تعد وسائل النقل أحد أهم اختراعات الإنسان، فالمشي وركوب الخيل والدواب من أقدم وسائل النقل التي استخدمها البشر، ومع التطور التكنولوجي والصناعي والابتكار تطورت هذه الوسائل وأصبح التنقل بين المدن والدول أكثر سهولة ويسر وسرعة عن ذي قبل.
البداية
ففي سنة 1885 صنع كارل بنز أول سيارة تعمل بالبنزين، وتزايدت أعداد السيارات حتى بلغت في سنة 1914 أكثر من خمسمئة ألف سيارة، وأصبحت السيارات تحتل مكاناً هاماً في الحياة اليومية، وفتحت عهداً جديداً في وسائل النقل والمواصلات.
ومع هذا التطور والتوسع ظهرت مشكلة الحوادث المرورية التي أصبحت جميع الدول تعاني منها، فقد كانت تتفاقم يوماً بعد يوم، وراح ضحيتها الكثير من البشر، وتسببت بالإعاقة لغيرهم، ناهيك عما تخلفّه من خسائر مادية.
من هذا المنطلق كان لزاماً على الدول تبني نظام شامل للطرق لضمان نقل آمن لجميع مستخدميه، ولتستوعب كل المستجدات والتحديات التي ترافق هذا المجال.
فبدأت الطرق تتخذ شكلاً جديداً يناسب منظومة النقل الحديثة وحركة السير، من شوارع مرصوفة وجسور وأنفاق ومسارات ومواقف مخصصة لتلك السيارات.
وكان لابد من تنظيم حركة المرور في الشوارع والطرق المختلفة، لتسهيل عملية السير والحيلولة دون الحوادث المحتملة، فأعدت الدول خططاً وقوانين لتسهيل حركة السير والحد من الحوادث أو الاختناقات المرورية، منعاً لأن تصبح حركة السير عشوائية كسيارات التصادم الموجودة في مدينة الألعاب.
فسياقة السيارة تتطلب كفاءة السائق، وكذلك تشريعات من الدول تلائم بناء الطرق بشكل مستمر، حيث تكون منسقة ومتفقاً عليها دولياً، وقد أدى التوسع في حركة مرور السيارات إلى إبرام عدة اتفاقيات كان أبرزها اتفاقية فيينا بشأن حركة المرور على الطرق لسنة 1968.
تناولت الاتفاقية عدة بنود منها القواعد المرورية وإشارات المرور، والبنية التحتية للطرقات، والفحص الفني الدوري للمركبات وأهليتها للاستخدام، وطالبت بوضع لوحات لتسجيل المركبات، وذلك لتحديد هويتها المختلفة، سعياً لتعزيز السلامة والحد من عدد التصادمات والضحايا، ووضع سياسات السير على الطرق، وتسهيل الحركة.
أُعتُمدت هذه الاتفاقية بشكل واسع، ونالت أهمية بالغة، مما جعلها سارية المفعول حتى يومنا هذا، والجدير بالذكر أنه في أكتوبر من سنة 2022 وقَعَّت 86 دولة على هذه الاتفاقية، وكانت دولة قطر من بين هذه الدول الموقعة، كما ينص مرسوم رقم (40) لسنة 2022، مع إبداء تحفظ على المادة المتعلقة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
ومنذ أن بدأت هذه الاتفاقيات والاجتماعات حتى يومنا هذا ونحن نشهد الكثير من التطورات في طريقة تنظيم السير على الطرق، حيث بدأت الدول بنشر رجال الشرطة المرورية لتسيير المرور عند تقاطع الطرق، وحددت السرعات المناسبة في الطرقات، ووضعت اللافتات والإشارات، هذا بالإضافة إلى نشر التوعية المرورية للأفراد وخلق الثقافة المرورية الصحيحة لديهم.
بعدها تطورت الأساليب الخاصة بتنظيم المرور شيئاً فشيئاً، حتى دخلت التكنولوجيا في تسهيل عمل الشرطة المرورية، فنُصبت الإشارات الضوئية، ووضعت الكاميرات والرادارات التي تحد من تجاوز السرعة المناسبة للسير في مختلف الشوارع والطرق، وُسنت القوانين والتشريعات لضبط السير وتحسين سلوكيات سائقي المركبات وتهذيبهم.
فضوابط تنظيم عملية السير في الطرق تعتبر ضرورة ملحة لتفادي أمور كثيرة قد تسبب خسائر في الأرواح والأموال، فإذا تهاون بعض سائقي المركبات في تطبيق قانون المرور، وشرعوا في الاستخدام السلبي للسيارة وتجاوزوا تلك القوانين التي تحفظ النفس والمال، أصبحت هناك حرب بلا هوادة تقع بشكل يومي على الطريق، حرب من طرف واحد يعلنها السائق على نفسه وغيره من مستخدمي الطرق، وسلاحه في هذه الحرب ما هو إلا سيارته، فما الفرق مثلاً بين من أمسك مسدسه وأطلق الرصاص عشوائياً ومن قطع إشارة حمراء وأصطدم بحافلة مدرسية؟
ولذلك أجبرت الدول مستخدمي الطرق على عدم تجاوز القوانين المرورية، وإلا كانت عاقبتهم الوقوع في براثن المخالفة.
العقوبات المرورية
عرف الشيخ عبد القادر شيبة الحمد المخالفة لفظاً في موقعه الرسمي، أنها “ما يخالف حكم المنطوق، ويسمى دليل الخطاب أيضاً، وقد يعرف بأنه الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه”.
وعند العلماء المعاصرين ضمّن الباحث محمد حمد عبدالحميد تعريفات كثيرة، أوردها في ورقته البحثية التي كانت بعنوان معنى معنى المخالفة عند علماء الأصول وتطبيقاتها في القانون الأردني، ومن هذه التعريفات ما عرّفه محمد أديب الصالح بقوله: “هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه، مخالف لما دل عليه المنطوق لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم.”
أما مسرد المصطلحات القانونية فقد عرّف المخالفة على أنها “انتهاك غير خطير للقانون، أو انتهاك عقد أو اتفاقية أو حق، لا يعتبر جنحة أو جناية، ولا يمكن معاقبته بالسجن، مثل مخالفات قوانين السير التي تقع ضمن هذه الفئة”
ويمكن ملاحظة هذا التعريف في القانون القطري رقم (11) لسنة 2004 بإصدار قانون العقوبات الذي يحدد نوع الجريمة وفقاً للحد الأقصى للعقوبة المقررة لها في القانون كما تشير المادة 21.
فالجنايات لا يجوز أن تقل مدة الحبس المحكوم بها عن ثلاث سنوات، وهي “الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو الحبس المؤبد أو الحبس الذي يزيد على ثلاث سنوات، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
أما الجنح “فهي الجرائم المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة التي تزيد على ألف ريال، أو بالتشغيل الاجتماعي، أو بإحدى هذه العقوبات، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
وتطابق المخالفات المرورية في قطر ما سبق ذكره، إذ أنها تشمل السرعة الزائدة، وعدم الامتثال لقوانين الإشارات المرورية، والتجاوز الخاطئ وغيرها، وتصنف المخالفات وفقاً لشدتها، وتنقسم أنواع العقوبات الخاصة بالمخالفات إلى خفيفة وكبيرة.
ويخطئ من يظن أن الإدارات المرورية وحدها هي المسؤولة عن ترسيم المخالفات، فصحيح أنها تلعب الدور الأكبر في ذلك، نظراً لما تملكه من خبرة واسعة في هذا القطاع، ولكن هناك جهات أخرى مسؤولة عن وضع المخالفات، فلو نظرنا إلى مرسوم القانون رقم (19) لسنة 2007 بإصدار قانون المرور لوجدناه يتضمن ثمانية أبواب، تتألف من 106 مادة.
وقد خُصص الباب السابع منها للعقوبات التي تتراوح بين الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وغرامات من 10,000 إلى 50,000 ريال لبعض المخالفات، ويواجه من يكرر المخالفات عقوبات مشددة إلزامية، وهناك بعض المواد تشير إلى عقوبات أقل شدة وغرامات أصغر لانتهاكات أخرى، مع زيادة العقوبات لمكرري المخالفات، وتصل بعضها إلى سحب رخصة القيادة، تأكيداً على التطبيق الصارم والالتزام بقوانين المرور.
تقدم موسوعة ويكي القطرية الشاملة قائمة بالعديد من المخالفات المرورية في قطر وعقوباتها.
وتجدر الإشارة أيضاُ إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد سنت مشروع قانون نظام مروري موحد، أُقرّ في مدينة الرياض في سنة 1989 بين أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول المجلس في اجتماعهم الثامن، كنظام استرشادي يعاد تقييمه بعد مرور ثلاث سنوات، على أن تقوم الدول الأعضاء التي تسترشد به إشعار الأمانة العامة بذلك.
واتضح خلال هذه الفترة أن الدول الأعضاء استرشدت بهذا النظام عندما تقوم بإصدار أو تعديل أنظمتها المرورية، إضافة إلى أنه تم الأخذ بالصيغة النهائية للنظام المشار إليه في الاجتماع الثامن والعشرين الذي تم تنظيمه في مسقط في سنة 2009، على أن تتم مراجعته بعد مضي ثلاث سنوات.
السلامة المرورية
نجد في الباب الثاني من الدستور القطري حرص الدولة على رعاية وسلامة المواطن، حيث تنص المادة 22 على ضرورة أن “تقيه شر الإهمال البدني والعقلي والروحي”، ولذلك تعتبر السلامة المرورية جانباً من جوانب هذه السلامة، وأن على الإدارة العامة للمرور في قطر ووزارة الداخلية أن يعملا على تحقيق هذا الهدف، من خلال إدارات متخصصة آخذة بالتطورات التكنولوجية والتقنية بعين الاعتبار.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن اللواء عبدالعزيز بن جاسم آل ثاني قد أشار إلى أن واحداً من أهداف أسبوع المرور الخليجي في مارس 2024 تسليط الضوء على المخاطر الناتجة عن استخدام الجوال أثناء السياقة، مشيراً إلى أن هذا السلوك المروري الخاطئ يعد واحداً من أبرز مسببات حوادث المرور ليس فقط محلياً بل على مستوى العالم.
ويدعو هذا النوع من الفعاليات والمعارض والأنشطة التوعوية “إلى الالتزام بقوانين وآداب المرور، والتقيد باشتراطات السلامة المرورية، لتعزيز الأمن على الطرق وحماية الأرواح والممتلكات”، كما أضاف اللواء آل ثاني أن ومن الواضح أن إدارة المرور قامت مؤخراً بنصب كاميرات متطورة يمكنها التقاط صور لثلاث مخالفات في آن واحد، وهي تجاوز السرعة وعدم ارتداء حزام الأمان واستخدام الجوال أثناء السياقة، ووضعت لذلك مخالفة بهدف الحد من استخدامه، فأجهزة الجوال تعد من أهم أسباب لكثير من الحوادث والوفيات على الطرقات.
ومن الأمثلة البارزة على أن المخالفات المرورية هي أحد الحلول الناجحة لتوعية الناس وتقليل المخاطر، القانون المتعلق باستخدام الجوال، إذ أن مرسوم القانون رقم (19) لسنة 2007 ينهى عن “استعمال الهاتف النقال أو غيره من الأجهزة على أي نحو أثناء السياقة، مستخدما يده في حمله أو استعماله،” ولكن بعض السائقين لم يراعوا هذا القانون حتى تم تشريع المخالفة المرورية ذات الخمسمئة ريال.
ونقلت صحيفة العرب القطرية ما صرح به النقيب محمد ربيعة الكواري في برنامج الشرطة معك بإذاعة قطر من أن مخالفة استخدام الجوال أثناء القيادة لا تهاون معها البتة، ولا مجال لأي خصومات على عقوبتها، حيث كشف أن استخدام الهاتف يؤدي إلى حوادث المرورية تصل من 50 إلى 60%.
وبذلك يتضح أن عقوبات المخالفات المرورية هي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وسيلة للحد من المخالفات ورادع للحفاظ على الأرواح، فبعض الناس لا ينتهون بالنصيحة ولا بالقول، ولا يردعهم مثل ثقوب الغرامات في جيوبهم.
[…] المجلة في باب المرور مقالاً بعنوان المخالفات المرورية: بين التنظيم والردع وحفظ السلامة، واستطاعت الإعلامية هدى محمد أن تبرز نشأة صناعة […]