من نكد الدنيا أن تكون ذكرى يوم طردك من وطنك هي يوم احتفاء العالم بتيهك في البلاد، وكأنه وخز سنوي بمأساتك النازفة، وبصرخة مكتومة تصيح أن هذه الأرض لك ولأجدادك من قبلك، فلا يسمعك إلا الفراغ.
يساور الشعب الفلسطيني الشك في صدق المجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة، ففي ظل حق النقض (الفيتو) الذي تشهره في وجه العالم منذ أكثر من سبعة عقود دول مؤيدة لإسرائيل، يختنق الأمل في نفوس الفلسطينيين، لُيصب مزيد من الزيت على نار الغضب المستعر في الصدور.
تعود جذور اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1977، فقد اعتمدت هذا اليوم في 29 نوفمبر من كل عام لتسليط الضوء على قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ويعكس هذا اليوم التضامن الدولي مع الفلسطينيين، ويوفر فرصة لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية، والمطالبة بإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة والسلام.
ومن عجب أن هذا اليوم تحديداً اختير، لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في 29 نوفمبر 1947 قرار تقسيم فلسطين، رقم 181 الذي يهدف إلى إقامة دولتين مستقلتين؛ فلسطينية وأخرى إسرائيلية، ولكن هذا القرار لم يُنفذ بالشكل الذي كان يُرجى منه، مما أدى إلى نزاع مستمر وأزمات متلاحقة للشعب الفلسطيني.
تمثل النكبة الفلسطينية حدثاً مؤلماً في تاريخ الشعب الفلسطيني، تم خلالها تهجير أكثر من نصف السكان من منازلهم في عام 1948، وقد أثرت هذه الأحداث بشكل عميق على حياة الفلسطينيين، فهذا التهجير القسري أدى إلى نشوء أزمة لاجئين مستمرة حتى يومنا هذا، حيث يعيش حوالي 6 ملايين فلسطيني كلاجئين في مختلف أنحاء العالم، منهم مئات الآلاف الذين تعرضوا لتهجير إضافي نتيجة للصراعات والحروب المتكررة في المنطقة.
وتقوم الأمم المتحدة في هذا التاريخ بتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة، ومنها؛ معرض حقوق الفلسطينيين، حيث تنظم لجنة وشعبة حقوق الفلسطينيين معرضاً سنوياً بالتعاون مع بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، بهدف تسليط الضوء على تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة.
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 القرار 60/37 الذي طلب من لجنة وشعبة حقوق الفلسطينيين تنظيم معرض سنوي بمناسبة اليوم الدولي للتضامن، وطلب من الدول الأعضاء تقديم دعم إعلامي أوسع لهذه المناسبة لنشر التوعية، ويعتبر هذا المعرض حدثاً هاماً يعزز التضامن الدولي ويشجع على إظهار الدعم والاهتمام بالقضية الفلسطينية.
وقد رُفع العلم الفلسطيني في عام 2015 أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم، فكانت هذه الخطوة رمزاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعوة للمجتمع الدولي لدعم حقوق الفلسطينيين.
وفي عام 2023، وتزامناً مع الذكرى الـ75 للنكبة، يُنظم معرض بعنوان فلسطين أرض وشعب في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، يضم صوراً ومقاطع فيديو وأعمالاً فنية تجسد رحلة الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم.
وبهذه المناسبة، تم تنظيم معرض خاص تحت عنوان فلسطين أرض وشعب في مقر الأمم المتحدة في نيويورك من 29 نوفمبر 2023 وحتى 8 يناير 2024، وقد عُرضت فيه جوانب متعددة من التجربة الفلسطينية، بما في ذلك التراث الثقافي والتاريخي ومراحل التهجير والنضالهم من أجل البقاء.
وقد ضم المعرض مجموعة من الصور والوثائق التي توثق الأحداث المختلفة التي شهدها الشعب الفلسطيني، كما تم توثيق التجربة الفلسطينية خلال حرب غزة 2023، التي أدت إلى تهجير إضافي لمئات الآلاف وقتل عشرات الآلاف، وهي حرب وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها كارثة إنسانية.
يعتبر التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني عاملاً مهماً في دعم حقوقه وإيصال صوته إلى العالم، لذلك يحتاج الفلسطينيون إلى الدعم المستمر من المجتمع الدولي للضغط من أجل تحقيق السلام العادل والشامل، عليه يشكل اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة للمجتمع الدولي لتجديد التزامه بحقوق الفلسطينيين والعمل على إنهاء النزاع.
وتعود أهمية هذا اليوم إلى أنه ليس مجرد يوم رمزي، بل تذكير مستمر بضرورة العمل الجاد من أجل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، ولا ريب أن ذلك اليوم بمثابة دعوة للمجتمع الدولي للتحرك بشكل فعال، من أجل دعم الجهود الرامية إلى تحقيق حل عادل ودائم للنزاع، كما أنه يمثل فرصة لتجديد الالتزام بالعدل والسلام ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله المستمر.
وقد شنت إسرائيل في عام 2023 حرباً مدمرة على غزة أسفرت عن تهجير مئات الآلاف وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وقد صف الأمين العام للأمم المتحدة الوضع بأنه كارثة إنسانية، داعياً المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم الإنساني العاجل للفلسطينيين.
فالقصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي المتكرر لغزة فاقم الوضع الإنساني ويزيد من التحديات التي يواجهها الغزيون الذين يعيشون في ظل ظروف صعبة للغاية، يعانون فيها من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والخدمات الأساسية.
ومازال الشعب الفلسطيني مستمراً في نضاله من أجل حقوقه وتحقيق السلام، رغم ما يواجهه من تحديات يومية جراء الاحتلال والاستيطان والجدار الفاصل، ويتميز النضال الفلسطيني بالإصرار والمثابرة، وهو ما يبرز بشكل جلي في الفعاليات التي تُقام في اليوم الدولي للتضامن.
وتسعى الأمم المتحدة إلى أن تلعب دوراً محورياً في دعم حقوق الشعب الفلسطينيين من خلال قراراتها وأنشطتها المختلفة، بالإضافة إلى ذلك، يساهم المجتمع الدولي من خلال منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية ودعم حقوق الفلسطينيين، لذلك يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مواصلة دعمها للشعب الفلسطيني والعمل نحو تحقيق السلام العادل والشامل.
وتقوم الأمم المتحدة أيضاً بتقديم الدعم الإنساني والإغاثي قدر الإمكان للفلسطينيين من خلال وكالاتها المختلفة، مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث تقدم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في مجالات التعليم والصحة والإغاثة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الأمم المتحدة على تعزيز الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة بهدف تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وهو ما يتطلب تعاوناً دولياً وجهوداً مشتركة لضمان احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة للفلسطينيين.
وتعتبر المقاومة السلمية جزءاً أساسياً من النضال الفلسطيني، حيث يتم تنظيم المظاهرات والاعتصامات والفعاليات الثقافية والفنية في مختلف أنحاء العالم، للتعبير عن التضامن والمطالبة بالحقوق المشروعة، ويسعى الفلسطينيون من خلال هذه الأنشطة إلى إيصال رسالتهم إلى العالم والدعوة إلى تحقيق العدالة والسلام.
من الجدير بالذكر أن قضية اللاجئين تمثل حجر عثرة في أي محاولات للتوصل إلى حل سياسي للصراع، حيث يطالب الفلسطينيون بحق العودة إلى أراضيهم التي هُجّروا منها، وهو حق معترف به في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولكنه يواجه رفضاً مستمراً من الجانب الإسرائيلي.
يعكس اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الأمل والتصميم على تحقيق العدالة والسلام للشعب الفلسطيني، من خلال تضامن دولي ودعم مستمر، حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً ملموساً في تحقيق حل عادل ودائم لهذا النزاع.