انتظار الحسم بين المرشحين قطر والولايات المتحدة لاستضافة مونديال 2022، شهد الثاني من ديسمبر 2010 إعلان الفيفا فوز قطر.
عمت السعادة كل من كان متواجداً على أرض قطر بهذا الإعلان، وارتفعت صيحات الفرح في شوارع الدوحة ابتهاجاً بهذا التشريف الذي كان احتمال تحقيقه صعباً وغير مضمون.
لكن في المقابل كان هناك من وجد في هذا الحدث العالمي فرصة للاستغلال وتحقيق مآرب خاصة.
كانت صحيفة الغارديان أول من استهدف هذا الحدث بسلسلة متواصلة من المقالات التي تتهم قطر بضعف تشريعاتها القانونية فيما يخص العمالة الوافدة، بل ادعت وقوع انتهاكات لحقوقهم على أراضيها، فاستمرت هذه الحملة الإعلامية المستعرة بلا هوادة لأكثر من عقد كامل من الزمن، في انتقاد صريح لأحقية قطر في استضافة هذه البطولة العالمية.
تبعت الغارديان في ذلك عدة قنوات أوروبية منها قناة بي بي سي البريطانية، إضافة لقنوات تلفزيونية ألمانية مثل دويتشه فيله.
السبب الخفي لانتقادات الغرب
تقع دول الخليج في منطقة جيوسياسية غاية في الأهمية، فبها مضيق باب المندب الذي تمر من خلاله 10٪ من الملاحة العالمية ، ومضيق هرمز الذي تعبر من خلاله 40٪ من ناقلات النفط في العالم. فمثلاً تعتبر دولة قطر أحد أكبر مصدّري الغاز الطبيعي في العالم.
لذلك باتت المنطقة بهذه المقدرات والموارد الهائلة في نظر كثير من الدول الغربية مطمعاً سياسياً واقتصادياً، جعلها تختلق أوراق ضغط سياسية على دول الخليج، طمعاً في الحصول على مآرب اقتصادية خاصة، كان من بين تلك الأوراق مزاعم انتهاك حقوق العمالة الوافدة في دول الخليج.
تعديل قوانين العمل من إلى
وقد قامت دولة قطر بتعديلات إيجابية ملحوظة فيما يخص حقوق العمالة الوافدة في القانون رقم (21) لسنة 2015 الخاص بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقاماتهم وما تلاه من مراسيم، منها تجريم الاحتفاظ بجواز سفر العامل، وفرض غرامة كبيرة على من يقوم بذلك، وإلغاء مأذونية الخروج، بل وإلغاء نظام الكفالة واستبداله ببنود تضبط علاقة عمل تعاقدية بين العامل ورب العمل سواء كان فرداً أو مؤسسة.
ومن ضمن هذه البنود “يجب على كل وافد للإقامة في الدولة لأي غرض، أن يحصل على ترخيص بذلك من الجهة المختصة، ويلتزم المستقدم بالقيام بإجراءات الترخيص وتجديده، خلال مدة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ انتهائه، وعلى صاحب العمل تسليم الوافد للعمل جواز سفره ووثيقته بعد الانتهاء من إجراءات الترخيص أو التجديد، ما لم يطلب الوافد من صاحب العمل كتابةً الاحتفاظ له به، على أن يسلمه له عند الطلب”.
كما نص القانون على أنه “يُحظّر على أي شخص طبيعي أو معنوي استخدام وافدين دون إبرام عقد عمل، أو استخدام الوافدين الذين يستقدمهم للعمل لديه للعمل لدى جهات أخرى. “
“واستثناءً من ذلك، يجوز لوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية أن تأذن للمستقدم بإعارة عمالة الوافدين إلى صاحب عمل آخر للعمل لديه مدة لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة”.
“كما يجوز لها أن تأذن للوافد بالعمل بعض الوقت لدى جهة عمل أخرى بالإضافة إلى عمله الأصلي. وفي جميع الأحوال، يجب الحصول على موافقة المستقدم والوافد للعمل”.
كذلك ينص قانون رقم (13) لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (21) لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهمعلى أن “يكون للوافد للعمل الخاضع لقانون العمل المشار إليه، الحق في الخروج المؤقت أو المغادرة النهائية للبلاد خلال سريان عقد العمل، ويجوز للمستقدم أن يقدم طلباً مسبباً ومسبقاً لوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية بأسماء من يرى ضرورة موافقته المسبقة على مغادرتهم للبلاد بسبب طبيعة عملهم بما لا يجاوز (5%) من عدد العاملين لديه، وفي حال موافقة وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية على الطلب تُخطر الجهة المختصة بذلك.”
“وبالنسبة للوافدين للعمل غير الخاضعين لقانون العمل المشار إليه، فتحدد ضوابط وإجراءات خروجهم من البلاد بقرار من الوزير.”
“وللوافد العامل في حالة عدم تمكينه من مغادرة البلاد لأي سبب من الأسباب، اللجوء إلى لجنة تظلمات خروج الوافدين التي يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها والإجراءات التي تتبع أمامها ونظام عملها قرار من الوزير، وعلى اللجنة أن تبت في التظلم خلال ثلاثة أيام عمل”
قوانين العمل في الغرب
رغم أن المغتربين في الغرب لا تزيد نسبتهم في المعتاد عن 10٪ وفي أقصى التقديرات النادرة جداً 25٪، إلا أن دعاوى الاندماج ورفض الأجانب أدت إلى أن قوانين العمل للعمالة الوافدة في تلك البلاد باتت تتصف بقيود كبيرة تكاد تكون تعجيزية، مما دفع بالآلاف إلى طرق هجرة غير شرعية، رغم ما تحمله من مخاطر قد تعرض حياة الإنسان للتهلكة، بل تتسم هذه القوانين بالتمييز والتفرقة المتحيزة بين العمالة الوافدة الغربية وغير الغربية، كما لا يجوز في الغرب للأفراد أن يستقدموا عمالة وافدة.
في المقابل تسمح دولة قطر للمقيم الوافد أن يستقدم زوجه وأبنائه بل ووالديه في حالات معينة، إذ تنص المادة 33 على أنه “يجوز منح الإقامة دون اشتراط العمل، لزوج وأبناء ووالدي المرخص له بالإقامة، وفقاً لحكم المادة (30)” من قانون رقم (21) لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم”.
ففي ألمانيا مثلاً نجد جانباً مما يشترطه المركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية لاستقبال العمالة الوافدة على النحو التالي تحت مسمى هجرة العمالة الماهرة المتخصصة إلى ألمانيا، وذلك على النحو التالي:
قبل الالتحاق بأي عمل يلزم الحصول على تصريح بالإقامة ويسمح بمزاولة هذا العمل، و يتعين قبل السفر إلى ألمانيا تقديم طلب للحصول على تأشيرة سفر لدى البعثة الدبلوماسية الألمانية (السفارة أو القنصلية العامة) المختصة بمحل الإقامة.
وفي معظم الحالات يتم إصدار التأشيرة فقط بعد الحصول على موافقة وكالة العمل الاتحادية، كما تقوم البعثة الدبلوماسية الألمانية في الخارج عادة بتحصيل تلك الموافقة، وبعد استيفاء كافة الشروط، يحصل المتقدم على تأشيرة وطنية ذات صلاحية محددة، حيث يتعين خلال هذه المدة تقديم طلب الحصول على تصريح الإقامة طويل الأمد لدى مكتب شؤون الأجانب، وهذا في محل الإقامة الجديد.
إذا كان لدى المتقدم الحق في التنقل الحر بموجب القانون الأوروبي، فلا تسري تلك الأحكام عليه، حيث “يتمتع مواطنو دول الاتحاد الأوروبي والنرويج وأيسلندا وإمارة ليشتنشتاين وسويسرا بحق التنقل الحر؛ فيجوز لهم السفر إلى ألمانيا دون تأشيرة، كما أنهم لا يحتاجون إلى تصريح لمزاولة العمل. أما أفراد أسرهم المرافقون لهم والحاملون لجنسية دولة غير مذكورة أعلاه، فإنهم يحتاجون في العادة إلى تأشيرة لدخول ألمانيا يحصلون عليها بعد اتخاذ إجراءات مبسطة، ليتمتعوا بعد دخولهم ألمانيا بنفس الامتيازات المتاحة لأفراد أسرهم المسموح لهم بالتنقل الحر”.
و”إذا كنتم تحملون جنسية إحدى الدول التالية، وهي أستراليا وإسرائيل واليابان وكندا وجمهورية كوريا ونيوزيلاندا والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يحق لكم السفر إلى ألمانيا دون تأشيرة. يتسنى لكم تقديم طلب للحصول على تصريح الإقامة المحلي لدى مكتب شؤون الأجانب الذي يقع في دائرته محل إقامتكم المستقبلي في ألمانيا. أما إذا كنتم ترغبون في العمل أو الالتحاق بوظيفة بعد وصولكم إلى ألمانيا مباشرة وقبل الحصول على تصريح الإقامة المحلي، فإنه يتعين عليكم طلب تأشيرة سفر تخوّلكم لمزاولة عمل”.
الشروط التي يجب أن تستوفيها العمالة الماهرة المتخصصة في ألمانيا
الحصول على اعتراف بالمؤهِّل الأجنبي، الحصول على عرض عمل محدد، لإثبات ذلك، على رب العمل المستقبلي استيفاء استمارة “إقرار بشأن علاقة العمل”، والحصول على تصريح بمزاولة المهنة (أو على تعهد من الجهة المختصة بمنحه للمتقدم)، ذلك إذا كان يرغب في مزاولة مهنة منظمة (أي خاضعة للقوانين المنظمة للمهن) مثل العمل في المجال الصحي، وتلبية الشروط العامة لقانون الأجانب مثل امتلاك جواز سفر ساري المفعول وتوفر مصدر مضمون لتغطية نفقات المعيشة إلخ، وطلب الحصول على تأشيرة فقط عند استيفاء كافة الشروط والحصول على جميع المستندات اللازم إرفاقها بالطلب، كما لن يتم النظر في طلب التأشيرة المقدم إلا بعد الحصول على الاعتراف بالمؤهِّل الأجنبي الخاص بالمتقدم.
قوانين الكفالة في دول الخليج
تسعى معظم دول الخليج لمواجهة أي تهديدات ديموغرافية سكانية محتملة بسبب أعداد العمالة الوافدة الضخمة التي تصل إلى عدة أضعاف عدد المواطنين في بعض الحالات، ومع ذلك طرأت الكثير من التعديلات التشريعية لضمان مزيد من الحقوق لهذه الفئة في معظم دول الخليج، وهناك توجه عام تدريجي نحو تشريعات أكثر توافقاً مع لوائح منظمة العمل الدولية.
وقد أوردت جريدة الشرق القطرية دراسة علمية قامت بها جامعة قطر مفاداها أن”العمال الوافدين يشكلون غالبية السكان في معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لافتة إلى أن النسبة المئوية للعمال الوافدين في كل دولة منها بين 33% إلى 88.5% من السكان.”
وذكر طارق خالد في وكالة الأناضول أن هناك خمس جنسيات تشكل حوالي 68٪ من مجمل تعداد الوافدين في المملكة العربية السعودية، ووفق مسح “الأناضول” لبيانات أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء في البلاد فقد بلغ سكان السعودية 32.17 مليون نسمة في عام 2022، منهم 18.8 مليون سعودي يشكلون 58.4٪ من إجمالي السكان، بينما شكل الوافدون 13.4 مليون نسمة، أي قرابة 41٪.
حلول مقترحة
لا يخفى على المتابع لشؤون الاقتصاد والسياسة الدولية أن هناك على مستوى العالم انتشاراً واسعاً لمعدلات الفقر والبطالة، ولا يعقل أن تتصدى لها دول الخليج وحدها.
فمن جانب لابد من تضافر جهود المجتمع الدولي لاستيعاب هذه الأيدي العاملة، ومن جانب آخر لابد من معالجة مراكز الفقر العالمي بضخ استثمارات دولية في هذه البلاد، تعود بالربح على المستثمرين، وتعود في الوقت نفسه على البشر في تلك الأماكن الفقيرة من العالم بالحياة الكريمة، فلا يضطرون للهجرة بحثاً عن موارد خارجية للرزق.
إن الغرب الذي يفرض قوانين متشددة في استقدام العمالة الوافدة عنده لا يحق له أن يتدخل في شؤون دول الخليج التي تواجه طوفاناً من العمالة الوافدة التي بدون تشريعات خاصة يمكن أن تهدد بنيتها الديموغرافية والثقافية، فهذه المعايير الغربية المزدوجة ليست إلا ورقة ضغط سياسي لمآرب اقتصادية.