عندما تسافر للبحث عن عمل ستكون نظرة النساء إليك في هذا البلد نظرة دونية، لأنك ضمنياً تُقر بأن وضعك وربما بلدك في موقف مادي أضعف، والمرأة بطبيعتها لا ترتبط في الغالب بمن هو أقل منها مادياً، فإذا أضفت لذلك نظرة عرقية أو دينية متحيزة ضدك، فأعلم أنك لا محالة وقعت في مصيدة الحصار الجنسي، ولا مفر من البحث عن شريكة حياة تنتمي لموطنك الأصلي، وهو ما يتعذر عادة جداً في الغربة.
إبرة الأنوثة وقش الغربة
عالمياً تعتبر النساء المغتربات أقل عدداً من نظرائهن من الرجال المغتربين، وتحديداً العازبات منهن أقل القليل، ففرص العمل المتاحة في الغربة تشترط غالباً أن يكون المرشحين لها من الذكور، باستثناء بعض الوظائف في القطاع الصحي أو الضيافة أو الخدمات المنزلية.
ففي مقال لأليكسا بروكسوك على موقع لينكد إن ذكرت أنه وفقاً لمسح الهجرة العالمي لعام 2022 الذي أجرته شركة ميرسر، تشكل المرأة 23% فقط من القوى العاملة المغتربة، بل إن 60% من النساء المهاجرات مع أزواجهن بسبب عملهم يصبحن عاطلات عن العمل بعد الانتقال، مما يعطل مسيرتهن المهنية في كثير من الأحيان.
هذه النسبة القليلة من النساء المغتربات للعمل تجعل فرصة عثور المغترب على عروس في بلد الغربة أمراً بالغ الصعوبة، كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، مما ينعكس على خيارات المغتربين من الذكور بتقليل سقف التوقعات والشروط إلى الحدود الدنيا، فالإجازة السنوية التي يزور فيها المغترب بلده لفترة محدودة لا تسمح له عادة بالعثور على فتاة الأحلام، وإن وجدها عبر ترشيحات الأهل أو الأصدقاء أو مواقع التعارف بين الجنسين لا يسمح له غالباً الوقت المتبقي بالتعارف الكافي لأخذ قرار الزواج.
وإن تم الزواج يبقى لدى الشاب المغترب هاجس الطمع المادي فيه مقلقاً.
سقف التوقعات المنخفض للزواج في الغربة
هناك من الشباب المغترب من يبحث في الغربة عن نساء مغتربات مثله، ونظراً لندرتهن قد يَقبل في نهاية المطاف أن يرتبط بامرأة مغتربة من جنسية أخرى لا يوجد أي تقارب ثقافي أو عمري معها، بل يقبل حتى بالزواج ممن لا يؤمن بدينها.
وقد قابلت شاباً عربياً مغترباً، يعمل كنجار في إحدى دول الخليج، تعرف على ممرضة أسيوية أثناء مراجعته للمستشفى إثر إصابته أثناء العمل، ثم تزوجها دون أن يخبر أهله في بلده الأصلي، نظراً لأن دخله المحدود لا يسمح له باستقدام زوجته الأولى، وقد اتفق مع زوجته الأسيوية على أنه لا يستطيع توفير منزل زوجية يجمعهما بسبب دخليهما المحدود، مكتفَين بلقاءات أسبوعية عابرة يتم ترتيبها في غرفته بعد صرف شركائه في السكن، وهو ما كان يحسده عليه زملاؤه من الحرفيين البسطاء الذين لم يتمكنوا من توفير فرصة مشابهة.
الحصار الجنسي الطوعي
تفرض بعض المجتمعات حصاراً جنسياً طوعياً على نفسها حفاظاً على نقاء العرق أو الهوية، فنجد في الأردن مثلاً الشركس لا يتزاوجون إلا من أنفسهم، وقد تعرفت في قطر على جار شركسي من الأردن لم أكن أميزه من لهجته الأردنية عن بقية الأردنيين، نذهب معاً أحياناً لصلاة الجمعة كأي جارين متقاربين، ويدعوني أنا وأسرتي على أكلة المنسف الشهيرة، لكنني لاحظت أن كل أصدقائه المقربين وزوجته يشكلون معاً تجمعاً شركسياً متمسكاً بتقاليده حتى في غربة امتدت لأكثر من عشرين عاماً.
وهو ما قد نراه أيضاً في الطائفة الدرزية، وما نجده بصرامة أشد تمنع الزواج المختلط لدرجة قد تصل إلى حد القتل في الإيزيديين في العراق وتركيا، كما ذكرت جانباً من ذلك في قصة فتاة بلدة بعشيقة العراقية في مقالي جرائم الشرف .. الهروب نحو الفناء.
الزواج وحق التوطين
يسمح قانون التجنيس في ألمانيا لمن هو متزوج من مواطن ألماني بأن يحصل على الجنسية الألمانية وفقاً للشروط التالية: أن يكون الزواج قد تم تسجيله بشكل قانوني وصحيح ضمن الدائرة القانونية الألمانية، على أن تكون العلاقة الزوجية قائمة في وقت التجنيس، كما يجب أن يكون مر على الزواج مدة لا تقل عن سنتين، وأن يكون الطرف الألماني من الزوجين حاملاً للجنسية الألمانية منذ سنتين على الأقل، وأن يجتمع الزوجان في ألمانيا بشكل رئيسي لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وأن تُستوفى شروط التجنيس للأجانب الذين لهم حق التجنيس.
أما في دول الخليج فلا يوجد تشريع يسمح بمنح الجنسية للأجنبي المتزوج من مواطنة خليجية.
لكن المواطن الخليجي المتزوج من أجنبية يمكنه مساعدتها على التقديم للحصول على الجنسية.
فوفقاً للقانون للقانون رقم (21) لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الأجانب يحق للمرأة المتزوجة من قطري أن تتقدم للحصول على الجنسية القطرية وفقاً للمادة (8) من القانون نفسه التي تنص على أن “المرأة التي تتزوج من قطرى، وفقاً لأحكام القانون رقم (21) لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الأجانب، تصبح قطرية إذا أعلنت وزير الداخلية رغبتها كتابة في كسب الجنسية القطرية، واستمرت العلاقة الزوجية قائمة مدة خمس سنوات من تاريخ الإعلان، وإذا انتهت العلاقة الزوجية بسبب الطلاق أو وفاة الزوج قبل انقضاء المدة المذكورة، وكان للمرأة من زوجها ولد أو أكثر، جاز منحها الجنسية القطرية، إذا استمرت إقامتها في قطر حتى اكتمال هذه المدة، ويصدر بمنحها الجنسية قرار أميري، ويجوز لوزير الداخلية بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، وقبل فوات المدة المشار إليها، أن يصدر قراراً بتأجيل دخول الزوجة في الجنسية القطرية لمدة سنة قابلة للتمديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة”.
ويظهر بين الحين والآخر جدل مجتمعي تتناقله منصات التواصل الاجتماعي حول عدم أحقية المرأة الخليجية في منح أبنائها جنسيتها، ورغم حصول أبناء الخليجية على إقامة في بلد والدتهم أثناء وجودها، إلا أن البعض يتحفظ على منح أبنائها جنسيتها، لأن الأبناء يحملون اسم الأب لا الأم، وتطالب هذه الأصوات الأم الخليجية بقبول هذا الوضع لأنها عندما تزوجت من أجنبي كانت من البداية على علم بهذه التشريعات، ولم يجبرها أحد على الزواج من أجنبي.
جنسية أطفال الزواج المختلط خليجياً
ينقل تلقائيا الأب الخليجي جنسيته لأبنائه، لكن في المقابل لا تنقل الأم الخليجية جنسيتها لأبنائها، مما يعرض الطفل لصراع هوية يلازمه مدى الحياة، فتصبح ذكريات الطفولة عبئاً نفسياً، كونها لا تشفع له أن يكون مواطناً طبيعياً.
وقد وضح قانون رقم (38) لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية على تعريف القطري في البند الأول من المادة (1) بقوله “القطريون أساساً هم: المتوطنون في قطر قبل عام 1930 ميلادية وحافظوا على إقامتهم العادية فيها، واحتفظوا بجنسيتهم القطرية حتى تاريخ العمل بالقانون رقم (2) لسنة 1961 المشار إليه” وأضافت المادة نفسها أن القطري كذلك هو “من ثبت أنه من أصول قطرية، ولو لم تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في البند السابق، وصدر باعتباره كذلك قرار أميري” إضافة إلى “من ردت إليهم الجنسية القطرية طبقاً لأحكام القانون” وأن الأب القطري ينقل جنسيته إلى أبنائه تلقائياً وذلك كما في الفقرة التالية من المادة نفسها “من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري بموجب البنود السابقة”.
شروط الموافقة على الزواج المختلط خليجياً
يواجه معظم الخليجيين رجالاً ونساءً شروطاً قانونية في حالة رغبتهم في الزواج من جنسية لا تنتمي لدول مجلس تعاون الخليج العربية، فهم يحتاجون في معظم تلك الدول لتصريح بهذا الزواج، وهو ما قد يمتد لبضعة سنوات، مما يجعل البعض يتحايل على القانون ويعقد خارج بلده، ثم يبرز عقد الزواج الأجنبي أمام السلطات المحلية للموافقة عليه فيما بعد، وهو ما قد يطول أو يقصر حسب كل حالة.
وينص قانون رقم (21) لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الأجانب في قطر في مادته (2) على أنه “يجوز للقطري – الذي لا ينتمي إلى إحدى الفئات المبينة في المادة (1) من هـذا القانون – وبعد موافقة وزير الداخلية، الزواج من أجنبية وذلك بمراعاة الشروط الآتية: أولاً بالنسبة للقطري طالب الزواج من الأجنبية: أن تكون هناك أسباب اجتماعية تدعو إلى ذلك الزواج، أن يكون فارق السن بين الزوجين مناسباً، أن يكون خالياً من الأمراض المانعة من الزواج، ألا تكون في عصمته أكثر من زوجة واحدة، وألا يكون قد سبق له تطليق أكثر من زوجة واحدة، ألا يكون قد صدر ضده حكم بعقوبة مقيدة للحرية في جناية، أو في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة، أن يكون قادراً مالياً على إعالة الأسرة. ثانياً: بالنسبة للأجنبية المرشحة للزواج من قطري: أن تكون خالية من الأمراض المانعة من الزواج، ألا يكون قد صدر ضدها حكم بعقوبة مقيدة للحرية في جناية، أو في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة، ألا تكون من المدرجين بقوائم الممنوعين من دخول البلاد”.
وقد استثنت المادة 3 التي عدلت بموجب قانون 11/1994 على أنه ” لا تطبق الشروط المنصوص عليها في البند (أولاً) من المادة (2) من هذا القانون ، في الحالات الآتية: إذا كانت المرشحة للزواج تنتمي بجنسيتها إلى إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إذا كانت المرشحة للزواج ابنة عم أو خال أو عمة أو خالة القطري الراغب في زواجها، إذا كانت المرشحة للزواج قد ولدت لأم قطرية”.
أما بالنسبة للمرأة القطرية فقد أجاز لها القانون الزواج من أجنبي وفقاً للمادة (4) التي تنص على “يجوز للقطرية – التي لا تنتمي إلى إحدى الفئات المبينة في المادة (1) من هذا القانون – وبعد موافقة وزير الداخلية، الزواج من أجنبي إذا كانت هناك أسباب اجتماعية تدعو إلى ذلك الزواج، وفي هذه الحالة، يجب أن يأذن الولي الشرعي بهذا الزواج وأن تتوافر في الأجنبي المرشح للزواج الشروط الآتية: أن يكون خالياً من الأمراض المانعة من الزواج، ألا يكون قد صدر ضده حكم جنائي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية، أو في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة، ألا يكون من المدرجين في قوائم الممنوعين من دخول البلاد، أن يكون قادراً مالياً على إعالة الأسرة”.
ومن يخالف هذا القانون يتعرض للإجراءات التالية المذكورة في المادة (7) من القانون نفسه التي تنص على أنه “لا يعتد، في تطبيق أحكام هذا القانون، بعقد الزواج الذي يتم- بعد العمل به- مخالفاً لإحكامه، ولا يجوز توثيقه، مع ما يترتب على ذلك من أثار قانونية، وإذا كان المخالف من المنتمين إلى فئة من الفئات الثلاث الأولى المنصوص عليها في المادة (1) من هذا القانون، فتتولى السلطة المختصة اتخاذ ما يلزم قانوناً نحو إعفائه من منصبه أو إنهاء خدمته أو نقله إلى وظيفة أخرى بحسب الأحوال، وذلك مع عدم الإخلال بما تقرر القوانين والنظم السارية من الإجراءات التأديبية في هذا الشأن. وإذا كان المخالف طالباً في بعثة دراسية، فيلغى قرار إيفاده مع إلزامه برد جميع النفقات والمرتبات التي تكون قد صرفت له، وفي جميع الأحوال يحرم المخالف من الانتفاع بأحكام كل من القانون رقم (1) لسنة 1964 والمرسوم رقم (7) لسنة 1977 المشار إليهما”.
أعرف صديقاً خليجياً تعرف على مغتربة أمريكية كانت تعمل في بلده، ثم تزوجها في الولايات المتحدة، وعندما عادا معاً ومعهما أطفالهما الثلاثة إلى بلده لم يُصدق رسمياً على زواجه إلا بعد سبع سنوات في تزامن غير مخطط له مع دخول أطفاله إلى المدرسة، ولكن رغم عدم صدور الموافقة الفورية على زواجه حصل أطفاله مباشرة على إقامة في بلد أبيهم.
لكن لسلطنة عمان رأي آخر سمحت فيه مؤخراً بزواج مواطنيها من جنسيات غير خليجية دون الحاجة لموافقة رسمية من الدولة، وذلك وفقاً للمرسوم السلطاني رقم 23 / 2023 في شأن زواج العمانيين من أجانب حيث ألغت مادته الأولى المرسوم السلطاني رقم 58 / 93، وأضاف في مادته الثانية أنه “يجب ألا تخل أحكام هذا المرسوم بأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام، أو بأي حكم في القوانين والمراسيم السلطانية والنظم المعمول بها يقضي بعدم الزواج من أجنبي كشرط لتولي بعض الوظائف العامة ذات الأهمية أو الطبيعة الخاصة والاستمرار فيها”.
الوطن فعل ماضي
يمنحك أجدادك في معظم الدول حق المطالبة بالجنسية، لكن أحفادك من جنسية أخرى لا يحق لهم دعمك نحو الهدف نفسه!
رغم أن الأجداد ماض ولى، والأحفاد مستقبل أهلَ.