بعيداً عن مفهوم الزمكان الذي عرضه ألبرت أينشتين في نظرية النسبية، وإمكانية السفر عبر الزمن نظرياً، إلا أن الثابت أننا لا نختار المكان ولا الزمان اللذين نولد فيهما.
لكن مع هذا يبقى حاجز المكان أكثر رخاوة من حاجز الزمان الذي – على الأقل عملياً – لا يمكن اختراقه حتى الآن.
وبسبب الفوارق الهائلة بين الدول، أصبح السفر عبر المكان أشبه ما يكون برحلة عبر الزمن؛ إلى المستقبل في الدول الأكثر تقدماً، وإلى الماضي في الدول الأقل تطوراً.
وبغض النظر عن الظروف المحيطة بالمغترب، لا يمكن الفصل بين كونه إنسان يعيش في بقعة ما ووضعه القانوني في بلد الغربة.
لكن ماذا يحدث عندما يتعرض القانون للخرق، ويتحول المغترب، سواء عن قصد أو دون قصد، إلى مهاجر غير نظامي؟
قد ينشأ هذا الوضع نتيجة لانتهاء صلاحية الإقامة، أو في بعض الحالات بسبب ظروف غير متوقعة.
ووفقاً للموقع الرسمي القطري حكومي، فقد افتُتح المقر الجديد لمحكمة ونيابة شؤون الإقامة في دولة قطر بجوار مبنى إدارة البحث والمتابعة،حيث تم إنشاء المقر الجديد بالتعاون المشترك بين المجلس الأعلى للقضاء، والنيابة العامة، ووزارة الداخلية.
وتنص المادة (68) من قانون رقم (3) لسنة 1995 بتنظيم السجون على أن “يخصص مكان منفرد في السجن للأجانب الذين يتقرر إبعادهم، وذلك ليحجزوا فيه مؤقتاً حتى يتم تنفيذ قرار الإبعاد، ويعامل هؤلاء معاملة المسجونين من الفئة (أ)”.
حيث عرفت المادة (16) الفئة (أ) بأنهم “المحبوسون احتياطياً، والمحكوم عليهم بالحبس البسيط، ومن تُنفذ عليهم التزامات بطريق الإكراه البدني، والمحبوسون في دَيْن نفقة أو دَيْن مدني أو لسداد الدية”.
وتحظى الفئة (أ) بأعلى الامتيازات في السجون مقارنة مع بقية أنواع الموقوفين، فمن حقهم وفقاً للمادة (19) “ارتداء ملابسهم الخاصة، وذلك ما لم تقرر إدارة السجن- مراعاة للصحة أو النظافة أو الأمن- أن يرتدوا ملابس السجن الرسمية المخصصة لهم، ويكون لهم الحق في إرتداء ملابسهم الخاصة عند خروجهم للمحاكمة أو لأي سبب آخر”.
كما يجوز لهم وفقاً للمادة (20) “استحضار أصناف الغذاء التي تحددها اللائحة التنفيذية”.
إضافة إلى ذلك يجوز لهم وفقاً للمادة (21) “مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون في حدود أحكام اللائحة التنفيذية”.
ولا يجوز وفقاً للمادة (22) تشغيلهم “إلا في القيام بتنظيم غرفهم، ويجوز إعفاؤهم من هذا الواجب إذا رأت إدارة السجن ذلك، وإذا دعت حاجة السجن إلى عمل أحد منهم بسبب مهارته في حرفته ووافق على العمل، وجب تقدير مكافأة مناسبة له”.
كما يجوز للموقوف من هذه الفئة وفقاً للمادة (23) أن “يمارس حرفته أو هوايته الخاصة المشروعة داخل السجن، وتهيئ له إدارة السجن الوسائل الممكنة لممارستها”.
احتواء ظاهرة الإقامة غير النظامية
ووفقاً لتقرير في صحيفة خليج تايمز، فقد تم إطلاق برنامج العفو عن مخالفي التأشيرات في دولة الإمارات، حيث تمت تسوية وتصحيح أوضاع مئات الآلاف من المغتربين الذين يعيشون في الدولة بشكل غير قانوني.
وقد ورد في التقرير أن مكاتب الجوازات والهجرة تحولت في جميع أنحاء الإمارات إلى مراكز أمل لمئات السكان والزوار غير النظاميين مع بدء برنامج العفو في البلاد”.
ويضيف التقرير أن “اليوم الأول من البرنامج يستمر لمدة شهرين لتقديم وظائف فورية للمغتربين المهرة، وإعفاءات من الغرامات التي تقدر بآلاف الدراهم، وحصول عائلات على هوية إقامة بعد سنوات من العيش بدون وثائق، وقد شكل الأول من سبتمبر 2024 بداية جديدة للمغتربين الذين بقوا في البلاد بشكل غير قانوني بعد انتهاء تأشيرات الإقامة أو الزيارة الخاصة بهم”.
ذكر بيتي باتيسون في تقرير نشر في صحيفة الغارديان البريطانية أنه أجرى مقابلات مع أشخاص لديهم ما يسمى “تأشيرات عمل حرة”، حيث يتعين عليهم العثور على وظائفهم بأنفسهم، وقد أفادوا بأنهم عاطلون عن العمل منذ شهور”.
في رد معارض لهذا التصريح، ورد باتيسون تصريح للمتحدث باسم المكتب الإعلامي الدولي إن “إرث كأس العالم 2022 على سوق العمل في قطر واضح للجميع، لقد استفاد مئات الآلاف من العمال من الإصلاحات، مثل إلغاء تصاريح الخروج وحرية تغيير الوظائف، وإدخال أول حد أدنى للأجور غير التمييزي في المنطقة، وتحسين معايير الصحة والسلامة، والوصول الأفضل إلى العدالة.”
وفي حين أن الجميع على دراية بنظام الكفالة أو الكفيل والإصلاحات التي أدخلت مع مرور الوقت، فإن القضايا الحالية لا تقف عند هذا الحد، فلقد تغير العالم كما تغيرت الشعوب التي هاجرت قبل ثلاثة عقود بحثاً عن حياة أفضل.
وقد أدى التغيير الجذري لقوانين الإقامة الآن إلى منح المغتربين القدرة على التحكم في مجريات حياتهم المهنية وبالتالي اختيار حالتهم القانونية، وغالباً يختار الإنسان الطرق السريعة لتحقيق أهدافه.
تطلب الأنظمة التي تضعها الحكومات من الشركات السعي للحصول على تأشيرات عمل، ومن ثم جلب الموظفين المناسبين بشكل قانوني.
لكن هناك قول مأثور باللغة الهندية (جهان هندوستاني، واهان جوجاد)، الذي يمكن ترجمته تقريباً إلى “الهنود مرادف للحلول السهلة”.
وبالتالي، نظراً لأن تأشيرة العمل مكلفة مادياً مقارنة بتأشيرة الزيارة، فإن الآسيويين الأثرياء يدعون الآن العمال المهرة والعمال المغرر بهم من شبه القارة بتأشيرات سياحية مع وعد بإصدار تأشيرة عمل في غضون شهرين.
فخ الإقامة غير النظامية
لكن الواقع على الأرض مختلف تماماً، فعلى سبيل المثال، كانت فاطمة(تم تغيير الاسم بناءً على طلبها)، شابة في منتصف العشرينات، مليئة بالفرح عندما حصلت على خطاب عرض عمل كمديرة علاقات عامة في مطعم هندي ناجح يقع في الإمارات ويحمل اسم طباخ مشهور.
وذلك بعد أن أجرت بحثاً دقيقاً حول الشركة ذات المسؤولية المحدودة التي تمتلك المطعم، لكنها تجاهلت التفاصيل الهامة مثل تأشيرة العمل والعقد الحكومي الصحيح من دولة الإمارات، ثم حزمت حقائبها وغادرت إلى أرض الأحلام وناطحات السحاب.
حتى أن معارفها قالوا لها إن العديد من الشركات تدعو إليها بتأشيرة سفر، ثم تصدر إقامة عمل خلال شهرين أو ثلاثة.
بينما حاول البعض الأكثر وعياً تحذيرها لأنهم في ظنهم محتالون، فمن لا يستطيع دفع ثمن تذكرتك، لن يدعوك بتأشيرة سفر، فهذا ليس إلا استغلالاً للبشر.
لكن كونها كانت من الجيل الأول في أسرتها الذي حصل على فرصة سفر إلى الخارج، فقد بات حماسها وحماس عائلتها لا يوصف، لدرجة أنها استثمرت كل مدخراتها في شراء تأشيرة الزيارة وتذكرة الطيران.
يُقال إنه غالباً عندما يحين وقت اختبار قدراتك الحقيقية، فإن التحذيرات العابرة من العالم المحيط بك، للأسف تقوم بتجاهلها أيضاً.
راحت فاطمة تغض الطرف عن إشارات الخطر وتبررها، وذلك من قبيل ما قاله لها صاحب العمل بأن لا تخبر إدارة الجوازات عنه، وإنه يمكنها إظهار هويتها الإماراتية الإلكترونية ثم تقول إنها ستقيم عند أحد الأصدقاء.
لقد جعلها اسم الطباخ المشهور تقبل كل شيء، واستمرت في طريقها فقط لتكتشف أن الشركة لم تكن سوى عملية احتيال.
فبعد شهر من العمل لمدة 17 ساعة يومياً، لم يكن هناك أي احتمال للحصول على إقامة عمل أو حتى راتب.
بل أصروا على أن تستمر في العمل مجاناً لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبعدها سيقررون ما إذا كانوا سيعطونها وظيفة دائمة في الشركة أم لا.
بحزن بالغ وبصوت مخنوق تتذكر فاطمة أنها: بعد الكثير من الإهانة، تركت العمل دون الحصول على راتب، ولم يكن معها سوى ورقة نقدية بقيمة 10 دراهم.
لقد كانت فترة مروعة، لم تكن تعرف ماذا تفعل، وبدأت تدريجياً في الانزلاق إلى الاكتئاب.
وتحت ذريعة الصيام، حيث كان شهر رمضان مستمراً، لم تتناول الطعام ليومين متتالين في كثير من الأحيان.
ورغم أنها كنت متعلمة تعليماً جيداً، بدأت تبحث عن وظائف صغيرة تساعدها على البقاء، حيث لم يكن طلب المال من أسرتها في الهند خياراً ممكناً.
لدرجة أنها لم تشاركهم في البداية الظروف التي ألت إليها.
وتذكر أنها كانت تمشي في الشوارع يوماً، ثم انفجرت بالبكاء أثناء انتظار الإفطار في مطعم يقدم الطعام مجاناً.
وقد تعاطفت معها بعض السيدات المسنات بعد سماع قصتها، ثم قلن لها لقد تسرعتي مثل معظم أبناء هذا الجيل.
وأردت شراء طعام لها، لكنها رفضت وقالت أنها تبحث عن عمل لا عن صدقة.
وبالرغم من التحديات التي واجهتها فاطمة، إلا أنها لم تستسلم، بل استمرت في البحث عن وظيفة، ولكن دون جدوى.
لدرجة أنها خلال ستة أشهر، انتقلت بين ثلاث شركات، بعضها دفع لها راتباً، لكن لم تصدر لها إقامة عمل.
وبعد إتمام فترة العمل تحت الاختبار في آخر شركة عملت بها، طلب منها أصحاب الشركة البحث عن وظيفة أخرى، وكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
تقول فاطمة إنها شعرت بالغضب، ولذلك كتبت رسالة إلى وزارة الموارد البشرية والتوطين مرفقة بها جميع رسائل العروض التي حصلت عليها، وأوضحت أن أياً من الشركات لم تصدر لها إقامة عمل.
كما بدأت حملة على منصة إكس وإنستغرام، مما لفتت انتباه المسؤولين والعديد من الأشخاص الآخرين الذين كانوا يمرون بظروف مشابهة.
رغم تحذيرات معارفها من الإفراط في الاحتجاج العلني، تشعر فاطمة بأن مبادرتها ساعدت الكثيرين، وأن برنامج العفو الإماراتي عن المهاجرين غير النظاميين كان نتيجة لهذه السلسلة التي بدأتها.
وبينما لا تزال الحقيقة وراء جهود الحكومة الإماراتية في الأشهر الماضية لتنظيم شروط تأشيرات السفر غير واضحة، فإن قصصاً مثل قصة فاطمة تستحق الذكر وتشكل مصدر إلهام للعديد من الأشخاص.
الحنين الطوعي للوطن
في حالة أخرى، لدينا سلمى التي تم تغيير اسمها بناءً على طلبها، وهي سيدة في منتصف الخمسينات، قضت أكثر من عقدين من حياتها في الإمارات كعاملة منزلية، وهي ممتنة للغاية لهذه الفرصة.
حيث تنحدر سلمى من باكستان وكانت سعيدة في زواجها ولديها ثلاثة أطفال، رغم أن التفاهم بينها وبين زوجها لم يكن دائماً مثالياً، لكن لم تكن لديها شكاوى من أي شخص.
وكزوجة صالحة، كانت تعتني بزوجها وأهله وأطفالها، لكن ذلك لم يكن كل شيء.
تقول إن السماء انهارت فوق رأسها عندما طلب زوجها الإذن للزواج من امرأة أخرى.
لكنها وافقت بشرط ألا تترك منزلها ولا أهل زوجها.
ونظراً لأن شرطها كان مقبولاً من جميع أفراد الأسرة، سرعان ما أصبحت صديقة لزوجة زوجها الثانية، لكن تكاليف الحياة كانت تتصاعد والدخل لم يكن كبيرا.
وبينما كانت تستعرض الجريدة في أحد الأيام، رأت إعلاناً يطلب خادمات في الخليج، وانتقلت إلى الإمارات دون أن تعيد التفكير مرتين على حد قولها.
لقد كانت إرادة القدر هي التي جعلت الزوجة الثانية تترك زوجها، فوقع عبء جميع الأطفال على عاتقها، وقد تحملت ذلك بابتسامة.
شعارها في الحياة “لا تقل مستحيل، فالحياة مليئة بالمفاجآت ويجب ألا نخاف من العمل بجد”.
وبعد أن عملت سلمى في الخليج لأكثر من 20 عاماً، ساعدت أسرتها على الحصول على حياة أفضل، حيث أصبح جميع أطفالها متعلمين تعليماً جيداً ومستقرين.
وتقول إنها مدينة بكل شيء في حياتي إلى أصحاب العمل وهذا البلد، فأبناؤها وبناتها اليوم أطباء ومهندسون، ولم يكن ذلك ممكناً لو لم تقرر الانتقال من وطنها.
إنها امرأة تتمتع بقدر عال من الكرامة والعزة، وقد ساعدت نساء مثلها على أن يصبحن مستقلات ويتحملن مسؤولية حياتهن.
أما عني، فأنا أيضًا مغتربة سافرت لأول مرة إلى منطقة الخليج في عام 2019 كفنانة مسرحية.
و”والله” التي تستخدم بشكل عام من قبل الجميع في دول الخليج، كان ذلك حباً من النظرة الأولى.
كنت حينها مرتبطة بفرقة مسرحية تُدعى “فرقة بييرو” ومقرها نيو دلهي، والتي تُعرض مسرحياتها باللغة الأردية والهندية والإنجليزية.
كنا نقدم عروضنا في مهرجان الشارقة القرائي للطفل، فكنا بذلك ضيوفاً رسميين على الإمارة.
كان كل شيء يسير على ما يرام، والعامل الوحيد المفقود هو عدد الدراهم في محفظتي، وبطريقة ما كان العدد صفراً.
نعم، أعزائي القراء، كانت رحلتي الأولى إلى أرض الأحلام مع ورقة نقدية بقيمة 10 روبيات هندية.
أعطتني التجربة هناك أملاً وأحلاماً بالاستقرار في الخارج، وفي النهاية، بعد ست سنوات، تمكنت أخيراً من تحقيق ذلك، والحمد لله!
لكن التحديات كثيرة، وكذلك التسهيلات، كانت الرحلات التي قمت بها كفنانة مدعومة، وكان سقف السماء هو الحدود، ولكن كمهنية محترفة، أقول إن القدوم عبر القنوات الصحيحة أمر ضروري.
بصراحة، أنا معجبة بالحكومة القطرية وبكيفية إدارة كل شيء في مركز تأشيرات قطر في بلدي، شعور الأمان كبير، بالإضافة إلى وجود ضمانة من السفارة.
حزم الأمتعة ليس سهلة أبداً، كما أن التوجه نحو بلد أجنبي ليس بالأمر الهيّن، ومع ذلك، من أجل حياة أفضل وظروف معيشية أفضل، غالباً ما يتعين على الإنسان اتخاذ قرارات صعبة.
بينما يواجه البعض ظروفاً صعبة، يزدهر آخرون ويصبحون ناجحين، وفي الفترة الأخيرة، أصبحت حكومات دول مجلس التعاون الخليجية أكثر وعياً وحزماً بشأن تنفيذ قوانين العمل من أجل رفاهية المغتربين.
على الرغم من أن الخراف السوداء إن جاز التعبير موجودة في كل مجتمع ويستغلون الموارد البشرية بطرقهم الملتوية، وليس من السهل دائماً ضبطهم متلبسين، إلا أنه يجب على كل مغترب اتباع اللوائح المحددة من قبل كل دولة، ثم اتخاذ خطوة واعية إلى الأمام بثقة.
ولأقتبس من ريزارد تشوليوينسكي من منظمة العمل الدولية: “هذه منطقة معقدة ولا يمكن تناولها بقانون واحد بين عشية وضحاها”.