spot_imgspot_img
بيتمغتربونتاريخ ومستقبل أنظمة التقاعد حول العالم 

تاريخ ومستقبل أنظمة التقاعد حول العالم 

يحكى أن رجلاً أراد شراء بيتاً من امرأة عجوز، لكنها بدلاً من أن تبيعه إياه اشترطت أن يؤجره منها مقابل مبلغ شهري طوال فترة حياتها على أن يصبح ملكاً له بعد وفاتها. 

وافق الرجل على هذا العرض المغري، طمعاً في أنها لن تعيش فترة طويلة. 

مرت سنة تلو أخرى والرجل يدفع ما اتفق عليه من إيجار شهري، إلى أن وجد نفسه قد سدد أكثر من قيمة البيت لو كان اشتراه. 

مات الرجل قبل العجوز وأسقط في يد أرملته التي اضطرت للاستمرار في تأجير البيت لسنوات عديدة أخرى. 

هذه القصة ذكرتني بتعليق طالب ألماني في منتصف التسعينيات أثناء تصفحه لإحدى الجرائد في مطبخ السكن الجامعي المشترك الذي أبدى امتعاضاً شديداً مما ورد حول العدد الضخم لأولئك الذين يتقاضون معاشاً تقاعدياً في ألمانيا، إذ أنهم بلغوا أكثر من 20 مليون مسن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعداد السكان وقتها كان حوالي 80 مليون نسمة. 

ناهيك عن أن الـ 60 مليون إنسان المتبقون لا يندرجون جميعاً تحت القوى العاملة في المجتمع، فمنهم من لا يقدر على العمل مثل الأطفال، إضافة إلى نسبة من المعاقين لأسباب صحية، وكذلك غير المؤهلين لسوق العمل من اللاجئين. 

اليوم في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وفقا لموقع ستاتيستيكا يبلغ صافي القوى العاملة في ألمانيا حوالي 46 مليون إنسان فقط ينفقون على أنفسهم وعلى 39 مليون إنسان آخر لا يعمل، منهم قرابة 26 مليون متقاعد.

نشأة أنظمة المعاش التقاعدي على مستوى العالم  

يقول د. أنتوني أشير في مقال له على موقع ذا كونفرزيشن إن الإمبراطور أوغسطس، الذي حكم بعد وفاة يوليوس قيصر، أنشأ نظاماً تقاعدياً للجنود الرومان منذ أكثر من 2000 عام، كان الهدف منه وهم لا يزالون في حالة قوية وصحية، ليكونوا أقل عرضة لإثارة المشاكل.

كان هذا النظام التقاعدي  يوفر مبلغاً جيداً للجنود بعد 25 عاماً من الخدمة، مما يعني أن سن التقاعد كان في بعض الحالات في حدود 42 عاماً. 

وقد شرع الإسلام ثمانية مصارف للزكاة الواجبة التي يجمعها ولي الأمر في قوله تعالى من سورة التوبة ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”. 

وقد حرّم الإسلام الزكاة على رسول الله وآل بيته وذريته صلى الله عليهم، كي لا تكون هناك شبه انتفاع مادي له أو لأزواجه أو لذريته من بعده. 

يروي أبو هريرة في البخاري موقفاً بين رسول الله وابن بنته الحسن، حيث “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤْتَى بالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هذا بتَمْرِهِ، وهذا مِن تَمْرِهِ حتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِن تَمْرٍ، فَجَعَلَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما يَلْعَبَانِ بذلكَ التَّمْرِ، فأخَذَ أَحَدُهُما تَمْرَةً، فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ ﷺ، فأخْرَجَهَا مِن فِيهِ، فَقالَ: أَما عَلِمْتَ أنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ”. 

وقد ورد في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام أن الخليفة عمر بن الخطاب رأى رجلاً يتسول في الطريق، فقال له مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله ما انصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً، والله لأعطينك من مال المسلمين، وفرض له نفقة شهرية من بيت المال. 

وفي أواخر القرن التاسع عشر واجه المستشار الألماني أوتو فون بسمارك انتشار الفكر الشيوعي من خلال إعلانه عن دفع معاش لأي ألماني لا يعمل تجاوز سن الخامسة والستين، ومع أن قلة قليلة كانت تعيش لهذا العمر في ذلك الوقت، فقد كانت خطوة ذكية لتهدئة المعارضة الماركسية. 

على الجانب الآخر من القارة الأوروبية أصبحت المعاشات التقاعدية أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ الموظفون البلديون مثل رجال الإطفاء وضباط الشرطة بتلقي معاشات تقاعدية عامة، أما الشركات الخاصة فبدأت بتقديم معاشات التقاعد في عشرينيات القرن العشرين. 

لكن في العقد الثالث من هذا القرن أصبح التقاعد ضرورياً خلال الكساد الكبير، بسبب وجود عمال مسنين يبطئون العمل، مما جعل التقاعد حلاً اقتصادياً لإفساح المجال أمام الشباب. 

وفي منتصف عام 1958 أسست اثيل بيرسى اندروس جمعية المتقاعدين الأمريكية غير الربحية، لتقديم خدمات عديدة لكبار السن ممن تجاوزوا الخمسين سواء للعاملين منهم أو للمتقاعدين، إضافة إلى بطاقات خصومات على المشتريات في كثير من المتاجر، بهدف مواصلة النشاط والعمل والاستمتاع بالحياة. 

أما في دولة قطر فقبل تقنين نظام المعاشات التقاعدية، كانت توجد أنظمة رعاية غير رسمية لكبار السن مثل شبكة العلاقات في الأسرة الواحدة وعلى مستوى القبلية باعتبارها مجتمعاً متراحماً مترابطاً. 

وقد بدأ إدخال أنظمة المعاشات التقاعدية الرسمية في قطر كجزء من جهود الدولة لتحديث الاقتصاد وتنويعه خلال القرن العشرين، خاصة بعد اكتشاف النفط والغاز. 

وفي عام 2002، أنشأت قطر نظاماً رسميًا للمعاشات التقاعدية بإنشاء الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بموجب القانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات، حيث يشمل النظام المواطنين القطريين العاملين في المؤسسات الحكومية وبعض الكيانات في القطاع العام، ويساهم الموظف بنسبة 7٪ من راتبه الشهري، بينما يساهم صاحب العمل بنسبة 14٪. 

ثم صدر قانون رقم (1) لسنة 2022 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية الذي ألغى في مادته الثالثة القانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات، وحدد مجال تطبيقه في مادته الثانية التي تنص على أنه “تسري أحكام هذا القانون على القطريين” سواء “الموظفين في الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة” أو “الموظفين الخاضعين لقوانين ونظم ولوائح وظيفية خاصة”.  

كما يسرى على موظفي القطاع الخاص من القطرييين “العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل” و”العاملين في الشركات والمؤسسات المستثناة من الخضوع لقانون العمل ولديهم أنظمة وظيفية خاصة بهم، عدا أفراد أسرة صاحب العمل، ويُقصد بأفراد الأسرة الأزواج والأصول والفروع”.

أبرز أحكام مشروع قانون التأمينات الاجتماعية ومشروع قانون التقاعد العسكري في دولة قطر

المعاش التقاعدي للمغتربين 

خلص تقرير صادر عن المعهد النقابي الأوروبي ومركز بحث الكونفدرالية الأوروبية للنقابات إلى أن العمال المهاجرين من دول العالم الثالث الذين يعملون لفترات قصيرة في الاتحاد الأوروبي، يواجهون صعوبات كبيرة في الاستفادة من أنظمة الضمان الاجتماعي رغم مساهماتهم المالية فيها، وتشمل هذه الأنظمة الرعاية الصحية، مستحقات البطالة، والتقاعد، لكن يُحرم العمال غالباً منها بسبب الشروط المعقدة مثل اشتراط طول مدة الإقامة أو تصنيفهم كعمال مؤقتين.  

وأشار التقرير إلى أن بعض الدول مثل الدنمارك تشترط على العمال الأجانب تغطية تكاليف إقامتهم، وفقدانهم للتأشيرة عند انتهاء العمل، مما يحرمهم من حقوقهم. 

وفي ألمانيا، يعاني العمال الموسميون، خصوصاً في قطاع الزراعة، من هشاشة وضعهم لعدم تسجيلهم في أنظمة الضمان الاجتماعي. 

ويقول د. حسن العالي في مقال له على موقع جريدة الشرق القطرية بعنوان إصلاح أنظمة التقاعد إن أنظمة التقاعد الخليجية معروفة بسخائها، فهي تتيح التقاعد المبكر ومعاشات مرتفعة، مما يوفر رفاهاً اجتماعياً عالياً، لكنها تواجه تحديات استدامة بسبب التحولات الاقتصادية نحو التعددية الاقتصادية وتعزيز القطاع الخاص. 

ويقترح العالي عدداً من الإصلاحات منها؛ تحفيز العمل لفترات أطول، وإدماج الأجانب وأصحاب المهن الحرة في أنظمة التقاعد بشروط محددة، مما يزيد مساهمات صناديق التقاعد، وتوسيع قاعدة المشاركين لتشمل أصحاب المهن الحرة والمؤسسات الصغيرة، ،وإدخال نظام ادّخار تقاعدي طوعي لزيادة مدخرات العاملين وتأمين مستقبل أفضل. 

وكسائر الدول الخليجية فإن دولة قطر لا يشمل نظام المعاشات التقاعدية فيها العمالة الوافدة، لكن في المقابل يمكن للعامل الوافد الحصول على مكافأة نهاية الخدمة بموجب قانون رقم (14) لسنة 2004 بإصدار قانون العمل، وذلك بناءً على عدد سنوات عمله وراتبه عند انتهاء خدمته. 

حيث تنص المادة 54 على أنه “بالإضافة إلى أية مبالغ تكون مستحقة للعامل عند انتهاء خدمته، يجب على صاحب العمل أن يؤدي مكافأة نهاية خدمة للعامل الذي قضى في العمل مدة سنة كاملة فأكثر.  

وتحدد هذه المكافأة بالاتفاق بين الطرفين بشرط ألا تقل عن أجر ثلاثة أسابيع عن كل سنة من سنوات الخدمة، ويستحق العامل المكافأة عن كسور السنة بنسبة المدة التي قضاها في الخدمة. 

وتعتبر خدمة العامل متصلة إذا أنهيت في غير الحالات المنصوص عليها في المادة (61) من هذا القانون وأعيد إلى الخدمة خلال شهرين من تاريخ انتهائها، ويتخذ الأجر الأساسي الأخير للعامل أساساً لحساب المكافأة المشار إليها. 

ويحق لصاحب العمل أن يخصم من المكافأة المبالغ التي يدين له بها العامل”. 

ولا يجوز وفقاً للمادة 61 حرمان الموظف من مكافأة نهاية الخدمة إلا إذا “انتحل العامل شخصية أخرى أو ادعى جنسية غير جنسيته أو قدم وثائقاً أو شهادات مزورة، أو ارتكب العامل خطأ نشأت عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل”. 

ولكن هناك شروط لحرمانه ذكرت في نفس المادة، أولها “أن يبلغ صاحب العمل الإدارة بالحادث خلال مدة لا تجاوز نهاية يوم العمل التالي من علمه بوقوعه، أو خالف العامل أكثر من مرة التعليمات الخاصة بالمحافظة على سلامة العمال والمنشأة، رغم إنذاره كتابة”، ولكن طريقة صاحب العمل يجب أن ينذر العامل  من خلال توفير “التعليمات مكتوبة ومعلنة في مكان ظاهر”. 

كذلك يحرم العامل إذا أخل “أكثر من مرة بأي من التزاماته الجوهرية المقررة في عقد العمل أو بموجب القانون، رغم توجيه إنذار كتابي إليه، أو أفشى أسرار المنشأة التي يعمل بها، أو وجد العامل أثناء ساعات العمل في حالة سكر بين أو تحت تأثير مخدر، أو اعتدى العامل على صاحب العمل أو المدير أو أحد رؤساء العمل أثناء العمل أو بسببه، أو تكرر اعتداء العامل على زملائه أثناء العمل رغم إنذاره كتابياً”. 

وأيضاً يحرم إذا “تغيب العامل عن العمل بدون سبب مشروع أكثر من سبعة أيام متصلة أو خمسة عشر يوماً متقطعة خلال السنة، أو أدين العامل بحكم نهائي في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة”. 

أما على صعيد المغرب، وفي بادرة من الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج السيد/ عبد اللطيف معزوز عرض مشروع النظام التكميلي للتقاعد “روكور” على الجالية المغربية، حيث يهدف هذا المشروع إلى توفير تقاعد أساسي أو تكميلي للمغتربين، في محاولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين المغاربة. 

النظام التكميلي للتقاعد روكور

وبشكل عام لكي ينجح أي نظام تقاعدي لابد من توفر شرطين على الأقل؛ مشاركة العامل بحصة من دخله الشهري في صندوق المعاشات لعدد معقول من السنوات، وأن يكون عدد العاملين أكبر من عدد المتقاعدين بنسبة كبيرة. 

وهذا يستتبع هرماً ديموغرافيا متوازنناً بين عدد الشباب كأغلبية وعدد المسنين كأقلية، لذلك تصبح الأسرة هي صمام الأمان الأول لتوفير نظام تقاعدي ناجح. 

الخلاصة، الإنسان هو من يصنع الاقتصاد وليس العكس.  

Rand Saad
Rand Saadhttp://www.qawl.com
لم تكن تدري أن فن العمارة سيفتح لها باباً آخر تصمم فيه مدخلاً لجمهور المنصات، ونافذةً للتفاعل والآراء، ومشربية تحد من الجهل، وقوس متكأ على أعمدة العلم والمعرفة، لتصبح حجر زاوية للجميع.
مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. Hello There. I found your blog using msn. This is a very well written article. I will make sure to bookmark it and return to read more of your useful information. Thanks for the post. I’ll definitely return.

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية