spot_imgspot_img
بيتالمرورجنون الأرقام المميزة: بين الاستثمار والمكانة الاجتماعية

جنون الأرقام المميزة: بين الاستثمار والمكانة الاجتماعية

إنه لأمر مدهش أن نرى السعي الحثيث لشراء قطعة معدن في الحقيقة لا تساوي شيئاً بملايين الريالات، يبدو في أول الأمر سفه وجنون لا يمكن للعقل استيعابه، ولكن عندما نسمع رأي هؤلاء المهوسين بأرقام السيارات المميزة ندرك أن لديهم أسبابهم، وليس كما نظن.

قابلت مجموعة من أصحاب هذه الأرقام، وقرأت بعض المقالات والكتب لمتخصصين في علم النفس، وذهبت بنفسي لإدارة المرور، وأظن الآن أن الرقم المميز في دولنا الخليجية يشبه كثيراً الاستثمار طويل الأمد الذي يكسب الكثيرين مالاً وربحاً وفيراً.

أصبح اقتناء الأرقام المميزة هدفاً تجارياً لدى الكثير، حيث لم يعد تركيب الرقم المُميّز على السيارة للتباهي فقط، بل طريقة يستطيع من خلالها صاحب الرقم تجميد أمواله وبيعه عند الحاجة بمبلغ أعلى من السعر الذي اشتراه به، فسوق الأرقام المُميزة أصبح يشبه الذهب الذي لا يفقد قيمته مع مرور الوقت، بل غالباً ما يدر ربحاً لمالكه.

أتذكر صديقاً اشترى رقماً ثلاثياً في أول الأيام التي عرضت فيها بعشرة آلاف ريال، وكانت اللوحة تنتقل من سيارة لأخرى لمدة عقدين، وما إن رغب في الزواج باع الرقم وتزوج بما حصل عليه، وبنفس المبلغ صرف على شهر العسل.

تحكي قصة صديقي كيف يمكن لهذه الأرقام أن تدر أموالاً كثيرة إذا تم شراء الرقم في الوقت المناسب وبالسعر المناسب.

استوعبت بعض الدول مثل قطر هذا السوق ونظمت له لجاناً تشرف على عمليات البيع والشراء، بل تنظم سنوياً عدداً من المزادات.

في قطر صدر قرار رقم 6 لسنة 2012 وقرار رقم 106 لسنة 2021 بشأن الأرقام المميزة يحدد إجراءات بيع وتملك الأرقام المميزة للمركبات، وعلى إدارة المرور إعداد قوائم دورية للأرقام المميزة معتمدة بقرار من وزير الداخلية.

ووضح القانون أن الأرقام المميزة تُباع عن طريق المزاد العلني، وعلى المشتري الحصول على شهادة ملكية مقابل رسوم محددة، ويمكن لمالك الرقم المميز التصرف فيه بأي طريقة ناقلة للملكية، بشرط تسجيل هذا التصرف لدى إدارة المرور.

كما أنشأت الداخلية لجنة تسمى “لجنة الأرقام المميزة” لتحديد الأسعار والإجراءات المتعلقة ببيع الأرقام المميزة، وفي حالة وفاة مالك الرقم دون وجود وريث، تؤول ملكيته إلى الدولة.

وفي عام 2023 أطلقت الداخلية تطبيق سوم Sooum، المتخصص في إدارة المزادات المتعلقة بالسلع والممتلكات التابعة للوزارة، حيث يتيح للمستخدمين الوصول إلى مجموعة متنوعة من المزادات، بما في ذلك مزادات الأرقام المميزة، والمركبات، والقوارب، والسلع الأخرى التي تُعلن عنها وزارة الداخلية.

يتميز التطبيق بعدة خصائص، منها الإشعارات التفاعلية، والمزايدة التلقائية، واقتراحات اللوحات، وطرق متنوعة للشراء والمزايدة، كما يمكن للمستخدمين تسجيل الدخول باستخدام اسم المستخدم الخاص بتطبيق مطراش2 لتسهيل عملية المشاركة في المزادات.

ويقتصر تميز الأرقام فقط على فئة خصوصي ذات اللون الأبيض، أما لوح سيارات النقل السوداء أو لوح الدراجات النارية فلا يمكن امتلاكها وتسجيلها في إدارة المرور كأرقام مميزة.

وكما وضحت منصة لوحة المتخصصة في توفير مساحة لنشر لوحات السيارات المميزة والعمل على ترويج هذه اللوحات في الموقع والتطبيق وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة لها، أنه “لا يمكن نقل ملكية لوحة النقل الخاص-السوداء- من شخص الى آخر عبر تطبيق مطراش، وهناك طرق اخرى يمكن من خلالها نقل اللوحة.”

يقول علي مروان مسؤول المبيعات بأحد معارض السيارات المستعملة أن ذلك قد يتم بطريقة ملتوية، فعلى المشتري أو البائع أن يحول اسم سيارته للآخر، وبالتالي يستطيع تبديل لوح السيارات، ثم يتم تعدل بيانات الاستمارات الخاصة بالمركبات، ثم يرجع اسم مالك السيارة لصاحبها الأصلي، والمرور لا يتدخل في عملية البيع والشراء هذه.

والمزادات غير محصورة فقط على إدارة المرور فهناك منصات عديدة تنظم مزادات دورية لبيع الأرقام المميزة مثل قطر للأرقام المميزة (كيو اس ان) وجي إتش للأرقام وتربل زيرو وغيرهم، إضافة إلى مجمعي الأرقام المميزة الذين أرادوا الاستفادة من عمليات البيع والشراء ومن اهتمام وهوس الناس بهذه الأرقام.

حضرت مزاداً في كاتارا في عام 2016 نظمته دار الباهي للمزادات، غطى الصحفي محمد الأخضر في صحيفة الشرق هذا المزاد، إذ يقول أنه “تم بيع 11 لوحة مميزة، بقيمة 16 مليوناً و 440 ألف ريال.”

وأضاف الأخضر أن “أعلى سعر من نصيب الرقم الثلاثي 411 الذي تم بيعه بمبلغ 3 ملايين و550 ألف ريال، وجاء في المرتبة الثانية من حيث الأغلى سعراً، الرقم الرباعي “9999”، حيث وصل سعره لـ 3 ملايين، و100 ألف ريال، أما الرقم الثلاثي “776”، فقد بيع بمبلغ مليونين و 610 ألف ريال.”

بعيداً عن الجانب التجاري، يرى آخرون أن بعض الفئات تسعى للحصول على الأرقام المميزة لتنال وجاهة اجتماعية أو تميزاً بين الآخرين، الأمر الذي يجعلهم يحرصون على اقتنائها بأي طريقة، وبأي ثمن، والبعض الآخر يلجأ لهذه الأرقام تقليداً للآخرين، أو اعتقاداً منهم أنها ستمنحهم مكانة واحتراماً داخل المجتمع وستمكنهم من التباهي بها أمام الأهل والأصدقاء.

في مقابلة مع أخصائية علم النفس رغد النفيعي في برنامج صباح السعودية عرفت الهوس بأنه “التركيز المبالغ في الحصول على شيء،” وأضافت بأنه إذا لم يتمكن الشخص المصاب بالهوس الوصول إلى مبتغاه قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية.

وترى النفيعي أن صرف مبالغ كبيرة للتميز وحب الامتلاك ناجم عن شخص لديه الرغبة والمبالغة في الظهور، فهو يبحث عن الثناء والمدح ضمن معايير محددة تحقق له النجاح، وهذا الهوس في الغالب مكتسب من البيئة كالأسرة والمدرسة، إذ يكون بحاجة إلى إشباع عاطفته التي لم يتم احتوائها أثناء الطفولة فتنمو معه هذه السمة وتظهر في مراحل متقدمة.

وتؤكد الصحفية سوسن ماهر ما نوهت إليه النفيعي في كون ذلك تقليداً ليكتسب الشخص المدح والثناء ممن حوله، فتقول ماهر في مقالتها في جريدة العرب أن “التقليد المَرضي هو الأعمى والمستمر، والشخص المصاب بهذا النوع من التقليد ضعيف الشخصية، يفتقد الثقة بنفسه وقدراته، وغالباً ما يكون قد تعرّض للنقد اللاذع أثناء تنشئته في الطفولة، وظلت تلك الإساءات كامنة في الشعور واللاشعور معاً، فتحاول تلك الشخصية تقليد الشخصيات التي تجد استحساناً في المجتمع وقبولاً من المحيطين، وهذا ترجمة غير مباشرة للغيرة، لأن الشخصية المستهدفة تجد قبولاً لا تلقاه الشخصية التي أدمنت التقليد.”

الأمر الجلل أن الأرقام في قطر اقتربت من الوصول إلى السبعة أرقام، واللوحة مصممة لتتضمن ستة أرقام بحد أقصى، فربما يتم إضافة حروف كما هو حاصل في السعودية والإمارات، وحينها سيطلب من الجميع استبدال لوحاتهم لتكون جميعها متناسقة بأرقام وحروف، وستذهب أموال الناس هباءً.

في الوقت الراهن تقوم إدارة المرور بتركيب أرقام السيارات القديمة التي أصبحت ملغاة أو خردة على الجديدة، مما يعني أن السيارات لم يصل عددها بعد للمليون سيارة، فما زالت الأرقام نفسها متداولة بين الناس، ولكن الأيام القادمة ستكشف لنا عن سوق جديد وتميز مختلف، وربما سيفتح المجال لمحبي الأرقام المميزة لكتابة ما يشاؤون على لوحات سياراتهم كما هو الحال في أميركا.

بشكل عام، ومن البديهي أنه مهما اشترى الشخص أرقاماً مميزة لن ينال التقدير الحقيقي إلا إذا اثبت أنه متمكن ومتميز في ما هو حقيقي، كأن يكون نابغة في الأداء الموسيقي، أو في الأدب، أو في القدرة على التحمل والمثابرة، وغالباً من يصنع التاريخ هم أقلية ذات نبوغ طاغٍ.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية