رغم مرور أكثر من قرن ونصف على مقولة “الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم” للعالم الألماني يوليوس روبرت فون ماير، أحد مؤسسي علم الديناميكا الحرارية في منتصف القرن التاسع عشر ، إلا أنها مازالت تشكل تحدياً علمياً واقتصادياً لم تستطع البشرية تجاوزه بعد.
كانت الطاقة منذ فجر التاريخ البشري ولا تزال حتى الآن أحد أهم ركائز الحضارة الإنسانية، فهي تلعب إلى جانب الموارد المائية والثروات الطبيعية دوراً بارزاً في الصراعات الجيوسياسية بين الدول.
وقد شهد العالم تحولاً متزايداً نحو السيارات الكهربائية، مدفوعاً برغبة الحكومات والشركات في تقليل الانبعاثات الضارة، وتحقيق الاستدامة البيئية، إذ تُعتبر السيارات الكهربائية خياراً واعداً للحد من التلوث البيئي، فهي تعتمد على الطاقة النظيفة بدلاً من الوقود الأحفوري، مما يقلل من الانبعاثات الضارة ويحسن من جودة الهواء.
ومع تزايد الاهتمام بهذه المركبات، بدأت الحكومات بتطوير البنية التحتية اللازمة، ودعم تبني التكنولوجيا الحديثة على نطاق واسع، مما يعزز الاستدامة ويشجع على التحول نحو مستقبل بيئي نظيف.
فوائد السيارات الكهربائية
يرى تشينغ تشوين تشان Ching Chuen Chan في بحث له بعنوان أحدث المركبات الكهربائية والهجينة ومركبات خلايا الوقود (2007) أن المركبات التي تعمل بمحركات كهربائية “تستخدم الطاقة المخزنة في بطاريات قابلة لإعادة الشحن، مما يميزها عن محركات الاحتراق الداخلي التقليدية، ويبرز فوائدها البيئية”.
ويتيح التحول إلى السيارات الكهربائية عدة فوائد مهمة، تتضمن تقليل الانبعاثات الكربونية، وبالتالي تحسين جودة الهواء. كما أوضح موقع إليكتريك فور أول أن اعتماد السيارات الكهربائية بالكامل على بطاريات قابلة للشحن لتشغيل محركاتها، يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من الانبعاثات الضارة.
وفيما يخص الدول التي تتبنى هذه النوعية من السيارات، تساهم تلك المبادرات في تحقيق أهداف بيئية، منها على سبيل المثال؛ رؤية قطر الوطنية 2030 التي تسعى إلى تحقيق حيادية كربونية بحلول 2050.
من جانب آخر يعزز هذا التحول التكنولوجي أيضاً استقلالية اقتصادية للدول المعتمدة على النفط، كما يفتح آفاقاً جديدة لتطوير قطاع السيارات الكهربائية المنتجة محلياً، مما يخلق فرص عمل ويعزز الاقتصاد.
إضافةً إلى الفوائد البيئية، فإن انتشار السيارات الكهربائية يساهم في تقليل تكاليف التشغيل، نظراً لاستهلاكها المنخفض للكهرباء وصيانتها الأقل مقارنة بمحركات الاحتراق الداخلي، كما أن التحول إلى المركبات الكهربائية يدعم البنية التحتية للطاقة المتجددة، حيث يمكن استخدام مصادر مثل الشمس والرياح لشحن هذه السيارات، مما يسهم في تعزيز الطاقة النظيفة.
السيارات الكهربائية في قطر
تُعد قطر من الدول الرائدة في التحول نحو السيارات الكهربائية ضمن استراتيجياتها البيئية، حيث بدأت المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء (كهرماء) بتركيب محطات شحن للسيارات الكهربائية ضمن مبادرة السيارة الخضراء، ويشمل هذا تعاوناً مع شركات محلية؛ مثل شركة مواصلات (كروة)، وعالمية؛ مثل شركة سيمنس الألمانية، مما يسهم في دعم هذا التحول.
يستعرض المقال المنشور في صحيفة الشرق أبرز سبع شركات عربية متخصصة في صناعة السيارات الكهربائية، مع التركيز على شركة إيكو ترانزيت القطرية التي تُعد أول شركة قطرية تعمل في هذا المجال، وتقع في مدينة لوسيل، حيث تسعى الشركة إلى تأسيس صناعة متكاملة للمركبات الكهربائية الخفيفة والثقيلة تحت العلامة التجارية في آي إم (VIM)، مع خطط لإطلاق مجموعة من السيارات والحافلات بتصاميم عصرية وملكية فكرية قطرية.
ويشير المقال إلى أن دولاً عربية أخرى، مثل السعودية ومصر والمغرب والإمارات وسلطنة عمان تعمل على دخول سوق السيارات الكهربائية من خلال شراكات مع مؤسسات عالمية، لإنشاء مشاريع مشتركة للتصنيع والتجميع، ويُبرز المقال الجهود المبذولة في المنطقة لتعزيز النقل المستدام وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يعكس التوجه نحو الابتكار والتطوير في هذا القطاع الوليد.
وقد أطلقت الحكومة القطرية خططاً لحوافز مالية تشمل إعفاءات ضريبية، تشجيعاً للمواطنين على اقتناء هذه المركبات، وتماشياً مع أهداف رؤية 2030.
ويشير حسين أبوندا في تقرير له على صحيفة الراية إلى أن قطر وضعت خطة لتحويل 25% من حافلات النقل العام إلى حافلات كهربائية بحلول 2022، مع إطلاق هذه الحافلات خلال كأس العالم لتحقيق بيئة نظيفة وخالية من الانبعاثات.
كما أشار مقال في صحيفة العربي الجديد إلى أن استثمرت قطر في محطات شحن سريع بالتعاون مع شركة وقود، حيث قامت بتركيب 37 محطة مع خطط لزيادة القدرة الاستيعابية للمحطات لتلبية الطلب المتزايد، واحتلت قطر وفقاً لوزارة المواصلات القطرية المركز التاسع عالمياً في مؤشر جاهزية التنقل الكهربائي (جيمريكس 2023).
كما أعلنت الوزارة عن خطط لإنشاء مركز لاعتماد السيارات الكهربائية، مشابه لمركز فاحص المخصص للسيارات التقليدية، بهدف ضمان مطابقة المركبات الكهربائية للمعايير والمواصفات المطلوبة، وتعزيز الخدمات والأنظمة المتعلقة بها، إضافة إلى ذلك، تعتزم الوزارة تركيب 200 محطة شحن جديدة في مختلف أنحاء الدولة، في إطار استراتيجية شاملة للتحول نحو النقل المستدام وتقليل الانبعاثات الكربونية.
واهتمام دولة قطر بالطاقة المتجددة له أبعاد متعددة، منها المرسوم رقم (55) لسنة 2020 بالموافقة على اتفاقية حق الأولوية الخاصة بمشروع محطة الطاقة الشمسية بالخرسعة، حيث تطمح الدولة نحو تنويع مصادر الطاقة النظيفة، وتقع محطة الخرسعة غرب الدوحة على مساحة تزيد عن 10 كيلومترات مربعة، يوجد بها أكثر من 1.8 مليون لوحة شمسية، حيث تقدر الإنتاجية الكلية للمشروع بنحو 800 ميغاوات.
سلبيات السيارات الكهربائية
رغم فوائدها العديدة، إلا أن السيارات الكهربائية تواجه تحديات، من أبرزها تكلفة البطاريات ومدة الشحن، ووفقاً لمعهد إيفو للدراسات، يُعتبر إنتاج البطاريات من أكبر مصادر الانبعاثات، حيث أظهرت الدراسة أن سيارات مثل تيسلا موديل 3 تنتج بين 155 و180 غراماً من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر نتيجة تصنيع البطاريات.
من جانب آخر تُعد تكلفة شراء السيارات الكهربائية مرتفعة نسبياً، مما يجعلها أقل جاذبية للمستهلكين، وذكر مقال في صحيفة لوسيل نيوز أن ذلك يُشكل عقبة أمام انتشارها الواسع، كما أن إنتاج البطاريات يتطلب مواد خام مثل الليثيوم، وهو ما يزيد من العبء البيئي في عمليات الاستخراج ويقلل من الأثر الإيجابي المتوقع لها، بحسب Pharos Studies.
كما يشير مقال على موقع غورد إلى مخاطر الاشتعال الذاتي لبطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، فعلى الرغم من أن هذه السيارات تكون عادة أقل عرضة للحرائق مقارنة بالسيارات التقليدية، إلا أن الحرائق التي تشمل بطاريات الليثيوم تشكل تحديات كبيرة، لأنه تدعم نفسها ذاتياً، على عكس الحرائق الأخرى، كما أنها تولد حرارة شديدة، وتطلق أبخرة سامة وغازات قابلة للاشتعال، لذلك يتطلب إخمادها كميات كبيرة من الماء، مع احتمال أن يؤدي الماء المحتوي على أملاح إلى حدوث دوائر قصر كهربائية.
إضافة إلى ما سبق، هناك أيضا ظاهرة الهروب الحراري، وهي سلسلة من التفاعلات التي تؤدي إلى زيادة سريعة في درجة حرارة البطارية بسبب الشحن الزائد أو الأضرار أو العيوب في التصميم، ورغم أنه سبب نادر الحدوث، إلا أنه مقلق، فمنع مثل هذه الحرائق يتطلب تقنيات متخصصة تتجاوز أساليب الإطفاء التقليدية، مع التركيز على الاكتشاف المبكر، وتبريد الحدود، واحتواء الحريق، لذلك التعاون بين الصناعة، وجمع البيانات، وتطبيق إجراءات السلامة الاستباقية ضروري لإدارة المخاطر مع زيادة انتشار السيارات الكهربائية.
ولا يمكن إغفال أن البنية التحتية للشحن تُعتبر حتى الوقت الراهن تحدياً آخر، إذ تتطلب السيارات الكهربائية توفر محطات شحن متعددة في أماكن استراتيجية، وهو أمر غير متاح دائماً.
أيضا تحتاج البطاريات الكهربائية للاستبدال بعد سنوات معدودة، مما يزيد من تكاليف الصيانة، ويبرز تقرير الجزيرة أن تلك البطاريات قصيرة العمر نسبيا.
السيارات الهجينة
تُعد السيارات الهجينة خياراً وسطاً بين السيارات الكهربائية والتقليدية، فهي تجمع بين محرك احتراق داخلي وبطارية كهربائية قابلة للشحن، ووفقاً لمقال على موقع إليكتريك فور أول، تعتمد السيارات الكهربائية بالكامل على بطاريات قابلة للشحن، بخلاف الهجينة التي تستخدم الوقود والكهرباء معاً، مما يمنحها مرونة أكبر للمسافات الطويلة، وذكر مقال على موقع الجزيرة أن السيارات الهجينة قادرة على السير لمسافات أطول دون الحاجة للشحن المتكرر، مما يجعلها مناسبة للرحلات الطويلة.
ويشير تقرير في صحيفة العرب إلى أن السيارات الهجينة تُعد خياراً أكثر اقتصادية من الكهربائية بالكامل، إذ يمكن للمحركين العمل معاً أو بشكل منفصل، مما يساهم في تحسين استهلاك الوقود، كما، أما عن التحول التدريجي نحو السيارات الكهربائية بالكامل، فيُعدّ استخدام السيارات الهجينة حلاً مؤقتاً يقلل من الانبعاثات ويسهم في الحفاظ على البيئة.
يشكل التحول إلى السيارات الكهربائية والهجينة خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة وصداقة للبيئة، ورغم التحديات المتعلقة بالبنية التحتية وتكاليف الشراء، فإن الفوائد البيئية والاقتصادية المحتملة تدعم هذا التحول.
من جانب آخر يظل دور الحكومات والشركات الكبرى أساسياً في تعزيز البنية التحتية، وتقديم الحوافز المالية للمستهلكين، وتطوير التكنولوجيا لتقليل التكاليف وتحسين مدى القيادة.
تمثل دولة قطر نموذجاً في التزام الدول بتحقيق التوازن بين التطور الصناعي وحماية البيئة، فهي تسعى لتحقيق أهدافها الطموحة من خلال استثمارات كبيرة في محطات الشحن، وفتح المجال لصناعة السيارات الكهربائية محلياً، مما يعزز اقتصادها ويضعها في طليعة دول الشرق الأوسط في مجال النقل المستدام.