مع كل دورة تدورها الأرض حول نفسها، ومع كل ثانية تشرق الشمس فيها أو تغرب هنا أو هناك، يُطحن ملايين النازحين مع قصصهم الحزينة.
يتناول مقال نشرته منظمة العفو الدولية على موقعها قصة عمر، اللاجئ السوري الذي يبلغ من العمر 12 عاماً وتقطعت به السبل في السويد، بينما كانت عائلته تحاول الفرار من سوريا، يسلط المقال الضوء على تحديات لم شمل عائلات اللاجئين وأهمية هذا الحق، القصة تبرز الصعوبات العاطفية والبيروقراطية التي تواجهها العائلات اللاجئة، وتنتقد السياسات التي تؤخر لم الشمل، مؤكدة على دوره الحيوي في مساعدة اللاجئين على الاندماج وتحسين صحتهم النفسية.
مصطلحات النزوح:
ويصنف موقع الأمم المتحدة النازحين قسرياً إلى خمس فئات؛ اللاجئين، وطالبي اللجوء، والنازحين داخلياً، وعديمي الجنسية، والعائدين.
فاللاجئون هم الأشخاص الذين يُجبرون على مغادرة بلادهم لحماية حرياتهم أو إنقاذ حياتهم، لأنهم لا يحصلون على حماية دولتهم، بل غالباً ما تكون حكومتهم هي مصدر التهديد والاضطهاد، وإذا لم يُسمح لهم بدخول بلدان أخرى ولم يُمنحوا الحماية والمساعدة عند دخولهم، تكون تلك البلدان قد حكمت عليهم بالموت أو بحياة لا تحتمل، بدون مصادر لكسب الرزق، وبدون أي حقوق.
أما طالبو اللجوء فهم أشخاص يدّعون أنهم لاجئون، إلا أن طلبهم لم يتم تقييمه أو البت فيه بشكل نهائي بعد، وتُتيح أنظمة اللجوء الوطنية تحديد من يستحق الحماية الدولية من بين طالبي اللجوء، أما من يثبت من خلال الإجراءات المناسبة أنهم ليسوا لاجئين أو لا يحتاجون لأي شكل آخر من أشكال الحماية الدولية، فيمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وغالباً ما يتم الخلط بين مصطلحي طالب اللجوء واللاجئ.
من جانب آخر يعتبر النازحون داخلياً أفرادآً أو مجموعات أُجبروا أو اضطروا للفرار من منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة دون عبور حدود دولية معترف بها، وذلك لتجنب آثار صراع مسلح، أو حالات عنف متفش، أو انتهاكات لحقوق الإنسان، أو كوارث طبيعية، أو كوارث من صنع البشر، ويحتفظ النازحون بكافة حقوقهم كمواطنين، بما في ذلك الحق في الحماية، وفقاً لقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وغالباً ما يُطلق على الأشخاص النازحين داخلياً بشكل خاطئ تسمية “لاجئون”.
بينما عديمو الجنسية هم الأشخاص الذين لا تعترف بهم أي دولة كمواطنين، وعلى الرغم من أن عديمي الجنسية قد يكونون في بعض الأحيان لاجئين، إلا أن هناك فرقاً بين الفئتين، ويمكن أن ينشأ انعدام الجنسية لأسباب متعددة، بما في ذلك التمييز ضد الأقليات في قوانين الجنسية، وعدم شمول جميع السكان المقيمين.
وأخيراً العائدون هم الأشخاص الذين كانوا لاجئين في السابق وقرروا العودة إلى ديارهم بشكل طوعي وآمن، وذلك بعد أن أجبروا على مغادرتها. هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى دعم مستمر لإعادة اندماجهم وضمان توفير بيئة تساعدهم على بناء حياة جديدة في وطنهم الأصلي.
وفي حوار أجرته مجلة قول فصل مع عمرو الشرقاوي الذي ذهب لفنلندا عام 2017 كمتدرب عملي لاستيفاء أحد متطلبات نيل درجة الماجستير في التكامل المناطقي والاندماج الإقليمي، قابل أثناءها عدداً من طالبي اللجوء في هذا البلد، قال إن “الصعوبات الجمة التي يواجهها طالبو اللجوء، ومنها التأخر في الحصول على حق اللجوء، ومن ثم الإقامة الدائمة، حيث يكون الانتقال مقيداً في المكان المخصص لهم، ولا يحق لهم العمل قبل الحصول على حق اللجوء بشكل رسمي”.
وأضاف الباحث أن سبب هذا التأخر يرجع إلى “التشدد في إجراءات التحقق من مصداقية قضية طالب اللجوء، إضافة إلى البيروقراطية الإدارية”.
كما لم يغفل الباحث الجانب النفسي الذي يعايشه طالب اللجوء، فشعوره بأنه معلق لفترة طويلة من الزمن يُفقده تدريجياً الحماس والرغبة في تطوير الذات، ويدخل في شبه بيات شتوي بلا طموح أو خطط أو آمال.
إحصائيات
نشر موقع المفوضية السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريراً في عام 2023 يشير إلى أن عدد النازحين قسراً حول العالم 117.3 مليون شخص نتيجة الاضطهاد والنزاعات واضطرابات النظام العام، وركز التقرير على خمس دول مصدرة لطالبي اللجوء، وهي؛ أفغانستان: 6.4 مليون، وسوريا: 6.4 مليون، وفنزويلا: 6.1 مليون، وأوكرانيا: 6.0 مليون، وجنوب السودان: 2.3 مليون.
وبشكل عام كما سلط التقرير الضوء على أن 43.4 مليون من النازحين يصنفون كلاجئين، وأن 31.6 مليون يندرجون تحت ولاية المفوضية، وأن 5.8 مليون بحاجة إلى حماية دولية، كما أشار التقرير إلى وجود 6 ملايين لاجئ فلسطيني تحت ولاية الأونروا.
اتفاقية الأمم المتحدة
تنص اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 على أن “كل من وجد خارج بلده بسبب خوف مبرر من الاضطهاد بناءً على عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في حماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف”.
وقد قدمت المفوضية الحماية والمساعدة لملايين اللاجئين، ووجدت حلولاً دائمة للكثير منهم. وقد أصبحت أنماط الهجرة العالمية أكثر تعقيداً في العصر الحديث، إذ تشمل الآن أيضاً الملايين من المهاجرين لأسباب اقتصادية، ولكن مع ذلك، هناك فرق جوهري بين اللاجئين والمهاجرين، حتى وإن كانوا يستخدمون نفس وسائل السفر، ويجب معاملتهم بشكل مختلف بموجب القانون الدولي الحديث.
ويختار المهاجرون، خصوصاً الاقتصاديون منهم، مغادرة ديارهم لتحسين مستقبلهم ومستقبل أسرهم، بينما يُجبر اللاجئون على المغادرة لإنقاذ حياتهم أو حريتهم، وغالباً ما تكون حكوماتهم هي مصدر هذا الاضطهاد.
أما الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية فهي “منع الطرد إلا وفقاً لقرار قضائي مع حق اللاجئين في الاعتراض، وعدم فرض عقوبات جنائية على اللاجئين بسبب دخولهم أو وجودهم في البلاد دون إذن، والحق في العمل والسكن والتعليم، والحق في الحصول على الإغاثة والمساعدة العامة، والحق في ممارسة الشعائر الدينية، والحق في التقاضي الحر أمام المحاكم، والحق في حرية التنقل داخل البلاد، والحق في الحصول على بطاقات الهوية ووثائق السفر”.
كما تنطبق بعض الحقوق على جميع اللاجئين، مثل الحماية من الإعادة القسرية، وتزداد حقوقهم كلما طالت مدة إقامتهم في الدولة المضيفة.
ينقسم الميثاق العالمي بشأن اللاجئين إلى أربعة أقسام: مقدمة تلخّص الميثاق العالمي ومبادئه التوجيهية وأهدافه، والإطار الشامل للاستجابة للاجئين المتفق عليه من قبل الدول الأعضاء، وبرنامج عمل يحدد الإجراءات الملموسة لتحقيق أهداف الميثاق، والمجالات التي تحتاج إلى الدعم، بدءاً من الاستقبال والقبول وتلبية الاحتياجات ودعم المجتمعات، وصولاً إلى الحلول والترتيبات للمتابعة والمراجعة.
ويهدف هذا الميثاق إلى تعزيز الاستجابة الدولية لتدفقات كبيرة من اللاجئين والوضعيات اللاجئة المستمرة، وتحمل المسؤولية والأعباء بين الدول، ودعم قدرة اللاجئين على الاعتماد على أنفسهم، وتوسيع الوصول إلى حلول في دول ثالثة، وبشكل عام يستند الميثاق على مبادئ التعاون الدولي والتضامن، بهدف ضمان تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المستضيفة بطريقة فعالة ومستدامة.
الأعمال الفنية والأدبية
يستكشف مقال بعنوان مقال بعنوان سرديات التعاطف: هل أحدثت “سينما اللجوء” التوازن بين السياسة والإنسانية؟ في موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات مفهوم”سينما اللجوء”، وكيف أن أفلام اللاجئين غالباً ما تتعامل مع قضايا سياسية معقدة بينما تبرز في الوقت ذاته قصص وصراعات الأفراد المشردين والنازحين بشكل إنساني.
ويتناول المقال أهمية رفع الوعي العالمي حول قضايا اللاجئين، خاصة السوريين والسودانيين، وكيف أن الأفلام تمكنت من تسليط الضوء على التحديات الإنسانية التي يواجهها اللاجئون والنازحون، متجاوزة الخطابات السياسية النمطية.
كما يعكس المقال أيضاً تأثير الأفلام في تغيير نظرة الجمهور العالمي نحو اللاجئين، مما يعزز من مستويات التعاطف والتضامن معهم.
إضافة إلى ذلك، يناقش المقال أفلاماً محددة من مختلف المهرجانات العالمية التي تناولت قضايا اللاجئين، مثل “كفرناحوم” و”السباحتان”، وكيف استطاعت هذه الأفلام تجاوز الحدود الجغرافية والثقافية لتصل إلى جمهور عالمي واسع.
وقد تتطرق المقال إلى التحديات التي تواجهها الدول المضيفة للأفلام التي تناولت قضايا اللاجئين، مثل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، والتوازن بين مساعدة اللاجئين واستجابة احتياجات مواطني الدول المضيفة.
وأخيراً، يسلط المقال الضوء على الأزمة الجديدة في السودان وتأثيرها على النازحين واللاجئين، مع التركيز على كيفية استخدام السينما لجذب الانتباه العالمي إلى هذه الأزمة الإنسانية الجديدة.
وقد أشار عارف حمزة في مقال له على موقع الجزيرة نت إلى أن ظاهرة اللجوء أعطت للأدب زخماً خاصاً، بعد أن عرفنا أدب المهجر وأدب المنفى وأدب السجون والأدب النسوي، أصبح لدينا أدب اللجوء “مما يطرح سؤالا جدياً: ألا ينتمي أدب اللجوء إلى أدب المنفى وبدرجة ما إلى أدب المهجر؟” وليس ببعيد عن هذا أدب آخر وهو “أدب التغريبة والشتات الفلسطيني”.
وقد بلغت المجموعة القصصية الجديدة للكاتبة السورية المقيمة بالنرويج سناء عون القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية بالكويت، وتضم المجموعة التي صدرت عن منشورات المتوسط في 2018 تحت عنوان “حيث تشير البوصلة”، عشر قصص قصيرة تسلط الضوء على الحياة السورية في لحظة الوداع، عبر شخصيات شعبية وأصوات الأشياء، وتعبر القصص عن الفقدان والخوف، وتستخدم الكتابة كبوصلة معكوسة.
كما تفاعل الفنانون التشكيليون مع اللجوء فظهرت منذ سنوات مبكرة لوحات حول هذه القضية مثل لوحة جيمس مكبي بعنوان مخيم للاجئين: لاجئون أرمينيون في بورسعيد – (1917) تظهر ساحل بورسعيد، حيث يوجد في المقدمة اليمنى رجلان وشخصية أخرى قريبة في الماء، ووراءهما سفينة راسية على الساحل، مع مجموعة من اللاجئين الأرمن المتجمعين على الأرض، وبجوارهم خيمة أو مبنى، كما يوجد قارب بشراع أبيض في الماء ويظهر الرصيف الذي يعج بعمليات الشحن، من بعيد.
معاناة اللاجئين
ويروي شربل الخوري في مقال له على موقع درج قصة مراهق أفغاني كان يعيش ويعمل في تركيا لمدة عام، وكان يعاني من صعوبة الحصول على بطاقة هوية أو وثائق تركية، وفي الوقت نفسه كان يخشى الترحيل إلى أفغانستان، وعمل لفترة لتوفير المال وقرر الذهاب إلى اليونان بحثاً عن حياة أفضل، حيث قيل له إن الحكومة ستدعمه لأنه دون السن القانونية.
أخذت رحلة المراهق الأفغاني أشكالاً خطرة، حاول فيها الوصول إلى اليونان مرات عدة، ولكن باءت محاولاته بالفشل، فكان يعود في كل مرة إلى تركيا.
ويشير خوري كذلك إلى التجار الذين يستغلون اللاجئين في تركيا واليونان، فيعرضون عليهم المساعدة مقابل المال، ثم يجردونهم من استقلاليتهم وحريتهم ويعرضونهم لأشكال مختلفة من الإيذاء، ورغم أن القانون الدولي يحظر الممارسات المرتبطة بالإتجار بالبشر، إلا أنها مع ذلك مستمرة وفي ازدياد.
وأشارت منظمة بنيان على موقعها إلى احتياجات اللاجئين الشائعة، ومنها؛ سوء التغذية المنتشر في مخيمات اللاجئين، مما يعرض الأطفال للأمراض بسبب نقص المناعة، ويحتاج الأطفال إلى المقويات والمغذيات ليعيشوا حياة صحية، كما يحتاج اللاجئون لأدوات الطبخ التي تفتقر إليها المخيمات، ومواد النظافة الضرورية لحمايتهم من الأمراض، بالإضافة إلى ذلك، يفتقر اللاجئون للملابس والأحذية التي تحميهم من تغيرات الطقس، ويحتاج الأطفال لمستلزمات الدراسة لتعزيز صحتهم النفسية وضمان مستقبل أفضل.
وقد نوهت المنظمة إلى أنه خلال فصل الشتاء يعاني اللاجئون من الرطوبة وتسرب المياه داخل خيامهم، مما يشكل خطراً على حياتهم، لذلك هم بحاجة ماسة إلى مواد شتوية مثل؛ الخيام المعزولة والمدافئ لمواجهة البرد، إضافة إلى احتياجهم إلى التبرعات العينية والمالية التي تحدث فرقاً كبيراً في حياة اللاجئين، وتوفر لهم حياة كريمة.
وبالعودة إلى موقع المفوضية السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نجد أن عدد موظفي المفوضية بلغ 20,739، منهم 91% في المكاتب الميدانية، بميزانية تُقدر بـ 10.714 مليار دولار في 2022، معتمدة بشكل كبير على التبرعات الطوعية لتمويل العمليات المستمرة وحالات الطوارئ.
وهو مبلغ لو وزع نقداً على الـ 117.3 مليون نازح قسري، لكن متوسط نصيب الفرد منهم قرابة 80 دولار في السنة، ناهيك عن أجور الموظفين ونفقات التشغيل والبنية التحتية التي ستلتهم جزء لا يستهان به من هذا المبلغ الضئيل للغاية.
العائدون من اللجوء
وقد توصل بحث بعنوان أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن ركز على ملف اللاجئين السوريين لكل من الباحثين مهى يحي، وجان قصير، وخليل الحريري إلى أنه مع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدة، تصاعدت دعوات عودة اللاجئين إلى بلادهم، لكنهم يشترطون ضمانات لطالما أُهملت.
وقد استمع مركز كارنيغي للشرق الأوسط لمخاوف اللاجئين في لبنان والأردن، وأظهر أنهم لا يرغبون بالعودة دون انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم وتحقيق العدالة.
ويشعر اللاجئون السوريون بأنهم عالقون بين البلدين المضيفة وسوريا، ويرون أن اتفاق سلام سوري بعيد المنال، فهم يطلبون بضمانات أمن وسلامة، ولا يثقون باللاعبين السياسيين في سوريا.
ويشير البحث إلى أن سيل اللاجئين الكبير في لبنان والأردن سبب ضغوطاً هائلة على مؤسسات الدولة، وفاقم المشكلات الاقتصادية والمالية والبنى التحتية، وتسبب كذلك في ضيق الفرص الاقتصادية، مع تصاعد تنافس حاد بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة على الأعمال غير الماهرة والخدمات، مما أجّج المخاوف الطائفية والديموغرافية والأمنية.
وحري بالذكر أن قضية اللاجئين خلال العقود القريبة الماضية ظهرت على سطح الجدل الإعلامي الغربي بين مؤيد لفتح الباب أمام الفارين لأسباب إنسانية وآخر يخشى على المصالح الاقتصادية والهوية الثقافية للمجتمعات الغربية أمام “طوفان” اللاجئين.
كل ذلك لمآرب انتخابية داخلية، يختفي معها في هذا الصخب السياسي أي نقد موضوعي لدور الغرب في دعم ديكتاتوريات ونهب مقدرات في أجزاء من العالم تنفجر جراء ذلك ببشر يفرون من أهوال حياتية، يصبح معها ركوب أمواج بحر هائج على متن قوارب متهالكة أهون الشرين.