spot_imgspot_img
بيتالحوادثجرائم الشرف .. الهروب نحو الفناء

جرائم الشرف .. الهروب نحو الفناء

هزتني إحدى قصص الكاتبة نيكول بوب في كتابها جرائم الشرف في القرن الحادي والعشرين – 2012 عن لقاء أجرته في عام 2002 مع فتاة كردية اسمها روجين لم تكمل عامها العشرين، ولم تنل حظاً كبيراً من التعليم بسبب ظروف الفقر في بلدتها ماردين الواقعة جنوب شرق الأناضول على مقربة من الحدود السورية.

ففي يوم من الأيام تعرضت روجين للاغتصاب داخل بيتها من قبل رجل متزوج من امرأتين ولديه أطفال، أثناء انشغال إخوانها بالزراعة في الحقل.

أخفت الفتاة الواقعة عن الجميع بعد تهدديه لها بأن الدماء ستسيل بين عائلتيهما إن علم أحد بالأمر، لكن مع انتفاخ بطنها بالحمل أضطرت لإخبار اختها الكبرى غير الشقيقة التي تعيش في مدينة أكبر على بعد 40 كيلومتراً، فسارعت بأخذها عندها في بيتها، كي لا يقتلها إخوانها، ثم أخبرتهم وطلبت منهم التعامل مع الأمر بحكمة.

استشاط غضب الإخوة وشعروا بالعار وكادوا أن يقتلونها، رغم أن أختهم لا ذنب لها، لكن الأخت الكبرى أقنعتهم في نهاية المطاف بأن يلجأوا للقضاء، فرفعوا قضية على المغتصب الذي أنكر الواقعة.

ومع ظهور نتيجة فحص الحمض النووي ثبت أنه الأب، فغير أقواله وأدعى أنه لم يغتصبها بل واقعها برضاها، لكن القاضي رفض تغييره لأقواله وحكم عليه بأحد عشر سنة في السجن.

لم تتمكن روجين من احتضان وليدها ولو للحظات، فقد أجبرتها عائلتها على وضعه فوراً في دار للأيتام، كان شغلهم الشاغل أن تتزوج بأسرع ما يمكن من أي رجل بعيداً عنهم.

فوجدوا رجلاً فقيرا كبيراً في السن يعيش قرب الحدود العراقية وأقنعوه بأن يتزوجها، مقابل أن يعطوه مبلغاً من المال.

حرك الجاني قضيته مرة أخرى أمام محكمة الاستئناف، وخرج طليقاً على رجليه بعد عشرين شهراً فقط قضاها في السجن، وبعد تدميره لحياة فتاة في مقتبل العمر لا ذنب لها.

الخبرات الفردية لا تكفي

يمر الإنسان بتجربتين شديتي الخصوصية، لا تتكرران أبداً؛ لحظة ميلاده ولحظة وفاته، ولا يجد المرء بينهما مفراً من التعامل مع آخرين، فلا طعام يُبقيه على قيد الحياة ولا ملبس يستر عوراته ولا جنس يشبع رغباته دون امتثاله للقواعد المالية والقوانين العقابية التي تَوافق عليها المجتمع المحيط حفاظاً على السلم والأمن الاجتماعيين.

فسرقة الطعام أو الملبس لا يمكن للمجتمع غض الطرف عنها، وإلا بات المجتمع كله جائعاً عارياً في ظل انعدام الأمن وتعطل عجلة الإنتاج وإغلاق الأسواق كنتيجة حتمية لانتشار السرقات دون رادع.

وقد فشل الفكر الشيوعي في بناء مجتمعات ناجحة اقتصادياً بسبب احتكار الدولة لمعظم أدوات الإنتاج وعناصره، صاحبه قمع ممنهج لطموحات الأفراد الاقتصادية، وذلك بخلاف الفكر الرأسمالي الذي يؤيد الطموح الفردي والشفافية الاقتصادية وعدم الاحتكار.

لكن لم يتفق الفكران الشيوعي والرأسمالي كما اتفقا في نظرتيهما للاحتياجات الجنسية، فلا ضوابط لها تذكر، بل تكاد العلاقات الجنسية – حتى التي بين المحارم – أن تكون مشاعاً للجميع.

فالمهم من وجهتي النظر الشيوعية والرأسمالية في نهاية المطاف الحفاظ على معدلات إنجاب تتوازن مع معدلات الوفيات، كي لا ينهار نظام التأمينات والتقاعد التكافلي بين الأجيال، بغض النظر عن الزواج من عدمه، وكأن الطفل الوليد منتجاً تقذفه الأرحام على خط الإنتاج، ولا يهم عندهم إن كان هذا “المنتج البيولوجي” مجهول النسب أم لا.

ونتيجة لإباحة الجنس في المجتمعات اللادينية والعلمانية بشرطي الرشد والتراضي فقط، أصبح الزواج مع سهولة إشباع الاحتياجات الجنسية أمراً ثانوياً، وبات تحمل مسؤولية إنجاب الأطفال عبئاً يتهرب منه الكثيرون، مما أدى خلال عقود معدودة إلى تراجع معدلات الإنجاب، تاركة المجتمع يشيخ ديموغرافياً وسكانياً، وهو ما ترتب عليه في نهاية الأمر منزلق اقتصادي بل وجودي خطير يتهدد الجميع، فتراجعت الأيدي العاملة والعقول المفكرة والقوى الشرائية، وباتت نظم التأمينات الصحية والتقاعد المهني مهددة بالانهيار والمجتمع بالانقراض.

في المقابل فرضت المجتمعات العربية والإسلامية المستمدة بنيتها الاجتماعية من الدين قيوداً تنظيمية على إشباع الرغبة الجنسية، فلا بديل للأفراد عن دخولهم إلى مؤسسة الزواج وتحمل تبعاته، وقد تتواجد مع تلك القيود حالات فردية محدودة غير متدينة تمارس تفلتها الجنسي بشكل سري خوفاً من المجتمع، إلا أنها تبقى متقوقعة على معصيتها في الظلام، دون تأثير لها يذكر على نمو المجتمع وحراكه.

بأي ذنب قُتلت

تذكر الكاتبة نيكول بوب في الكتاب نفسه مأساة أخرى لفتاة أخرى.

فبعد أن حُكم بالسجن لثمان سنوات على والدها جراء قتله رجل في شجار على نتيجة لعبة قمار، لم تجد بينار الفتاة الكردية بُداً من أن تترك بلدتها الصغيرة بسمل في جنوب شرق تركيا والانتقال إلى ديار بكر للعمل في مصنع للغزل والنسيج، كي تعيل إخوانها الصغار وتساعد أمها التي تعمل فراشة في مستشفى.

استأجرت بينار غرفة بسيطة مع زميلة لها بالقرب من مكان عملها، وأصبحت في نهاية كل أسبوع تعود إلى أمها وإخوانها الصغار محملة بالهدايا وما تستطيع ادخاره من راتبها البسيط.

خرج الأب بعد ثمان سنوات قضاه في السجن، رفضت الأم استقباله بسبب أخلاقه العنيفة وتعامله الفظ مع الأسرة، لكن تحت ضغط أبيها سمحت له بالعودة.

لم يمض وقت طويل حتى دب الخلاف بين الزوجين، فطردت المرأة زوجها بعد أن رفع السكين عليها في إحدى شجاراته، وانتقل للعيش في مدينة أخرى عند أقاربه.

تبادرت الشائعات المسيئة للأب عن سلوك ابنته، فقرر قطع الألسنة بقتلها دون بينة، بل أقنع ابنه المراهق ذي الخمسة عشر عامًا أن يساعده على تنفيذ الجريمة، وأعطاه مبلغاً من المال ليأخذ الحافلة إلى ديار بكر حيث تعمل أخته.

وأثناء عبورها الطريق في اتجاه أحد المخابز، فتح الأب والابن النار من مسدسيهما على الفتاة، لتلقى مصرعها في الحال، انهار الأخ من مشهد اخته المضرجة في دمائها على الأسفلت، وقُبض عليه مباشرة، بينما فر الأب إلى مدينة أخرى بعيدة، ثم ألقي القبض عليه بعد ثمانية عشر شهراً، ليحكم على الابن بالسجن لمدة ثمان سنوات وعلى الأب بعشرين عاماً.

وصل الخبر إلى الأم التي فجعت في ابنتها الحانية وفي ابنها الذي قتلها، لتفقد بذلك ابنتها وابنها معاً.

وبعد ثلاث سنوات ونصف خرج الابن من السجن، لكنه لم يعد أبداً إلى بيت العائلة وبدأ حياة أخرى تعتصرها مرارة الندم على أخت لن يعيدها تأنيب الضمير، أم الأب فقد أطلق سراحه بعد ست سنوات.

لا يعرف على وجه التحديد كم كان عمر بينار يوم فارقت الحياة، فعادة أهل بلدتها أن لا يستخرجوا مباشرة شهادات الميلاد بعد الولادة، وربما مر عام أو عامان قبل استخراجها، لكن تقرير الطبيب الشرعي أكد أنها ماتت عذراء لم تجاوز العشرين عاماً.

جرائم الشرف

يُعرِّف موقع الأمم المتحدة جرائم الشرف بأنها “أعمال العنف، عادة القتل، التي يرتكبها أفراد الأسرة من الذكور ضد أفراد الأسرة من الإناث، باعتبارهن قد جلبن العار إلى الأسرة، قد تكون المرأة مستهدفة من قبل أفراد عائلتها لمجموعة متنوعة من الأسباب، عندما تخطو خارج دورها الاجتماعي المقرر لها، بما في ذلك رفض الدخول في زواج مرتب، كونها ضحية لاعتداء جنسي، سعيها للحصول على الطلاق – ولوكان من زوج عنيف – كونها ارتكبت الزنا أو حتى عند الشك بسلوك شائن، و بذلك، فان مجرد التصور أن المرأة قد تصرفت بطريقة “تخزي” أسرتها يكفي للتعرض لحياتها”.

جرائم الشرف بين الشرع الإسلامي والقوانين العربية

ترتفع معدلات جرائم الشرف في الهند وباكستان وبعض دول أمريكا اللاتينية وتركيا، أما عربياً فمعدلاتها مرتفعة في الجزائر والمغرب والأردن.

نسبة المستجيبين العرب الذين يعتقدون أن “جرائم الشرف” مقبولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) اعتباراً من عام 2019.

تعتبر عقوبات القوانين الوضعية المخففة والمخالفة للشريعة الإسلامية في كثير من الدول العربية المتعلقة بجرائم الشرف سبباً رئيساً في عدم قدرتها على الردع، فالنظرة الذكورية القبلية للمرأة على أنها جزء من شرف الرجل تستوجب قتلها لسوء سلوكها تخالف صريح الإسلام الذي لا يسمح أبداً بقتل الزانية من قبل زوجها أو أهلها، ناهيك عمن تقوم بمخالفات شرعية أقل من الزنا، كما أن الإسلام لا يسمح للأفراد بتخطي السلطة القضائية والتنفيذية في إصدار الأحكام وتنفيذها.

بعض القوانين الوضعية لجرائم الشرف في العالم العربي

يخالف قانون العقوبات المصري أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بجريمة الزنا من حيث العقوبة ومن حيث عدم المساوة في عقوبتي الزاني والزانية، ومن حيث عقوبة جريمة الشرف، فتنص المادة 237 من قانون العقوبات المصري على أن “من فاجأ زوجته حال تلبّسها بالزنا وقتلها في الحال ومن يزني بها فإنه يعاقب بالحبس” بدلا من العقوبات المشددة المقررة في المواد المتعلقة بالقتل العمد.

وتنص المادة 273 على أنه: “لا تجوز محاكمة الزانية الا بناء على دعوى زوجها”، كما تنص المادة 274 على أن “المرأه المتزوجة التى يثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين لكن لزوجها أن يُقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت”، وتنص المادة 277 على أن “كل زوج زنى فى منزل الزوجية وثبت عليه هذا الامر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر”.

مما يعني أن جريمة الزنا لا تقبل إلا بدعوى من الزوج أو الزوجة على الطرف الآخر، ولا يعتد بزنا الرجل إذا وقع خارج منزل الزوجية، بينما المرأة يمكن أن تتهم بالزنى إذا وقع منها داخل منزل الزوجية أو خارجه.

أما قانون العقوبات الأردني فيخالف أيضاً أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بجريمة الزنا من حيث العقوبة ومن حيث عدم المساوة بين عقوبتي الزاني والزانية، ومن حيث عقوبة جريمة الشرف.

تنص مادته 282 على أن “يعاقب الزاني والزانية برضاهما بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات، ولا تنقص العقوبة عن الحبس لمدة سنتين بالنسبة للزاني المتزوج او الزانية المتزوجة، وتكون عقوبة الزاني والزانية الحبس لمدة ثلاث سنوات اذا تم فعل الزنا في بيت الزوجية لأي منهما”.

وقد وافق مجلس النواب الأردني، على قرار اللجنة القانونية بتخفيض عقوبة الزاني والزانية برضاهما من سنة الى ثلاث سنوات لتصبح من ستة اشهر الى سنتين، كما وافق على تخفيض عقوبة الحبس بالنسبة للزاني المتزوج والزانية المتزوجة من سنتين لمدة لا تقل عن سنة، وتخفيض عقوبة الزاني والزانية اذا تم فعل الزنى في بيت الزوجية لأي منهما من ثلاث سنوات الى سنتين.

أما المادة من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 التي يستفيد منها مرتكبو جرائم الشرف بتخفيف العقوبة في الأردن فهي المادة 98 التي تنص على أنه “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محقق وعلى جانب من الخطورة اتاه المجني عليه، لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف المنصوص عليه في الفقرة (1) من هذه المادة إذا وقع الفعل على أنثى خارج نطاق أحكام المادة (340) من هذا القانون”.

حيث تنص على أنه “يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته حال تلبسها بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معا أو اعتدى على أحدهما أو كليهما اعتداء أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت، ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معا أو اعتدت على أحدهما أو كليهما اعتداء أفضى إلى جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة أو موت، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي بحق من يستفيد من هذا العذر، كما لا تطبق على من يستفيد من العذر المخفف أحكام الظروف المشددة”.

وثائقي يعرض أخ قتل أخته التي تعرضت للاغتصاب في الأردن بأربع رصاصات في الرأس بعد توقيع الأب على عدم إيذائها

أما نظام الإجراءات الجزائية ولوائحه التنفيذية السعودي فيطابق الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بجريمة الزنا من حيث العقوبة ومن حيث المساواة بين الرجل والمرأة، ومن حيث عقوبة جريمة الشرف، فمثلا تنص المادة 165 منه على أنه “لا يجوز ربط المنفذ فيه عقوبة ولا الإمساك به وقت تنفيذ حد الزنا أو المسكر؛ إذا ثبت الحد بالإقرار. فإن عدل عن إقراره، أو هرب، وجب وقف إجراءات التنفيذ، وعرض الأوراق على المحكمة التي أصدرت الحكم لتقرير ما تراه”.

بعشيقة

لم تنتهي قصص جرائم الشرف التي ذكرتها الكاتبة نيكول بوب في كتابها، ففي عام 2007 شهدت مدينة بعشيقة التابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى شمال العراق مأساة الفتاة دعاء خليل أسود ذات السبعة عشر عاماً المنتمية للديانة الايزيدية.

تم خداع دعاء من قبل عمها كي تخرج من منزل احتمت به، ثم سرعان ما نُقِلت إلى أطراف المدينة كي يتم رجمها من قبل حوالي 2000 شخص غاضب كانوا ينتظرون هذه اللحظة بما فيهم بعض أقاربها، لم تُفلِح صرخات الفتاة واستغاثتها من إيقاف عملية الرجم المحموم الذي استمر لأكثر من نصف ساعة صورتها الهواتف النقالة التي كانت في أيد بعضهم.

ليأتي أحدهم في النهاية ويلقي فوق رأسها كتلة خرسانية لفظت معها أنفاسها الأخيرة، وليُلقى بالجثمان في مكب للحيوانات النافقة، أظهر تقرير الطب الشرعي للجثمان أن الفتاة ماتت عذراء.

بعد عام من وفاتها، اشتكى والدها للجهات الرسمية من عدم توجيه اتهمات لأحد، رغم أن ابنته لم ترتكب أي ذنب، كل ما في الأمر أنها وقعت في غرام شاب مسلم كان يرغب في الزواج بها، لم يستطع الأب حمايتها بعد تلقيه تهديدات من أخيه ومن القبيلة بأنهم سيقتلونهم جميعاً إن وقف ضدهم.

تبث CNN أجزاء من رجم دعاء خليل أسود

الإسلام بريء من جرائم الشرف

سن الشرع ضوابط صارمة تكاد تكون مستحيلة التحقق على أرض الواقع لإثبات جريمة الزنا، بحيث لا يمكن معها غالباً إدانة إلا المجاهر أو المعترف على نفسه طواعية.

يبدو أن الهدف الحقيقي من حد الزنا في الإسلام ليس منعه رغم تحريمه الشديد، وإنما فقط منع المجاهرة به كي لا ينتشر في المجتمع ويزلزل أركان الأسرة، أما من يقترفونه سراً في الخفاء، فلا تأثير ضار لهم على المجتمع يستدعي مطاردتهم أو التجسس عليهم، لذلك آثر الإسلام ترك المجال أمامهم لعلهم يندمون أو يتوبون فيعودون للسلوك القويم ولو بعد حين.

وجريمة القتل في الإسلام من أشد الكبائر التي يعاقب عليها بالقصاص في الدنيا، يقول الله تعالى في سورة النساء: “وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا”، إلا إذا تاب أو أقيم عليه حد القتل عند جمهور العلماء.

ومنهم ابن القيم في كتابه مدارج السالكين، الذي يقول فيه: “الصواب -والله أعلم- أن يقال: إذا تاب القاتل من حق الله، وسلم نفسه طوعا إلى الوارث ليستوفي منه حق موروثه سقط عنه الحقان، وبقي حق الموروث لا يضيعه الله، ويجعل من تمام مغفرته للقاتل تعويض المقتول؛ لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله، والتوبة النصوح تهدم ما قبلها، فيعوض هذا عن مظلمته، ولا يعاقب هذا لكمال توبته”.

وعن عبادة بن الصامت قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه”.

ولا سند لجرائم الشرف في الإسلام، حتى في حالة ثبوت ارتكاب امرأة لجريمة الزنا، فلا يتحمل أحد من أقاربها المسؤولية عما فعلت، قال تعالى في سورة الزمر “…وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ…”.

بل لا يجوز شرعاً للزوج قتل زوجته المتلبسة بالزنا، ويعاقب بالإعدام إن قتلها أو قتل من تزني معه.

ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ: “قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: يا رَسولَ اللهِ، لو وَجَدْتُ مع أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حتَّى آتِيَ بأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: نَعَمْ، قالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، إنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بالسَّيْفِ قَبْلَ ذلكَ، قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: اسْمَعُوا إلى ما يقولُ سَيِّدُكُمْ، إنَّه لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ منه، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي”.

وقد ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد (5 / 362) هذه المسألة قائلاً: “دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا فِي دَارِهِ ، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ حَرِيمِهِ : قُتِلَ فِيهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، إِذْ لَوْ قُبِلَ قَوْلُهُ : لَأُهْدِرَتِ الدِّمَاءُ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ قَتْلَ رَجُلٍ أَدْخَلَهُ دَارَهُ ، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ”

فالزوج الذي يضبط زوجته متلبسة بجريمة الزنا أباح له الإسلام اللعان أمام القاضي، إن لم يكن معه على الواقعة أربعة شهود مسلمين عدول من الرجال، فإن أنكرت الزوجة هذا الاتهام، فرق القاضي بينهما تفريقاً أبدياً ونُفي نسب الطفل عن الزوج وإلحاق بأمه إن تبين أنها حامل، ولا توقع أي عقوبة دنيوية على الزوجة، لتحل اللعنة في الأخرة على الطرف الكاذب منهما.

قال تعالى في سورة النور “وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ * وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ * وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ * وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ”

قتل الزوج لعشيق زوجتـه إذا ضبطهما متلبسين بالزنا ؟الشيخ مصطفى العدوي

الشرف والقتل لا يجتمعان

عادة ما يرتبط المساس بشرف الإنسان أو كرامته في كثير من المجتمعات بردة فعل عنيفة منه قد تصل إلى القتل، لكن لماذا يرتبط مفهوم الشرف في بعض المجتمعات بسلوك قريبات الرجل من النساء؟ بينما في مجتمعات أخرى مثل اليابان يرتبط الشرف بتحمل الرجل لمسؤولياته وتأديتها؟

ينتحر الساموراي ببقر بطنه بالسيف إذا أوشك على السقوط أسيراً في يد العدو أو تعرض للهزيمة، وهو ما نرى له امتدادا في انتحار بعض مدراء الشركات اليابنيين إن هم فشلوا في إدارة مؤسساتهم أو عرضوها للخسائر، كما ينتحر بعض الأطفال للأسف إذا تعرضوا للتنمر من قبل أقرانهم.

إن القتل بسبب المساس الوهمي أو الحقيقي بالكرامة ليس حلاً، بل هروباً نحو فناء لا مبرر له

Ahmad Okbelbab
Ahmad Okbelbab
Since 2005, Ahmad has been teaching video editing and graphic design both online and in-person for leading entities such as Al Jazeera Media Network, Deutsche Welle Academy, and Al Faisaliah Group, gaining deep experience in e-learning content development, using Canvas LMS, and multimedia production with tools like Camtasia, Adobe Suite, and Final Cut Pro. His role since 2016 as an audiovisual translator at Al Jazeera, working between Arabic, English, and German, has built on his background in storytelling and video editing. Academically, Ahmad holds a BA in Mass Communications from Cairo University (2004), a Diploma in Filmmaking from New York Film Academy (2009), and has pursued Master Courses in Audiovisual Translation at Hamad Bin Khalifa University (2018), endorsed by the University of Geneva.
مقالات ذات صلة

2 تعليقات

  1. […] وهو ما قد نراه أيضاً في الطائفة الدرزية، وما نجده بصرامة أشد تمنع الزواج المختلط لدرجة قد تصل إلى حد القتل في الإيزيديين في العراق وتركيا، كما ذكرت جانباً من ذلك في قصة فتاة بلدة بعشيقة العراقية في مقالي جرائم الشرف .. الهروب نحو الفناء. […]

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية