شهدت دولة قطر تطورات تشريعية متعددة في مجال تنظيم الإعلانات، حيث انتقل التشريع من قوانين بسيطة تحكم اللوحات الإعلانية إلى أنظمة متكاملة تشمل الإعلانات الرقمية والمجسمات التذكارية.
استجاب المشرع إلى التحولات الاقتصادية والعمرانية التي شهدتها البلاد، وإلى الفعاليات الكبرى التي نظمتها، مثل كأس العالم 2022، مما حول القانون من إطار أساسي، إلى نظام يستوعب التطور التقني والتجاري الذي تشهده البلاد.
القانون رقم (4) لسنة 1980
صدر القانون رقم (4) لسنة 1980 لتنظيم الإعلانات في قطر خلال فترة تبني الحداثة والنمو العمراني، حيث ركز على تحديد الضوابط الأساسية لهذا النشاط.
ألزم القانون جميع الأفراد والمؤسسات بالحصول على تراخيص مسبقة لوضع الإعلانات، واشترط استخدام اللغة العربية مع السماح بلغات أخرى بشكل ثانوي، كما حدد مواقع معينة يُمنع فيها وضع الإعلانات، مثل أماكن العبادة والمباني الحكومية.
كذلك تضمن القانون عقوبات مالية وجزائية للمخالفين، شملت غرامات تصل إلى 1000 ريال قطري، إضافة إلى إمكانية الحبس لمدة 14 يوماً.
ورغم أنه كان خطوة أولى لتنظيم الإعلانات، إلا أن القانون لم يتطرق إلى الإعلانات الرقمية أو وسائل الإعلام الحديثة، مما جعله غير ملائم للتحولات المستقبلية التي شهدتها الدولة.
القانون رقم (1) لسنة 2012
مع تطور التكنولوجيا وازدياد أهمية الإعلانات الرقمية، أصبح من الضروري تعديل الإطار التشريعي ليواكب هذه التغيرات.
صدر القانون رقم (1) لسنة 2012 ليشمل تعريفاً أوسع للإعلانات، يضم الوسائل الرقمية والمرئية والمسموعة إلى جانب اللافتات التقليدية.
وشدد القانون على ضرورة تقديم تفاصيل ومواصفات فنية لمحتوى الإعلانات وطريقة عرضها قبل الحصول على الترخيص، كما فرض فترة زمنية لا تتجاوز 15 يوماً للبت في طلبات الترخيص.
أما العقوبات المالية فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث أصبحت الغرامات تصل إلى 20,000 ريال قطري بدلاً من الحد الأقصى السابق البالغ 1000 ريال.
أيضاً استحدث القانون لجنة مختصة لتنظيم الإعلانات، تتولى الإشراف على مدى مطابقتها للمعايير الجمالية والثقافية.
جاء هذا التشريع ليعالج القصور الموجود في قانون 1980، لكنه لم يتطرق بوضوح إلى تنظيم الإعلانات العشوائية خلال الفعاليات الكبرى، وهو ما تمت معالجته لاحقًا في قانون 2021.
القانون رقم (10) لسنة 2021
مع استعداد قطر لاستضافة كأس العالم 2022، برزت الحاجة إلى تنظيم صارم للإعلانات التجارية، خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الشركات الراعية.
صدر القانون رقم (10) لسنة 2021 ليضع قيوداً على الإعلانات العشوائية في محيط الملاعب والمناطق الحيوية للبطولة، حيث منع جميع الإعلانات التجارية في هذه المناطق إلا بموافقة الفيفا.
كذلك شدد القانون على ضرورة احترام حقوق العلامات التجارية المرتبطة بالبطولة، ومنع أي استغلال غير قانوني لها، إذ فرض غرامات مالية مرتفعة على المخالفين، مع إزالة الإعلانات المخالفة فوراً دون تعويض.
كان لهذا القانون دور مهم في حماية الحقوق التجارية، لكنه ركّز بشكل أساسي على استضافة البطولة دون تقديم تغييرات دائمة في تنظيم الإعلانات داخل الدولة.
القانون رقم (5) لسنة 2025
مع استمرار التوسع العمراني، أصبح من الضروري تنظيم المجسمات التذكارية إلى جانب الإعلانات التقليدية، مما أدى إلى صدور القانون رقم (5) لسنة 2025.
وسّع هذا القانون نطاق التشريع ليشمل جميع المنشآت ذات الطابع الإعلاني أو الثقافي في الأماكن العامة، وأوكل إلى وزارة الثقافة مسؤولية منح التراخيص وضمان توافق المجسمات مع الهوية الوطنية.
فرض القانون عقوبات مالية أكثر صرامة، حيث وصلت الغرامات إلى 30,000 ريال للإعلانات غير المرخصة، بينما بلغت العقوبات لمخالفي شروط المجسمات التذكارية مليون ريال قطري، إضافة إلى إمكانية الحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر.
كما تم تقليص مدة الموافقة على التراخيص إلى خمسة أيام فقط، في محاولة لتسريع الإجراءات الإدارية وضمان كفاءة أكبر في عملية إصدار التراخيص.

تحليل
عند مقارنة القوانين المختلفة التي صدرت بين عامي 1980 و2025، يمكن ملاحظة عدة اتجاهات رئيسية في عملية التنظيم.
كان من أبرزها زيادة القيود المفروضة على الإعلانات بمرور الوقت، وكذلك ارتفاع العقوبات المالية وتشديد إجراءات الترخيص.
لم يعد نطاق القوانين يقتصر على اللافتات التقليدية، بل توسع ليشمل الإعلانات الرقمية والمجسمات التذكارية، استجابة للتغيرات التكنولوجية والعمرانية.
تم تقليص مدة الموافقة على التراخيص تدريجياً، حيث انتقلت من إجراءات مفتوحة في قانون 1980 إلى تحديد مهلة 15 يومًا في قانون 2012، ثم تقليصها إلى خمسة أيام في قانون 2025، مما يشير إلى محاولة تحسين كفاءة الإجراءات التنظيمية.
زاد الاهتمام بحماية حقوق العلامات التجارية، خاصة خلال الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم 2022، وهو ما ظهر بوضوح في قانون 2021.
مرت قوانين تنظيم الإعلانات في قطر بتحولات واضحة خلال العقود الماضية، حيث انتقلت من تشريعات عامة تتعامل مع اللافتات الإعلانية إلى منظومة تنظيمية تشمل جميع أشكال الإعلانات التقليدية والرقمية، إضافة إلى المجسمات التذكارية.
زاد تعقيد هذه القوانين مع مرور الوقت، مع تشديد العقوبات وتوسيع نطاق اللوائح التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية والتنظيم الحضري للمدن.
ورغم هذه التطورات، لا تزال هناك بعض التحديات المرتبطة بتحديد المعايير الجمالية الدقيقة للإعلانات والمجسمات، وكذلك الحاجة إلى وضوح أكبر في بعض اللوائح التنفيذية، خصوصًا فيما يتعلق بالإعلانات الرقمية.
تطور هذه التشريعات يعكس الحاجة المستمرة للتكيف مع المتغيرات التجارية والتكنولوجية، ومن المرجح أن تستمر عملية تحديث القوانين في المستقبل لضمان توازن بين حرية النشاط الإعلاني وحماية المظهر الحضري للدولة.