حكى لي سالم زميلي القطري قصته مع رخصة السياقة التي حصل عليها في عام 2001، وكان وقتها قد أتم للتو امتحانات الثانوية العامة، فذهب لمدرسة تعليم السياقة، التي كانت آنذاك ساحة كبيرة واسعة تضم بنايتين صغيرتين للشؤون الإدارية.
ومع كل يوم من أيام التدريب، يذهب سالم ليقف أمام نافذة صغيرة تخفي وراءها موظفاً يوزع المدربين وسيارات التدريب على المتدربين، وكان معظم المدربين من الهنود.
وفي إحدى المرات طلب سالم من مدربه أن يدربه طوال هذا اليوم على السياقة للخلف على مسار يشبه حرف L باللغة الإنجليزية، فأجابه المدرب أنه لا ضرورة لذلك لأن القطريين معفيين من اختبار الرجوع للخلف واختبار ركن السيارة بين قائمين واختبار الرجوع للخلف على مسار يشبه حرف S باللغة الإنجليزية، لكن سالم أصر على تعلم هذه المهارات لأن لديه قناعة بأن التعليم في حد ذاته هدف لا ينبغي التفريط فيه.
وفي يوم آخر ذهب سالم مع مدربه إلى الشارع لتعلم السياقة كما هي في الظروف الطبيعية، وبعد انتهاء الحصة، قال له المدرب إن مستواه جيد، لم يكن المدرب يعلم أن سالم أُتيحت له فرصة التدريب على السياقة من بعض إخوانه وأصدقائه، وقد نصحه المدرب أنه بهذا المستوى يمكنه أن يتجه مباشرة لإجراء الامتحان.
ذهب سالم لإجراء الامتحان، فاكتشف أنه لا يحق له التقديم على رخصة سياقة لأنه مازال أصغر من 18 عاماً، وقيل له أنه عليه التوجه لمبنى إدارة المرور القديم في مدينة خليفة الجنوبية للحصول على استثناء مسبب بشكل رسمي.
هناك قابل ضابطاً سأله لماذا يريد رخصة سياقة قبل أن يتم الثامنة عشرة؟ أجابه سالم لأنه أتم المرحلة الثانوية بتفوق ويحتاج قريباً سيارة يذهب بها للجامعة، كانت الحياة في هذا الزمن بسيطة والشوارع غير مزدحمة ، فربت الضابط على كتفه وقال له مكافأة لك على اجتهادك وتفوقك الدراسي هذا توقيعي بالموافقة.
في نفس اليوم توجه سالم من فوره إلى مدرسة السياقة ومعه الموافقة الرسمية لإجراء الامتحان، فوقف أمام نافذة صغيرة عُرضت عليه من خلالها بعض الإشارات واللوحات المرورية، وبعدها طُلب منه أن ينتظر إكمال غير القطريين لاختبارات مهارات السياقة المتعلقة بركن السيارة والتحرك إلى الخلف، فذهب لتناول الإفطار وشرب الشاي، ثم عاد ليكون أول الممتحنين في مجموعته عملياً في الشارع، وبعد أن خرج مع الممتحن في سيارة ذهبت بهما على بعد بضعة أمتار من مدرسة السياقة، وخلال نصف ساعة كان قد أتم الاختبار، وطلب منه الممتحن أن يستطلع النتيجة في نهاية اليوم، ليجد رخصته جاهزة تنتظره في إدارة المرور.
مر أكثر من عقدين على هذه القصة تغيرت معها القوانين وتقنيات اختبارات السياقة، وطرق التدريب في المدارس وتضاعفت أعداد المتقدمين للحصول على رخصة، وباتت الأمور أكثر تعقيداً عما كانت في أيام سالم تلك.
لا شك أن سياقة السيارة باتت جزءاً أساسياً من الحياة اليومية، فهي ليست مجرد مهارة بل ضرورة للتنقل بأمان وسلام، لذلك تُعد مدارس تعليم السياقة من المؤسسات الحيوية في المجتمع، حيث تلعب دورًا مهمًا في تأهيل الأفراد لسياقة المركبات بشكل صحيح وآمن، وتهدف إلى تعليم المبادئ الأساسية للسياقة والقوانين المرورية، وإجراءات السلامة على الطريق.
أهمية مدارس السياقة
مما لا شك فيه أن أهمية مدارس تعليم السياقة لا تقتصر على تعليم الطلاب سياقة المركبات بل تمتد إلى تحسين السلامة على الطرق وتعزيز الثقافة المرورية بين السائقين، من خلال تقديم التدريب العملي والنظري للمتدربين وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع مختلف ظروف السياقة، وكيفية التعامل مع المواقف الطارئة.
هذا التدريب يشمل معرفة قوانين المرور وتعزيز الثقافة المرورية بالدروس النظرية التي تُعرف المتدربين بقواعد وآداب السياقة، وهذه الثقافة تساعد في خلق بيئة مرورية أكثر انضباطاً وتعلم التقنيات الصحيحة للسياقة، بالتالي تساهم بشكل مباشر بتقليل الحوادث المرورية، فالسائقون الذين يخضعون لتدريب جيد يكونون أكثر وعيًا بالمخاطر المحتملة وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصائبة أثناء السياقة، فيصبحون أقل عرضة للتورط في الحوادث المرورية.
تطور مدارس السياقة
بالعودة الى البدايات وفي العديد من الدول العربية، كانت سياقة السيارات تُعلم عبر الخبرة والتدريب الشخصي، وكان الاعتماد الأكبر على التعلم من الأقارب والأصدقاء، كما كان الحال مع سالم، ومع وجود عدد قليل من المدارس المتخصصة التي تفتقر إلى التجهيزات والتقنيات الحديثة، وتعتمد على الأساليب التقليدية والتعليم الشفوي وبشكل كبير على النظريات الأساسية والسياقة العملية في الطرق العادية.
شهدت مدارس السياقة تطوراً كبيراً على مر العقود، ومع التطور التكنولوجي والتحسينات المستمرة في البنية التحتية أديا إلى تحديث المناهج الدراسية وتبني أساليب تعليمية حديثة.
فمع مرور الوقت، بدأت الحكومة بالاعتراف بأهمية مدارس السياقة وتطويرها، بل وباتت تشرف عليها بشكل مقنن، أي أن إنشاء مدرسة لتعليم السياقة لا يكون عشوائياً دون انضباط، بل يكون بترخيص من إدارة المرور.
فكما تنص المادة 106 من اللائحة التنفيذية لقانون المرور الصادر بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2007 بدولة قطر، “يكون إنشاء أو إدارة مدارس تعليم سياقة المركبات الميكانيكية بترخيص من إدارة المرور، التي لها حق الإشراف والتفتيش على هذه المدارس من جميع النواحي المتعلقة بنشاطها.”
التكنولوجيا والتقدم الرقمي
تطورت أساليب مدارس تعليم السياقة، وتم إنشاء مدارس متخصصة وتزويدها بالمناهج الدراسية والمعدات المحدثة، فتم توفير أجهزة تساعد المتدربين على اكتساب مهارات السياقة في بيئة آمنة قبل الانتقال إلى السياقة الفعلية على الطرق، وفي السنوات الأخيرة، شهدت مدارس السياقة قفزة نوعية في استخدام التكنولوجيا الذي ساهم في تحسين جودة التعليم وسهولة وصول المتدربين إلى المستوى المطلوب.
وضعت قطر معايير للمدارس لكي تضمن أن يتخرج مرتادوها بمستوى يؤهلهم للسياقة بشكل جيد، فكما تشير اللائحة التنفيذية أنه يجب أن يتوفر في المبنى قاعات للدراسة النظرية والعملية، وأماكن ومعدات للتدريب، وأجهزة محاكاة للسياقة، ومكان لإدارة المدرسة، ومرافق مطابقة للشروط الصحية.
كذلك يجب أن توفر المدرسة عدداً مناسباً من مركبات التعليم المملوكة لها ضمن العدد الذي تحدده إدارة المرور، وأن تكون مزودة بدواسات كبح وتعشيق خاصة بالمعلم، إضافة إلى لافتتين مكتوب عليهما “للتعليم + حرف L”، وأن تكون مطلية بلون موحد خاص بكل مدرسة ومعتمدة من إدارة المرور.
ويتضمن منهج التدريب دراسة نظرية تشمل قانون المرور وقواعده وآدابه، وأصول السياقة، ومبادئ علم آلية المركبات، ووسائل الإسعافات الأولية. كما يجب تدريب عملي على عمليات السياقة المختلفة وفق منهج معين ومعتمد من إدارة المرور.
أما بالنسبة لاختبار السياقة، يشير القانون القطري إلى أنه يُجرى بواسطة لجنة من إدارة المرور، ويشمل اختباراً شفهياً وعملياً، ويتم تقييم الأداء بتقديرات مختلفة (ممتاز، جيد، ضعيف)، الذي يشمل اختبار أصول السياقة ومبادئ ميكانيكا المركبات وقوانين المرور.
وليجتاز الممتحن الاختبار يجب عليه الحصول على تقدير (جيد) على الأقل في جميع المواد، وفي حال رسوب الطالب في الجزء العملي، يمكنه إعادة الاختبار بعد فترة تحددها اللجنة، ومن يجتاز يحصل على رخصة السياقة بعد تقديم الوثائق وسداد الرسوم، ويجب على المرخص له حمل الترخيص أثناء التعليم وتقديمه عند الطلب.
التعاون بين إدارات المرور ومدارس السياقة
الإشراف الحكومي يضمن شفافية العمليات وإجراءات التسجيل والاختبارات، مما يقلل من فرص التلاعب والتحايل لذلك تخضع مدارس السياقة لرقابة صارمة من جانب إدارة المرور التي ترسل لجاناً بصفة دورية للوقوف على مدى تطبيق المدرسة للمنهج التعليمي المحدد وتطبيق لائحة المرور، سعياً لحماية أرواح المواطنين وكل من يحصل على رخصة السياقة.
كما تنظم الإدارة العامة للمرور ورش عمل حول التدريب الفعال ودوره في الحد من الحوادث وهي خاصة لمسؤولي ومدربي مدارس تعليم سياقة السيارات.
وفي مقال نشر في وكالة الأنباء القطرية وضح أن هذه الورش تركز على عرض المعايير التدريبية التي تعتمدها مدارس تعليم السياقة، ومدى توافقها مع الأنظمة والقوانين المرورية في الدولة والجهود المبذولة لتطوير أنظمة التدريب في هذه المدارس، والتعرف على المعايير المطبقة في مدارس السواقة ومستوى القائمين على التدريب وتأهيلهم، كما أعدت الادارة العامة للمرور منهجاً موحداً لتعليم سياقة السيارات تم توزيعه على كافة مدارس السياقة.
التحديات التي تواجه إنشاء مدارس تعليم السياقة
مدارس تعليم السياقة تواجه تحديات مالية ولوجستية واجتماعية، وعليها مواكبة التغيرات التي تطرأ بشكل مستمر.
فأول هذه التحديات متعلق بتكاليف السيارات والصيانة والتأمين ورواتب المدربين، مما يزيد رسوم الدورات ويجعلها غير متاحة للجميع.
كذلك تعاني المدارس من نقص المدربين المؤهلين وذوي الكفاءة، إذ يحظر القانون القطري تعليم سياقة المركبات إلا بترخيص، ويجب أن يكون المتقدم للحصول على الترخيص حاصلاً على رخصة قيادة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وعلى معرفة بآلية المركبات وقوانين المرور، وأن يكون قادرًا على تعليم السياقة نظرياً وعملياً، كما يجب أن يكون حسن السيرة والسلوك ولم يُدان بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.
كما أن بعض مدارس السياقة تفتقر لوجود مدربات من النساء لتعليم السياقة، فتقول رند مازن وهي متدربة في إحدى مدارس السياقة في قطر، إن اختيارها لمدرستها كان بسبب قربها من سكنها، فكانت تصل اليها سيراً على الأقدام.
عانت رند من عدم توفر مدربة تعلمها السياقة، فاضطرت على مضض إلى القبول بمدرب رجل، فأثناء ميلان السيارة كان المدرب يهلع على المقود لإصلاح مسارها حتى لا تصدم، مما كان يضع المغلوب على أمرها رند في حرج شديد، وأثر ذلك على نفسيتها، وملأها بالشعور بالندم على اليوم الذي قررت فيه أن تتعلم وتستخرج رخصة السياقة.
ناهيك عن ندرة وجود مدربين خاصين لذوي الإعاقة في أغلب المدارس، ففي حوار مع زكي جمعة، بين أن المدربين الذي علموه السياقة كانوا يعاملونه معاملة خاصة، ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً، ولم يستطع زكي تحمل سلوكيات المدربين الذين يرونه بنظرة الشفقة، فضطره ذلك إلى أن يطلب من أخيه ان يعلمه بدل المدرسة التي تفتقر إلى أساسيات التعامل مع ذوي الإعاقة، والتي أشرت إليها في مقالي السابق الذي كان بعنوان رخصة السياقة لذوي الإعاقة.
أيضاً تواجه مدارس تعليم السياقة تحدياً مستمراً في مواكبة التغيرات الطارئة على القوانين واللوائح المرورية التي تتطلب تحديث المناهج التدريبية بشكل دوري لضمان أن تكون متوافقة مع قوانين المرور، فالتطوير دائماُ ترافقه موارد إضافية وجهد ومال ودراسة جدوى لتتكيف المدرسة وما تقدمه مع متطلبات المرور.
تُعد مدارس السياقة حجر الزاوية في تأهيل السائقين، حيث تساهم في تحسين مهارات السياقة، وتعتبر من المؤسسات الأساسية التي تلعب دوراً محورياً في تعزيز السلامة على الطرق، وتقليل الحوادث المرورية.
ومن خلال تطوير المناهج التدريبية، واستخدام التقنيات الحديثة، ومواجهة التحديات التي تعترضها، يمكن لهذه المدارس أن تلعب دوراً محورياً في بناء مجتمع يسوقه سائقون مدربون وواعون، لذا يجب أن تظل جهود تطوير وتحسين برامج تعليم السياقة مستمرة، لضمان تقديم أفضل تدريب ممكن للمتدربين، وتحقيق الأهداف المرجوة في تعزيز السلامة المرورية ولضمان تحقيق الأمان وتحسين جودة الحياة، وخلق مجتمع أكثر وعياً وانضباطاً على مستوى السياقة.
[…] […]