يواجه الكويت أزمة تتصاعد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد صدور مرسوم أميري بحل مجلس الأمة للمرة الثانية -خلال عام واحد- وتعليق بعض مواد الدستور الكويتي.
تعتبر هذه الخطوة بمكانة نقطة تحول في السياسة الكويتية، حيث يعتبر حل مجلس وتعليق بعض مواد الدستور حدثا نادرا في تاريخ البلاد السياسي، من حيث تعليق بعض مواد الدستور وهو التعليق الثالث في تاريخ الحياة السياسية في البلاد، إذ سبق أن تم اتخاذ إجراء مشابه -لأول مرة- عام 1976 خلال مدة حكم الشيخ صباح السالم الصباح، ومرة أخرى عام 1986 خلال مدة حكم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.
ويأتي حل البرلمان الكويتي لمرتين خلال 2024، ليصبح الحل الثالث عشر على مدى 60 عاما منذ استقلال الكويت في عام 1962.
ويأتي حل البرلمان الكويتي لمرتين خلال 2024، ليصبح الحل الثالث عشر على مدى 60 عاما منذ استقلال الكويت في عام 1962.
الأسباب والخلفيات التي أدت إلى هذه الأزمة
في يناير 2024، بعد شهر واحد من تولي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح شؤون الحكم، تم تكليف محمد صباح السالم الصباح يوم الخميس 4 يناير 2024 بتشكيل حكومة جديدة، إثر استقالة الحكومة السابقة التي كان يرأسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح في 20 ديسمبر 2023.
تشكلت الحكومة الجديدة برئاسة محمد صباح السالم الصباح يوم الأربعاء 17 يناير 2024، ولكن سرعان ما تفاقمت التوترات بين الحكومة والبرلمان الكويتي، وكان ذلك بسبب رفض أغلبية النواب حينها شطب ما يعتقد أنها إساءة ضمنية صدرت من النائب عبد الكريم الكندري خلال مناقشة الرد على خطاب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح خلال حلفه لليمين الدستوري في 20 ديسمبر 2023، وهو الخطاب الذي تضمن انتقادات حادة لمجلس الأمة والحكومة السابقة، التي كان يترأسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح.
وجاء في كلمة الكندري:
“المادة 108 من الدستور، تنص على أن العضو يمثل الأمة بأسرها، والمادة 110 تقول إن العضو حر في آرائه، وما حدث في الجلسة الماضية، أنك قمت بشطب مداخلتي بالرد على الخطاب الأميري في التلفزيون بداية، ثم قمت بشطبها من المضبطة.”
لينهي كلامه قائلاً:
“منذ 10 سنوات وأنا في كل خطاب أميري أتكلم عن النطق السامي، فأنت أخي الرئيس خالفت نفسك أيضاً في الجلسة الماضية، فالعديد من النواب تحدثوا في أشياء غير الخطاب الأميري، ولم تتعامل معهم بنفس الأسلوب. والله أني لم أقم إلا أن دافعت عن المجلس ونفسي، أمام كلام سمو الأمير القاسي كأب ورديت عليه كابن، ولم أتجاوز، بل تحدثت بإخلاص للأمير، وأكرر أنا لم أخطئ وأترك الشعب يقدر الكلمة، فأنت وضعتني في موضع شبهة، فأنا لم أتجاوز عن والدي ولا الأمير، تحدثت بكلام قيل في قاعة عبد الله السالم، وكنت واضحاً، وما فعلته أخي الرئيس قطعت كلامي وسمحت للوشايات. كلمتي التي حذفتها ليست ملكاً لك أخي الرئيس، بل هي ملك للشعب، أنا صدقت مع الأمير وتكلمت بكل أمانة، لأنني على قناعة أن سمو الأمير يريد أن يسمع، ومن حق الأب أن يقسو علينا، وفي النهاية أترك الرأي للمجلس”
بعدها رفض 44 عضواً من أعضاء المجلس شطب كلمة عضو مجلس الأمة الكندري، بينما وافق 16 عضواً، ليصبح القرار إعادة تصحيح المضبطة وإلغاء الشطب.
في المقابل، رفضت الحكومة حضور جلسات مجلس الأمة رداً على هذا الخلاف.
بعدها أصدر سمو أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مرسوماً أميرياً رقم 16 لسنة 2024، بحل مجلس الأمة، بسبب ما بدر من المجلس من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي، وتعمّد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة، وجاء هذا القرار بعد اطلاعه على الدستور والمادة 107 منه، وبناء على عرض رئيس مجلس الوزراء وموافقة مجلس الوزراء.
تفاصيل المادة 107
تنص المادة 107 من الدستور الكويتي على أنه “في حال حل المجلس، يجب إجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز الشهرين من تاريخ الحل، وإذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة، يسترد المجلس المنحل سلطاته الدستورية كاملة ويجتمع فوراً كما لو لم يكن الحل، ويستمر في أعماله حتى انتخاب المجلس الجديد”.
في 28 فبراير 2024، أصدر الشيخ مشعل الأحمد الصباح مرسوماً يدعو الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة في يوم الخميس 4 أبريل 2024.
وقد قام وزير الداخلية في حكومة الشيخ فهد يوسف سعود الصباح بشطب عدد من المرشحين، لتؤيد بعد ذلك محكمة الاستئناف قرار وزير الداخلية في 24 مارس بشطب عدد من المرشحين المتقدمين للانتخابات، لتصدر محكمة التمييز في 31 مارس حكماً نهائياً بشطب كل من مرزوق الحبيني، أحمد مطيع العازمي، جابر المحيلبي، ومرزوق الخليفة.
ولكن المجلس الجديد لم يحل الأزمة السياسية في الكويت، حيث أسفرت الانتخابات التي جرت في 4 أبريل عن دخول 11 نائباً جديداً إلى البرلمان، وهو تغيير محدود في تشكيله، مما يعتبر مؤشراً على استمرار حالة الجمود السياسي.
وبعد الانتخابات، اعتذر الشيخ محمد صباح السالم الصباح عن تشكيل الحكومة الجديدة، بينما رفضت شخصيات أخرى من أسرة الصباح الحاكمة عن تشكيل الحكومة.
وفي 8 أبريل، أصدر مرسوم أميري بتأجيل اجتماع مجلس الأمة إلى 14 مايو بديلاً عن 17 أبريل، وذلك استناداً إلى المادة 106 من الدستور التي تمنح الأمير صلاحية تأجيل اجتماعات البرلمان لمدة تصل إلى شهر.
وفي 15 إبريل، عين أمير الكويت الشيخ أحمد العبد الله الأحمد الصباح رئيساً جديداً لمجلس الوزراء وطلب منه تشكيل الحكومة الجديدة.
بعدها بدأ النواب الحديثي الانتخاب في التلويح بإجراء استجواب لأعضاء الحكومة المكلفة بتشكيلها قبل إعلانها، في حركة وصفت بأنها غير مألوفة، وقد أثارت تساؤلات الخبراء القانونيين حول دستوريتها، بينما اعتبرتها مصادر سياسية محاولة نيابية للتأثير على تشكيل الحكومة.
لينتهي الأمر بخطاب الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في 10 مايو 2024، يعلن فيه “حل مجلس الأمة”، في برلمان لم يختلف كثيرًا عن البرلمان الذي حُل في فبراير 2024.
وتولى الأمير ومجلس الوزراء مهام مجلس الأمة بموجب الدستور، ووصف الأمير القرار بأنه “إنقاذًا للبلاد”، واتخذ قرارًا بوقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تتجاوز 4 سنوات، لدراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية.
في مقابلة مع “بي بي سي نيوز عربي”، اعتبر الكاتب الكويتي المتخصّص في شؤون مجلس الأمة سالم العجمي، أن عدم التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هو أمر طبيعي في بلد يعتمد الديمقراطية، ومسألة اعتادها الكويتيون، لكن هذا لا يمنع برأيه، من العمل على تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم العملية الانتخابية، وكذلك تنظيم العلاقة بين السلطتين، كي لا يتكرّر هذا الأمر مرة أخرى.
يتمتع البرلمان الكويتي بنفوذ كبير، حيث يُمنح الحق لأعضائه في التشريع ومناقشة المواضيع المهمة، ومناقشة الشؤون المالية والتصويت عليها، إضافة إلى حقه في استجواب الوزراء وتقديم الطلبات للمناقشة أو التحقيق ومعالجة الشكاوى من المواطنين.