ما أيسر المبادئ والقيم التي يدعيها المرء على طرف اللسان، وما أشقها كالتزام عملي إلى جنة الرضوان.
يقول الله تعالى في سورة القصص “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ”.
ولما كان الإسلام لا يُلزم أحداً بالحكم على سرائر النفوس، فليس للمجتمع إلا الظاهر، ولا مسوغ للحكم على الضمائر.
إلا أن للإسلام موقفاً فريداً في فرض واجب مادي في ميثاق الزواج أسماه الصداق.
الصداق لغة من باب أصدق يصدق إصداقاً.
أما اصطلاحاً، فهو كما يقول أحمد علي طه ريان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وشيخ فقهاء المالكية بمصر في كتابه فقه الأسرة “ما يكون عوضاً في النكاح، وهذا أعم من أن يكون نقداً أو غير نقد، حالاً أو مؤجلاً، مالاً معيناً أو منفعة، وغير ذلك مما يصلح أن يكون عوضاً في عقد البيع أو الإجارة”.
معرفة الناس باختبار الدرهم والدينار
ذكر ابن تيمية “لَمَّا شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ، فَزَكَّاهُ آخَرُ، قَالَ: هَلْ أَنْتَ جَارُهُ الْأَدْنَى تَعْرِفُ مَسَاءَهُ وَصَبَاحَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ عَامَلْتَهُ فِي الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ الَّذِينَ تُمْتَحَنُ بِهِمَا أَمَانَاتُ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ رَافَقْتَهُ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَنْكَشِفُ فِيهِ أَخْلَاقُ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَسْتَ تعرفه، لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد”.
فما علاقة الصداق بالصدق لغةً؟ وكلاهما مشتق من الجذر صدق؟
لا يخفى على أحد أن الكلام المعسول بين الجنسين قبل الارتباط هو الشائع، فكل منهما يُظهر من نفسه ما يُرغّب الآخر فيه، فيكون في أبهى حلة وفي أحسن هيئة.
وهذا التجمل الخادع لم يتجاهله الإسلام، فكان له موقفاً فريداً بوضعه لواجب صداق المرأة على الرجل إن أراد الزواج، فكان واجباً عليه دون حد أدنى ولا سقف أعلى، وكأنه اختبار الدرهم والدينار لكشف خلجات النفس الكامنة.
فياله من اختبار يكشف للمرأة بخل الرجل وفقاً لإمكاناته، ومدى عطائه وكرمه قياساً إلى قدراته، لكنه ليس اختباراً للرجل فحسب، بل في الوقت نفسه اختبار يكشف للرجل طمع المرأة وأهلها إن هم بالغوا في مطالبهم.
إنه اختبار المادة العمياء الذي يكشف كثيراً مما خلف مجالس التعارف الجوفاء، والابتسامات الصفراء، وكلمات الإطراء.
لست أرى الصداق إلا مصفاة أخلاقية تكشف جانباً مهما من معدن الطرفين، كاختبار عملي في مرحلة التعارف ينجح فيه فقط الأنقياء، فلا تحل البركة على الزواج إلا بين النفوس التي تستحق من يشبهها في القناعة والرضا، فلا قناعة بدون كرم قلبي بغض النظر عن ضيق ذات اليد أو سعتها، ولا طمع بدون وجه من وجوه الأنانية والبخل والأثرة.
ياله من اختبار بسيط لا نجد له عنوانا أفضل من كلمة “الصداق”، صداق النوايا الطيبة بين غريبين يبنيان أسرة معاً في رحلة الحياة، ينتج عنها واحدة من أقوى روابط البشر، رابطة الدم.
بعض أدلة وجوب الصداق في الإسلام
من أدلة وجوب الصداق في الإسلام قوله تعالى في سورة النساء (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً…)، وقوله تعالى في السورة نفسها (… فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ…).
فلا يحق لأحد أن يأخذ من صداق المرأة شيئاً، لا وليها، ولا زوجها، وهو ما أدى إلى تحريم زواج الشغار الذي كان يسمح بتزويج ولي المرأة لرجل مقابل أن يزوجه ممن هو ولي عليها.
مقدار الصداق المثالي
لم يضع الإسلام حداً أقصى لمقداره، يقول تعالى في سورة النساء (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
لكن رغم عدم وجود حد أقصى للصداق، إلا أن الإسلام حث على تقليل المهور وتزويج الفقراء، كما في قوله تعالى في سورة النور “وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قال: “إنَّ مِن يُمنِ المرأةِ تَيسيرَ خِطبتِها، وتَيسيرَ صَداقِها، وتَيسيرَ رَحِمِها”،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “إذا خَطَب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَه، فزَوِّجُوه. إلا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ”.
بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يضع سقفاً للمغالاة في المهور، لكنه سرعان ما تراجع عن هذه الفكرة، فقد روى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم واللفظ للترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية”.
وفي تفسير ابن كثير قال : حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربعمئة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لِمَ تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمئة درهم؟ ، قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت يا أمير المؤمنين نهيتَ النَّاس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال: نعم ، فقالت: أمَا سمِعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول “وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً”؟ قال: فقال : اللهمَّ غفراً ، كل النَّاس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر ، فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب . قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل.
وفي رواية أخرى عن طريق أبي يعلى وفيها مجالد بن سعيد زيادة قال فيها بن الخطاب: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”.
بعض حالات وجوب الصداق وسقوطه
والصداق عاجله وآجله حق للزوجة، وهو دين في رقبة الزوج مدى الحياة، فإن مات قبلها استحقت المرأة أن تستقطعه من التركة إضافة لنصيبها الشرعي في ميراثها من زوجها.
أما إن طلق الرجل زوجته بعد العقد وقبل الدخول أو الخلوة الشرعية، استحقت نصف الصداق المتفق عليه، لكن إن عفت المرأة أو وليها عن هذا المال كان هذا أقرب للتقوى، وذلك امتثالاً لقوله تعالى في سورة البقرة “وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ”.
وإن طلبت المرأة من القاضي أن يخلعها من زوجها دون أن يكون هو راغباً في تطليقها ودون سبب شرعي يمكنها إثباته، فيجوز للرجل أن يطلب منها تعويضاً مادياً عما تحمله من أعباء مادية للزواج بها.
وفي ذلك حكمة بليغة تحمي الرجال من استغلال النساء لهم بقبولهن الزواج دون نية الاستمرارية، ثم طلب الطلاق بدون مبرر شرعي، إلا لجمع الأموال، أو من أجل الزواج من رجل آخر بعد الانفصال.
فما ذنب من كد وتعب ليدخر المال وربما اقترض من أجل أن يتزوج ويعف نفسه ويبني أسرة، ثم يفاجأ أن زوجته تطلب الطلاق أو الخلع دون سبب منه أو جريرة؟ وكيف لرجل مر بمثل هذه التجربة المريرة أن يأمن لإمرة أخرى، وقد استنزف مادياً بلا ذنب منه أو جريرة؟
قال تعالى في سورة البقرة “ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ”.
وعن عبد الله بن عباس في صحيح البخاري “أنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ أتَتِ النبيَّ ﷺ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ، ما أعْتِبُ عليه في خُلُقٍ ولَا دِينٍ، ولَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ في الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً”.
بعض القوانين العربية المنظمة للصداق
تتشابه القوانين العربية في بنودها الخاصة بالمهر، وبسؤال المحامية القطرية فوزية العبيدلي أفادت بأن قانون الأسرة القطري رقم (22) لسنة 2006 ينص على أن “المهر هو ما يبذله الزوج من مال بقصد الزواج. وكل ما صح التزامه شرعاً صلح أن يكون مهراً”، وهو حق للزوجة وحدها “تتصرف فيه كيف شاءت، ولا يعتد بأي شرط مخالف”، كما “يجوز للزوجة الامتناع عن الدخول حتى تقبض معجل مهرها، وإذا رضيت الزوجة بالدخول قبل أن تقبض مهرها من الزوج فهو دين في ذمته”.
وهو ما ذهبت إليه أيضاً مدونة الأسرة المغربية أيضاً التي ترى أن “الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعاراً بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية”، كما ترى أن “الصداق ملك للمرأة تتصرف فيه كيف شاءت، ولا حق للزوج في أن يطالبها بأثاث أو غيره، مقابل الصداق الذي أصدقها إياه”.
وقد بيّن قانون الأسرة القطري حقوق الزوجة على زوجها وهي: “المهر، النفقة الشرعية، السماح لها بزيارة أبويها ومحارمها واستزارتهم بالمعروف، عدم التعرض لأموالها الخاصة، عدم الإضرار بها مادياً أو معنوياً، العدل بينها وبين بقية الزوجات إن كان للزوج أكثر من زوجة”.
كما أجمل حقوق الزوج على زوجته وهي: “العناية به وطاعته بالمعروف، المحافظة على نفسها وماله، الإشراف على البيت وتنظيم شؤونه، رعاية أولاده منها وإرضاعهم إلا إذا كان هناك مانع شرعي”.
وأضافت العبيدلي أن الصداق عاجله وآجله لا يسقطان بعد الزواج والدخول ويعتبران ديناً في رقبة الزوج، إذ ينص قانون الأسرة القطري على أنه “يجوز تعجيل المهر أو تأجيله كلاً أو بعضاً حين العقد، ويجب المهر بالعقد الصحيح، ويتأكد كله بالدخول، أو الخلوة الصحيحة، أو الوفاة، ويستحق المؤجل منه بالأجل المعين له، ويسقط هذا الأجل بالبينونة، أو الوفاة، وفي هذه الحالة يستحق المهر المؤجل”.
وهو ما ذهبت إليه مدونة الأسرة المغربية أيضاً التي تنص على أن “يؤدى الصداق عند حلول الأجل المتفق عليه للزوجة المطالبة بأداء الحال من الصداق قبل بداية المعاشرة الزوجية، إذا وقعت المعاشرة الزوجية قبل الأداء، أصبح الصداق ديناً في ذمة الزوج”.
أما إذا وقع الطلاق من الرجل قبل الدخول فالحكم وفقاً لقانون الأسرة القطري أن “تستحق المطلقة قبل الدخول نصف المهر إن كان مسمى، فإن لم يكن مسمى أو كانت التسمية فاسدة، حكم لها القاضي بمتعة لا تزيد على نصف مهر مثلها”.
ووضحت العبيدلي أن حق المرأة في الصداق والمتعة وفقاً للمادة 41 يسقطان “إذا وقعت الفرقة بسبب من الزوجة قبل الدخول، أو الخلوة الصحيحة”.
وقد أضافت أن الزوجة غير المدخول بها الرغبة في التفريق بدون مبرر ملزمة برد المهر وما تسلمته من أموال، وفقاً للمادة 136 التي تنص على أنه “إذا طلبت الزوجة التفريق قبل الدخول، وبذلت مهرها وما تسلمته من أموال وتنازلت عن حقوقها المالية، فرفض الزوج طلاقها بدون مبرر مقبول، فعلى القاضي بذل الجهد للإصلاح بينهما، فإن تعذر واستحكم الخلاف، فيحكم بالتفريق بينهما على المال المبذول”.
أما في حالة الخلع بعد العقد والدخول فتلزم المرأة برد المهر وفقاً لممادة 122 من قانون الأسرة القطري، إذ تنص على أنه “إذا لم يتراض الزوجان على الخلع فعلى المحكمة القيام بمحاولة الصلح بين الزوجين وتندب لذلك حكمين لمباشرة مساعي الصلح خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر، وإذا لم يتوصل الحكمان للصلح، وطلبت الزوجة المخالعة مقابل تنازلها عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بالتفريق بينهما.
وإذا امتنع الرجل عن سداد المهر المتفق عليه، فإنه وفقا للمادة 128 “يحكم للزوجة غير المدخول بها بالتفريق لعدم أداء الزوج مهرها الحال في الحالتين التاليتين: إذا لم يكن للزوج مال ظاهر يؤخذ منه المهر، وإذا كان الزوج ظاهر العسر، أو مجهول الحال، وانتهى الأجل الذي حدده له القاضي لأداء المهر الحالّ ولم يؤده”.
أما في حالة الزوجة المدخول بها التي لم تستلم كامل مهرها فإنه وفقا للمادة نفسها “لا يحكم بتفريق الزوجة بعد الدخول لعدم أداء مهرها الحال ويبقى ديناً في ذمة الزوج”.
ولكن وفقاً للمادة 136 “إذا طلبت الزوجة التفريق قبل الدخول، وبذلت مهرها وما تسلمته من أموال وتنازلت عن حقوقها المالية، فرفض الزوج طلاقها بدون مبرر مقبول، فعلى القاضي بذل الجهد للإصلاح بينهما، فإن تعذر واستحكم الخلاف، فيحكم بالتفريق بينهما على المال المبذول”.
أما في حالة الخطبة قبل العقد، فوفقا للمادة 7 “إذا سلم الخاطب لمخطوبته قبل العقد مالاً على أنه من المهر، ثم عدل أحد الطرفين عن الخطبة، أو مات أثناءها، فيحق له أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائماً، وإلا فمثله أو قيمته يوم القبض، وإذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو بعضه جهازاً ثم عدل الخاطب، فلها الخيار بين إعادة المهر، أو تسليم ما يساويه من الجهاز كلاً أو بعضا وقت الشراء مع الباقي من المهر”.
وهو ما ذهبت إليه مدونة الأسرة المغربية التي تنص على “إذا قدم الخاطب الصداق أو جزءاً منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثناءها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائماً، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه، إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه”
وينص قانون الأسرة القطري في مادته الثامنة على أنه “إذا انتهت الخطبة بالوفاة، أو بسبب لا يد لأحد الطرفين فيه، أو بعارض حال دون الزواج، فلا يسترد شيء من الهدايا”.
جدلية التأرجح بين فهم النص وروح النص
في ظل هذه الشبكة المترامية الأطراف من تشريعات دينية وبنود قانونية منبثقة عنها لحماية الأسرة وضبط العلاقات الاجتماعية، إلا أن بعضهم من الجنسين يتحايلون للتلاعب بها، دون وازع من ضمير، وكأن واضع النص الديني سبحانه وتعالى – حاشاه – غير مطلع على قلوب من يدعون التزامهم به، أو كأن الدنيا لا يوم حساب بعدها تشهد فيه الجوارح على أصحابها.
وقد يُتصور أن المهر في الإسلام يُحوِّل المرأة إلى سلعة تُباع وتشترى، وهي نظرة سطحية تستحقر المادة بالمطلق، وكأن الإنسان روح بلا جسد، بخلاف الإسلام الذي يوازن بين احتياجات البشر الروحية والمادية والعقلية.
ثم هل يمكن أن يبيع الإنسان نفسه مقابل المال سواء رجل أو امرأة، إلا لطمع أو احتياج قهري؟
إلا يوجد من الرجال مثل النساء من يتزوج بمن لا يعجبه، بسبب الطمع في المال أو النفوذ أو بسبب قهر الظروف؟
وهل يُنتظر من النص الديني أن يقتلع الطمع أو الاستغلال من أناس لا تؤمن به في قرارة أنفسها أصلاً؟ أم أن الإيمان بالنص الديني هو المقدمة وليس النتيجة؟
وهل عرف البشر أي عطاء معنوي بدون وسيلة مادية؟
وهل كانت كلمات التشجيع والإطراء لتُنطَق بدون حُنجرة وأوتار صوتية من لحم ودم؟
وهل من ابتسامة ودودة دون تحريك من عضلات الوجه أو أشارات من الجهاز العصبي؟
وهل للمسة الأم الحانية أن يشعر به الطفل دون مستشعرات اللمس في الجلد؟
كذلك الصداق الذي يُعد فعلاً مادياً، إلا أنه يعبر عن مشاعر معنوية ومكنونات نفسية، لأغنى عنه لتوصيلها، في اختبار رباني معجز لعطاء الرجل وفي الوقت نفسه لطمع المرأة.
فإن بالغت هي في طلباتها كان ذلك تحذيراً للرجل بالهروب من إنسانة طماعة أو مغرورة، ولو قَتّرَ الرجلُ في مقدار الصداق دون الاستطاعة بشكل مبالغ فيه كان ذلك تحذيراً للمرأة بالهروب من رجل أناني، بخيل بعواطفه قبل أمواله.
وهل لو فرضاً لم يكن الصداق واجباً، سيختفي الطمع والاستغلال بين الجنسين؟
ألا يوفر هذا الاختبار المادي على الطرفين قبل الزواج أن يتورطا في علاقة مسمومة؟
وهل من جزاء أوفى من البركة على أسرة يانعة يرويها الرجل بسخاء كرمه وتظلها المرأة بقناعتها؟
[…] الإسلاميات، فكان للكاتب أحمد عقب الباب مقال بعنوان تعقيدات الصداق: الالتزام المادي والاختبار الأخلاقي في …، تناول فيه العلاقة بين الصدق والصداق معتبراً إياه […]