أثناء ذهابي للنشاط الطلابي مع صديقي في أبريل من عام 2003، للمكان الذي تم تحديده للتصويت في استفتاء الدستور الدائم القطري في جامعة قطر، كان صديقي متحفظاً على مجموعة من المواد، ولم أكن أفهم كثيراً مما كان يقول، فقد كنت متأثراً بالحملة الإعلامية التي وجهت 96.6% ليصوتوا بنعم للدستور، إذ أن قلة قليلة كانت معارضة له بنسبة 1.5%.
كانت الدولة حكومة وشعباً مرحبين بهذه الخطوة، والتي كانت في نظر الكثيرين خطوة ستساهم في وضع دولة قطر في مصاف الدول المتقدمة، على اعتبار أنها ستساهم في بناء دولة القانون والمؤسسات، وتتوافق مع خطط البلاد في شتى النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وتستجيب لمقتضيات العصر.
فكما قال حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير البلاد آنذاك، في الاجتماع الأول للجنة إعداد الدستور الدائم في 13 يوليو 1999: “الشعوب التي تسلحت بالعلم، وتحصنت بالمعرفة، وكرست الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، هي التي واجهت التحديات وتخطت الصعاب”، فسموه يرى الدستور مُعيناً “على التقدم والارتقاء”، بل “يرسخ الانتماء لهذا الوطن “.
وبعد عام وشهرين من تاريخ الاستفتاء، في 8 يونيو 2004، صدر الدستور الدائم لدولة قطر، وكان خبر صدور الدستور متصدراً الصفحات الأولى في جميع الصحف القطرية، التي امتلأت بالتهاني والتبريكات، وافتقرت للمقالات، إلا أن بعضها أشار إلى مبادئ جوهرية موجهة لسياسة الدولة، وكيف أن الدستور سيكون منظماً لسلطاتها، وموضحاً للدعائم الأساسية للمجتمع والمشاركة الشعبية، وواضعاً لأسس الحقوق والحريات للمواطنين.
وهنا انتبهت لأهمية هذا المستند الصغير، الذي لم يتعدى حجمه كف اليد ، ذي الخمس والسبعين صفحة، والذي نشر ووزع على نطاق واسع، فأول ما طرأ على ذهني أن كلمة دستور لا تبدو عربية، ولم يكن الإنترنت ووفرة المعلومات فيه كما هي اليوم، ولحسن حظي وجدت في أحد المنتديات شخصا يطلق على نفسه الهايم يقول إن أصل الكلمة فارسي.
و يتطابق قول الهايم مع ما يقوله المستشار الدكتور محمد سويلم في كتابه القضاء الدستوري (2021)، أن كلمة دستور تعود للبهلوية القديمة، وهي تتكون من شقين “دست” ومعناها اليد و”ور” التي تعني صاحب، ليكون المقصود في الجملة صاحب السلطة، وقد تحول معناها مع مرور الوقت إلى القاعدة أو الأساس.
تقول حنان القيسي في كتابها النظرية العامة في القانون الدستوري (2015): إن كلمة دستور دخلت إلى اللغة العربية عن طريق الأتراك، وكانت تطلق على الدفتر الذي تُجمع فيه قوانين الملك، وكانت تطلق كذلك على سجل الجند.
أما الكلمة الإنجليزية Constitution ذات الأصل اللاتيني، فهي كذلك لفظة مركبة، كما هو مذكور في قاموس مريم ويبستر، وتعني في المجمل “الاتفاق على الأسس”، أي أن الفارسية والعربية واللغات الغربية أجمعت على أن هذا المستند أساس وقاعدة.
وفي لقاء مع أستاذ القانون العام بجامعة قطر، الدكتور حسن السيد، وضح “أن الدُّستور هو الغطاء التشريعي الذي يؤذن للدولة وسلطاتها بممارسة وظائفها وفقًا لأحكامه.”
وأضاف السيد أن “من الأصل اللاتيني للكلمة يمكن أن ينصرف إلى أن الدُّستور هو الأساس الذي تعود إليه سلطات الدولة في ممارسة اختصاصاتها والتقيد بحدودها، والقاعدة التي تبنى عليها أو وفقاً لها جميع التَّشريعات الأخرى الأدنى منها.”
تاريخ الدسترة
بعد أن صدر الدستور في 2004، وبعد أن تبين لي الجانب اللغوي والتاريخي، ذهبت لدار الكتب القطرية، ذلك المبنى الستيني، وأحمد الله أنه اعتبر تراثا ولم يهدم، وأعيد تأهيله مؤخراً، هو والمنطقة التي حوله بصورة مستدامة راعت أهميتهما الثقافية والتراثية، إذ أنه خلال السنوات الأخيرة تسللت الأتربة إلى رفوفه وكتبه، وبدأت جدرانه تتشقق.
دخلت الدار آنذاك، وكانت ما تزال تعتمد على نظام البطاقات لتصنيف الكتب والوصول إليها، ولتحديد أرقامها، لم تكن الدار تستخدم النظام الرقمي بعد، فلفت انتباهي كتاب قديم بعنوان في الدستور (1964) لأستاذ القانون الدستوري منذر الشاوي العبيدي الذي وضح فيه عناصر عديدة حول أهمية “الدسترة” من الناحية التشريعية والقانونية والحقوقية.
ركز الشاوي في الفصل الأول على علو الدستور، معتبراً إياه “أصل كل السلطات العاملة في الدولة”، أي المحدد لأولوياتها وشرعيتها، ويرى أن الدستور الفعل الخالق والمؤسس فيها، ومصدر كل السلطات، شاملاً حتى للحكام، لأنه يحدد آلية توليهم لمقاليد البلاد، وصفاتهم، وشروط ممارسة سلطاتهم.
وعرف السيد الدستور كاصطلاح قانوني على أنه “مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية التي تنظم الحكم في الدولة وكيفية تداول السلطة فيها، وتبين شكل الدولة سواء كانت اتحادية أم موحدة، وتؤكد على السلطات العامة التنفيذية والتشريعية والقضائية واختصاصاتها وعلاقتها ببعضها البعض، وتكفل الحقوق والحريات العامة، وتبين الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية التي تتبناها الدولة.”
بعد سنوات سافرت إلى بريطانيا لإكمال دراستي الجامعية في الإعلام والاتصالات، اللافت أنه قبل أن أبدأ ألزموني على أخذ بعض المواد التأسيسية، والذي لم يكن متوقعاً أن مادة بعنوان (مقدمة للمبادئ الدستورية) كانت إحدى المواد الإجبارية، رغم أن بريطانيا ليس فيها دستور مكتوب، و لم يكن تخصصي مرتبطاً بالقانون.
تألفت هذه المادة من بعض التعريفات والإجراءات والنظام القانوني والقضائي المتبع في بريطانيا، إضافة إلى كيفية صدور التشريعات والقوانين بين مجلس العموم البريطاني ومجلس اللوردات، والأهم من كل ذلك هو نظامها الدستوري، ومصادر التشريع التي تعتمد عليها.
وتبين لي أن هناك دولاً -لأسباب تاريخية- ليس لها دستور مقنن مكتوب، كما هو الحال في بريطانيا، ولكن ليس في المطلق، بل بدا لي أن العديد من القواعد والمبادئ الدستورية التي تتضمنها الدساتير المكتوبة للكثير من دول العالم اليوم يعود أساسها التاريخي من الممارسات والأعراف الدستورية إلى بريطانيا.
الكثيرون يرون أن معظم الدساتير المعاصرة يرجع أصلها إلى وثيقة ماغنا كارتا التي عرضها البارونات والأساقفة وكبار الملاك الإقطاعيين الإنجليز على الملك جون لاكلاند لإجباره على احترام حقوقهم وحقوق رعيته في عام 1215، أو لتحجيم صلاحياته ونفوذه، وذلك لتحقيق السلام ومنع نشوب حرب أهلية.
على أية حال لدى بريطانيا قواعد وقوانين موزعة على عهود وتشريعات أساسية، مثل ماغنا كارتا التي ذكرناها سابقاً، وعريضة الحقوق (1628)، وقانون الحقوق (1689)، وقانون توارث الحكم (1701)، وقانون البرلمان (1911 و 1949).
إضافة إلى قواعد دستورية عرفية كوجوب موافقة الملكة أو تصديقها على جميع مشروعات القوانين التي يصدرها البرلمان، وأن الملكة لا يمكن أن تَحلَّ البرلمان دون استشارة رئيس الوزراء، وترجع لزعيم الأغلبية عند تشكيل الحكومة.
وعلى ذلك ربما كان لأسباب تاريخية ولطبيعة بريطانيا المحافظة دور في عدم تبنيها دستوراً مقنناً.
وعند البحث في أصل الدساتير المقننة، يتضح أنها بدأت منذ قرابة 250 عاماً، عندما نالت المستعمرات الأمريكية في أمريكا الشمالية استقلالها عن بريطانيا، في ذلك الوقت تشكلت ولايات مستقلة، وكل ولاية وضعت تشريعاً ينظم إدارتها وطريقة الحكم فيها، وما إن اتحدت هذه الولايات الأمريكية، ظهر أول دستور مقنن ومستمر إلى اليوم، ثم انتشرت ظاهرة تقنين الدساتير في جميع أنحاء العالم، بل أصبح من النادر جداً وجود دولة دون أن يكون لها دستور مقنن.
يقول السياسي الأكاديمي وودرو ويلسون إن وثيقة ماغنا كارتا كان لها الفضل في تأسيس النظم الدستورية الديمقراطية الحديثة التي بدأ صدورها في القرن الثامن عشر، تزامناً مع الثورات الأمريكية والفرنسية، موجهة العالم أجمع نحو فكرة العقد الاجتماعي، وإنشاء الدساتير المكتوبة.
ثم تعاقبت الدول الأوربية واحدة تلو الأخرى على مدار القرون اللاحقة سالكة نفس المنحى، وأما الدول العربية فكان صدور دساتيرها مرتبطاً بظروف الاستعمار أو بمرحلة ما بعد الاستقلال، فكانت تونس في عام 1861 هي أول دولة عربية تضع دستوراً مكتوباً
ورغم قلة مواد الدستور الأمريكي، إلا أنه عبر مسيرته الطويلة التي تجاوزت القرنين، أُجرِيَ عليه 27 تعديلاً وفقاً لموقع البيت الأبيض، وهذه التعديلات كانت تُجرى وفقاً للأحداث والظروف التي مرت بها الدولة.
ويمكن ملاحظة ذلك في فرنسا التي تبدل نظام الحكم فيها من ملكي إلى جمهوري ثم ملكي ثم جمهوري مرة أخرى، مما أدى إلى إلغاء دساتير ووضع دساتير أخرى عبر مسيرتها منذ الثورة في عام 1789 وحتى دستورها الحالي في 1958.
وعلى ذلك فإن تطور الدستور ليس ببعيد عما تشهده الدولة من تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية، فكما قال السيد إن “الدستور مثل أي تشريع يؤمن واضعوه منذ البداية بأنه سوف يمر عبر أحداث أو ظروف أو وقائع تستدعي الحاجة إلى إعادة النظر أو إلى تعديل بعض مواده لتناسب التطورات، بل ينص صراحة في صلبه على طريقة وإجراءات تعديل مواده.”
لمحة عن دستور 2004
يتألف الدستور القطري الذي صدر في 2004 من خمسة أبوب تتضمن 150 مادة، والباب الأول هو باب الدولة وأسس الحكم، وفيه يصفها كدولة عربية مستقلة ذات سيادة، وأن الإسلام أحد مصادر التشريع فيها، ويحدد لغتها وعاصمتها، وسياستها الخارجية من حيث المعاهدات والمواثيق وحفظ السلام، كما يوضح نظام الحكم فيها وكيفيته و في من ينحصر في ويضم الباب 17 مادة.
يتضمن الباب الثاني 16 مادة متعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع، مبيناً مبادئه وأركانه، ودور الدولة في ضمان أمنه واستقراره، ومعززاً لوطنيته ودينه وأخلاقه ونزاهته، واضعاً أولوية للأسرة وصلابة علاقة أفرادها ببعضهم البعض، كونها حجر الزاوية في المجتمع، واعتباراً لحماية الشباب من الفساد والاستغلال، أصحاء، وواعيين، ومتمكنين.
ويبين الباب الثاني التزام الدولة في توفير الصحة والتعليم والثقافة اللازمة لمواطنيها، ودورها في حماية الملكية الخاصة، وتوفير العدالة الاجتماعية، والتعاون المتوازن بين القطاعات العامة والخاصة بشكل تنموي، واخيراً يوضح دورها في الحفاظ على الموارد الطبيعية بصفتها مملوكة لها، بحيث تستغلها بكفاءة وبشكل مستدام.
تؤكد مواد الدستور في الباب الثالث المتعلق بالحقوق والواجبات العامة أن الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن الجنس، والأصل، واللغة، والدين، وأن الحرية الشخصية محمية، والخصوصيات محترمة، وأحكام القانون فقط هي ما تحدد من يقيض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته في الإقامة أو التنقل، وأن التعذيب أو المعاملة المهينة ممنوعان، وأن على كل فرد يسكن قطر أو أن يحل فيها ضرورة احترام الدستور والامتثال للقوانين والنظام والآداب العامة.
إضافةً إلى ذلك، يوضح الباب نفسه أنه لا يمكن طرد المواطن أو منعه من العودة إلى البلاد، ويؤكد على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن لا وجود لجريمة أو عقوبة دون تشريع، إذ أن جميع الحقوق محمية، ويكفل الدستور حرية تكوين الجمعيات، والتعبير عن الرأي، وممارسة الدين، كل ذلك ضمن حدود القانون، ويحظر المصادرة العامة للأموال، كما يعتبر الوظائف العامة خدمة وطنية، ويؤكد هذا الباب الذي يتألف من 25 مادة في نهايته على حظر تسليم اللاجئين السياسيين إذا توافقت حالتهم مع شروط منح اللجوء.
أما الباب الرابع فهو باب دسم يتضمن 82 مادة موزعة على خمسة فصول، أولها أحكام عامة، تنص على أن الشعب مصدر السلطات، وأن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات، فمجلس الشورى يتولى السلطة التشريعية، والأمير مع مجلس الوزراء يتولون السلطة التنفيذية، والمحاكم تتولى السلطة القضائية التي تصدر أحكامها باسم الأمير.
ويحدد الفصل الثاني دور الأمير، حيث أن الدستور يمنحه صلاحيات واسعة في إدارة شؤون الدولة وصناعة القرار، فهو رئيس للدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ممثل الدولة داخلياً وخارجياً، وصلاحياته تتمثل في رسم السياسة العامة لها، والمصادقة على القوانين، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، وإنشاء الوزارات، كما يبرم المعاهدات والاتفاقيات التي تصبح قانوناً بعد التصديق عليها.
كذلك يحق للأمير إعلان الأحكام العرفية، ويمكنه إصدار مراسيم بقوة القانون في الظروف الاستثنائية، وفيما يخص أحكام الحرب، فهو من يأمر بالدفاع، أما الهجوم فالدستور يحرمه، كذلك هو من يعين أو يقيل رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويحدد القضايا التي تتطلب أن تستفتى من المواطنين.
يحدد الفصل الثالث اختصاصات السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشورى، وكيفية سن التشريعات، وهو من يقر الموازنة العامة للدولة، والمعني بالإشراف على السلطة التنفيذية، إذ يتكون من 45 عضواً، 30 منهم منتخبون، بينما يُعين الأمير البقية، وتجري عملية الاقتراع ضمن دوائر انتخابية يتم تحديدها بمرسوم.
ويحدد الفصل الثالث أيضاً الشروط التي يجب أن تتوفر في أعضاء مجلس الشورى، ومنها الجنسية القطرية، والعمر، وإجادة اللغة العربية، ومراعاة مصلحة الوطن، وخلو صحيفة العضو مما يخل بالشرف أو الأمانة، ويحدد كذلك مدة المجلس التي تبلغ أربع سنوات.
ويمكن للأعضاء اقتراح التشريعات والقوانين، والموافقة عليها، وتقديم الميزانية العامة للدولة قبل بداية السنة المالية، ويبين الدستور في هذا الفصل أن لدى الأمير سلطة تصديق القوانين المقترحة أو ردها، ولديه سلطة حل مجلس الشورى بما تقتضيه المصالح العليا للبلاد.
الفصل الرابع متعلق باختصاصات السلطة التنفيذية، مبيناً أن الوزراء يجب أن يكونوا قطريي الأصل، وكيفية تعيينهم ومباشرة أعمالهم، ومن الواضح أن لمجلس الوزراء صلاحيات واسعة كهيئة تنفيذية عليا، ومنها إدارة الشؤون الداخلية والخارجية، والإشراف على تنفيذ القوانين والمراسيم، وللمجلس حق اقتراح مشروعات القوانين، ووضع السياسة العامة للحكومة، وكل وزير يعتبر مسؤلاً عن أدائه وكيفية ممارسة صلاحياته.
أما الفصل الأخير من الباب الرابع فيتضمن مواداً متعلقة باختصاصات السلطة القضائية، وفي بدايته بين أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وأن استقلالية وشرف ونزاهة وعدل وحيادية القضاء والقضاة تضمن الحقوق والحريات، وأنهم لا يخضعون إلا للقانون، ولا يتدخل أحد في شؤونهم، ووضح الفصل أن معظم الجلسات تكون علنية لضمان الشفافية، مستثنياً المتعلقة بالنظام العام والآداب.
كذلك بيّن الفصل الخامس أن للقضاء مجلس مسؤول عن تنظيم المحاكم ودرجاتها، وآلية الفصل في المنازعات، باستثناء العسكرية منها، وهو المسؤول كذلك عن أداء القضاة وعزلهم، واعتبر النيابة العامة ممثلة للمجتمع، والمشرفة على تطبيق القوانين الجنائية وشؤون الضبط القضائي، وأخيراً بيّن أن عليه تعيين جهة قضائية تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وتحديد إجراءات الطعن والآثار المترتبة عليها.
الباب الخامس هو آخِر أبواب الدستور، وفيه أحكام ختامية موزعة على 10 مواد توضح متى يبدأ العمل بالدستور ويكون نافذاً، وكيف يعدل، مبيناً أن الأحكام المتعلقة بحكم الدولة والحقوق والحريات العامة وصلاحيات الأمير لا يمكن تعديلها، وأن الدستور لا يمكن تعديله إلا بعد مرور عشر سنوات من تاريخ نفاذه، إضافة إلى أنه ضمن حصانة أعضاء مجلس الشورى، وألغى النظام الأساسي المؤقت لعام 1972.
الدساتير في العصر الرقمي
كانت تتبادر لي فكرة متعلقة بزمننا الحالي الذي أصبح فيه كل إنسان على هذه الأرض أمام شاشات لا تكترث بقوانين ولوائح، وتضع عبئاً كبيراً على عاتق السلطات لمواكبة تطورها، لتصبح الدساتير على مستوى العالم مجرد حبرٍ على ورق لا تفي بما تقتضيه تحديات الواقع الرقمي.
إلا أنني عندما قرأت مواد الدستور القطري وجدت أنه قد أرسى مبادئ وأسساً عامة تٌؤكد أن على الدولة السعي لخلق بيئة تدعم الإبداع والابتكار والبحث العلمي، والذي لن يتحقق إلا بالأمن والاستقرار والحرية والمساواة، وبذلك يصبح هذا الدستور في هذه النقطة غير مرتبط بعصر معين.
ويوضح السيد أن كل ما أقره الدستور من مبادئ على الدولة أن تكفلها، كي لا تكون حبيسة الأوراق، فإن “لم تؤمن بها السلطات، ولم يحترمها المسؤولون، ولم تترسخ في المجتمع، فلا قيمة للنصوص الدستورية إن كانت مهملة على أرض الواقع، أو تنتهكها بعض القوانين واللوائح،”
ويضيف السيد أن “الخطوة الأولى لسمو المبادئ الدستورية تكون من خلال فهمها والإيمان بها و بأهميتها، ونشر الوعي والثقافة القانونية للمساهمة في تحقيق مرادها.”
و بناءً على مما سبق، وبالعودة إلى صديقي الذي كان يتحفظ على بعض مواد الدستور في يوم الاستفتاء، فتحفظه ماهو إلا رأي يحترمه الدستور، ويعطيه حق النظر فيه.