spot_imgspot_img
بيتأيام عالميةاليوم العالمي لحرية الصحافة - 3 مايو

اليوم العالمي لحرية الصحافة – 3 مايو

مفهوم الحرية يعتبر من المفاهيم المثيرة للجدل بين الأفراد والمجتمعات والثقافات المختلفة على مر العصور، حيث تعد حاجة إنسانية أساسية لتأكيد كرامتهم وإنسانيتهم.

فرغم أن التحرر من القيود يعتبر حاجة فطرية في الإنسان، إلا زنه ينبغي أن يكون هناك توازناً لا تتعدى فيه حرية الفرد على حريات الآخرين، ولا العكس، فالنقاشات حول الحرية غالباً ما تتناول الحرية النسبية لا الحرية المطلقة، إذ يتطلب العيش في مجتمع ما التنازل عن جزء من الحريات لصالح المصلحة العامة، تعزيزاً لحرية المجتمع ككل.

يوضح مرشد عبد صافي في مطلع كتابه ‎الحرية في الصحافة والإعلام (2017)، أن الحرية لها أشكال وصور متعددة وتعريفات يقدمها المفكرون والمتخصصون تختلف في المبادئ التي يعتنقها الفرد أو في تطبيقها على الواقع الذي يعيشه، وتتراوح بين من مر بتجربة معاناة وظلم، أو مع من نبذ الحريات المطلقة والتمس أثرها السلبي على المجتمع.

ويشمل ذلك قانونياً التعبير عن الرأي، أو ممارسة الشعائر الدينية التي يعتنقه الفرد، أو حتى الدفاع عن النفس، فكل ما لا يؤثر في المجتمع والصالح العام يجب ألا تُفرض قيود عليه إلا بمبرات واضحة، وهو ما يشمل بدوره الأفعال، والأقوال، والأفكار المنبثقة عن الأخلاق، سواء منها السلبية أو الإيجابية.

ماذا يحدث للمجتمع إذا غابت الحرية؟

في إحدى حلقات برنامج في العمق على قناة الجزيرة استضاف الإعلامي علي الظفيري المفكر محمد حامد الأحمري في عام 2010 ليتحاور معه حول الحرية في الفكر الإسلامي، وسأله “ماذا يحدث للمجتمع إذا غابت الحرية؟”

فأجابه الأحمري بقائمة من النتائج المترتبة على غياب الحرية، منها الفساد الأخلاقي وبروز لغة النفاق وإخفاء الحقائق، وهو ما يؤدي للفساد المالي، لأن سيطرة الحكومات تصبح بديلاً عن فكرة الخالق على حد تعبيره، وأضاف أن غياب الحرية يؤدي إلى القهر ويقضي على العزيمة وروح المبادرة، وبيّن أن الاستبداد يقوض الفن والأدب والشعر، فالإنسان إذا حوصر ومنع وحجب أفقه أصبح التعبير صعباً.

بين الأحمري كذلك أنه عند غياب الحرية يتفلت الإنسان ويسرب طاقته في تنظيمات غير شرعية، مثل الجماعات السرية التي يجدها وسيلة لمبتغاه في داخل المجتمعات ذات الفكر الأمني الضيق، والأمر ذاته ينطبق على التنظيمات الإرهابية، كما حصل مع الرئيس أنور السادات عندما حرم الشعب المصري من حرية التعبير وسجن المثقفين، فتشكلت جماعة الجهاد وروجت لأفكارها الهدامة التي انتهت باغتياله.

وأختتم الأحمري قائمته بتوضيح الآثار الأخلاقية المترتبة على غياب الحرية، حيث يلجأ بعضهم إلى التجسس لحساب النظم الديكتاتورية ويتقربوا منها ليسرقوا، سعياً ليكون لهم نصيب من الغنائم، “وبالتالي تصبح الدولة هي مصدر الفساد والتدمير داخل المجتمع.”

اليوم العالمي لحرية الصحافة

تحتفل الأمم المتحدة ودول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة سنوياً في الثالث من مايو، ويعتبر هذا اليوم فرصة لتجديد الالتزام بالمبدأ الأساسي لحق حرية التعبير، وهنا تبرز الأهمية البالغة إلى دور وسائل الإعلام لتعزيز التدفق الحر للمعلومات والأفكار، ومساعدة الأفراد في اتخاذ قرارات مستنيرة، وتسهيل الديمقراطية وتعزيزها.

ويعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته اليونسكو في ويندهوك بنامبيا في الفترة من 29 أبريل وحتى 3 مايو في عام 1991، حيث أُعتمد إعلان ويندهوك لتطوير صحافة حرة تتمتع بالاستقلالية والتعدديّة.

ويُعد هذا الإعلان الأول من نوعه عالمياً، فقد جاء بعد أزمات الثمانينيات في أفريقيا ومستلهماً من حركة التحول نحو الديمقراطية بعد الحرب الباردة، حيث تطرق إلى المشاكل التي تواجه الصحافة المطبوعة في أفريقيا، مثل الترهيب وتبعاته الرقابية، وشدد على أهمية استقلال الصحافة لنجاح الديمقراطية، وأكد على أن حرية الصحافة حق أساسي من حقوق الإنسان، وقد تناولت الندوة أيضاً التحديات العملية للصحفيين في أفريقيا، بما في ذلك النقص في المعدات الحديثة والتدريب الكافي.

وقد خص موقع اليونسكو هذا التاريخ وعدّه لحظة فارقة في تعزيز حرية الصحافة عالمياً، خصوصاً في أفريقيا، إذ حضر الندوة 63 مشاركاً من 38 دولة، وحظي بالدعم من قبل 12 وكالة دولية، بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والاتحاد الدولي للصحفيين، والجمعية العالمية للصحافة، ويشير موقع الناميبي أنه في الذكرى العاشرة لإعلان ويندهوك، تم تحديد 3 مايو كيوم عالمي لحرية الصحافة.

وقد ارتبط هذا التاريخ كذلك بالتغييرات السياسية التي طرأت في أفريقيا، مثل استقلال ناميبيا، وتراجع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكان لها الفضل لسمو استقلالية الإعلام وحماية الصحفيين، مما أدى إلى تعهدات إقليمية لحماية حرية التعبير وزيادة تنفيذ قوانين حرية المعلومات وتحسين المعايير الصحفية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في الإصلاحات الديمقراطية وتطوير الإعلام في العالم.

حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة

هناك ارتباط وثيق بين حرية التعبير وحرية الصحافة التي تشمل عدة أنواع من التعبير، مثل الشفهي، والمطبوع، والمذاع، بالإضافة إلى التعبير الثقافي والفني والسياسي، وهذه الحرية ليست مطلقة بل تأتي مع واجبات ومسؤوليات قد تخضع لقيود قانونية ضرورية للتوفيق بين حقوق المتحدث والمتلقي.

وقد توسع استخدام مصطلح حرية التعبير وتطور بشكل كبير على يد المفكرين والسياسيين والناشطين والعامة، مما أدى إلى تنوع المعاني المرتبطة به تبعاً للجماعات المختلفة والأماكن والأزمنة المتنوعة، ورغم هذا التنوع، نجد تعاريف دولية شائعة ومتفق عليها تعتبر معايير معترف بها عالمياً.

فالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 تنص على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

كما أن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1966 تعتبر أن “لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة، [ و ] لكل إنسان الحق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.

وترى الجمعية الدولية لحقوق الإنسان أن حرية التعبير “تتضمن الحق في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين، الحق في نقل المعلومات والأفكار أو التعبير عنها، وكذلك الحق في الوصول إليها”.

وقد أصدرت اليونيسكو دليلاً للطالب في مجال حرية التعبير حددت فيه أربعة أسباب رئيسية تبرز أهمية حرية التعبير، فهي أولاً وسيلة لتحقيق الذات وتمكين الأفراد من استغلال قدراتهم بأكمل وجه؛ وثانياً، تعد طريقاً للبحث عن الحقيقة وتطوير المعرفة؛ وثالثاً، تتيح المشاركة في صنع القرار، خاصة في الشؤون السياسية؛ وأخيراً، تساهم في تحقيق استقرار المجتمع وتكيفه مع التغيرات.

الأزمة البيئية

ويركز اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو في عام 2024 على حرية التعبير في سياق الأزمة البيئية العالمية المتعلقة بتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث الهواء، فقد أشار موقع الأمم المتحدة أن حملات التضليل تُعد تحدياً جسيماً للمعرفة العلمية وتهدد النقاش العام المستنير، وأن المعلومات المغلوطة حول تغير المناخ يمكن أن تضعف الدعم العام والسياسي للإجراءات المناخية، مما يؤثر سلباً على حماية الفئات الأكثر تضرراً مثل النساء والفتيات اللواتي يواجهن تحديات متزايدة بسبب التغيرات المناخية.

وأضاف الموقع أنه لضمان التنمية المستدامة، من الضروري أن يقوم الصحفيون بتغطية دقيقة وشاملة للقضايا البيئية وتأثيراتها والحلول المحتملة، مما يتطلب تبني استراتيجية متكاملة تشمل حماية الصحفيين، وضمان حرية التعبير والبحث العلمي، وتعزيز تنوع واستمرارية وسائل الإعلام، وكذلك تحسين حوكمة المنصات الرقمية لتعزيز الشفافية والمساءلة بما يتماشى مع مبادئ اليونسكو، بالإضافة إلى تعزيز التعليم والتدريب الإعلامي لمنح المستخدمين القدرة على المشاركة الفعالة والتفكير النقدي في الفضاء الرقمي.

يقول زاهر هاشم في مقال له على موقع شورت هاند إن تغير المناخ يؤثر على البشرية سلباً بتهديد النظم الزراعية، ويسبب نقص المياه والغذاء، ووقوع كوارث مثل الفيضانات وحرائق الغابات، وهذه التأثيرات تخل بالحقوق الأساسية، خاصةً بين الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال في الدول النامية.

ووفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن تغير المناخ سبب رئيسي وراء تشرد أعداد كبيرة من البشر تشكل النساء 80% منهم، مما يجعلهن أكثر عرضة للتمييز والعنف في مراكز الإيواء، إضافة إلى ذلك، تؤدي آثار الكوارث البيئية والصراعات المرتبطة بها إلى جعل النساء والفتيات المهاجرات أو اللاجئات عرضة لمخاطر الزواج القسري والاتجار بالبشر.

حرب غزة والنفاق الأممي

تقول الصحفية أماني شنينو في مقال لها على شبكة الصحفيين الدوليين إن مهمة الصحفيين في ظروف الحروب تتعاظم، حيث يتوجب عليهم العمل تحت ضغوط كبيرة وظروف خطرة لنقل الحقائق مع مراعاة السلامة والأخلاقيات المهنية.

وقد أشارت إلى أن على الصحفيين مراعاة الأخطار المحدقة بهم، وضرورة اتباع إرشادات السلامة للحفاظ على سلامتهم، فهم مدعوون للحفاظ على الموضوعية وتجنب نقل المعلومات المضللة والشائعات، مع التأكيد على الدقة في تغطية الأحداث وحماية المصادر.

ويعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة مناسبة للتطرق إلى ما يجري في غزة، حيث يواجه الصحفيون ظروفاً استثنائية نظير مهنيتهم الإعلامية التي أثارت استياء الاحتلال في تغطيتهم لهذه الحرب الشعواء على شعب أعزل تكبد خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فمنهم من تعرضوا أثناء عملهم للقتل، بل وللاستهداف المباشر لهم ولأسرهم ولمنازلهم ولمؤسساتهم الإعلامية.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد استُشهد – منذ اندلاع هذه الحرب في أكتوبر 2023 وحتى لحظة كتابة هذا المقال – 143 صحفياً وصحفية وأُصيب مئات آخرون.

ومع حلول ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة يواصل الصحفيون توثيق المآسي، مقدمين شهادة حية على الواقع المرير الذي يعيشه القطاع برمته.

وقد شهد العالم الغربي تغيرات سياسية كبيرة صاحبها قمع لحرية التعبير والتظاهر السلمي وممارسة الحقوق المدنية والسياسية، وخيم في الأفق تصاعد محموم لانغلاق سياسي بارك لكل متطرف أن يروج لحكومة الاحتلال الإسرائيلي كما يحلو له، كل ذلك رغم التجاوزات الفاضحة قانونياً وإنسانياً، في المقابل ما أن يبدأ أحد بالدفاع عن الحق الفلسطيني حتى تنقلب الطاولة وتختل المعايير.

في هذا السياق، تواجه حرية التعبير التي تُعتبر الأساس لكافة الحريات الأخرى مأزقاً كبيراً في الدول الغربية المدعية للديمقراطية، وذلك من خلال قمعها الممنهج لأي تغريد خارج سربها السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية