القانون من علوم الاجتماع التي تهدف إلى تنظيم مختلف نشاطات البشر مع بعضهم البعض، على أن تعاقب السلطة العامة من يخالفه العقاب العادل، والقانون بصدد ذلك ينظم حقوق البشر وواجباتهم، والقانون لا يعطي الحقوق فقط بل كذلك الالتزامات المقابلة لهذه الحقوق، ولا أبالغ إن قلت إن القانون بحر يستمد عمقه من نشاطات البشر فلا حقيقة مطلقة طالما أن الناس يمارسون نشاطاتهم بإبداع ويطورونها كل يوم، فلا سطوة للقانون عليك إن مارست حقك وأديت واجبك وإنما تأتي سطوته من مخالفته.
ويطلق لفظ القانوني على المحامي والمشرع والقاضي، وبشكل عام على كل من حصل على شهادة في القانون، وما أزعجني ودعاني لكتابة هذه الكلمات هو دوي صراخ بعض القانونيين، مع إنني أرى أن صوت الحق عال ويُسمع دون حاجة للصراخ، إلا إن الصراخ كثر، وأسمع كثيراً مقولة “هذا حقي” وإن ذكّرته أن هنالك وجه آخر للحق هو المسؤولية لقيت رداً لا يناسب طالب حق.
لا يكفي الصارخ كتابين ليصدع رؤوس السامعين وآذانهم، فلابد أن يكون للمتكلم حجة ومنطق، وفوق كل ذلك مسؤولية إن لم يلتزمها كان للقانون سطوة المعاقب والرادع.
والمسؤولية التي أتمسك بها ليست أمراً بالتزام الصمت، ولكن دعوة للتمسك بالحجة والمنطق، وإتباع الحق، كل ذلك بصوت واضح مسموع.
وليعلم القانوني أنه يحمل على عاتقه أمانة أخلاقية عالية، فهو يملك علماً يسند به الآخرين لدعمهم، لا أذيتهم، وهي رسالة مهنية هامة، خاصة أنه يعلم مالا يعلمه الآخرون، وإن كان لا يعلم -ومن منا يدرك كل شيء- فإن الزعيق لا يغطي جهلاً ولا يكسو الشخص علماً.
تحياتي للقانونيين الذين يدركون أن علمهم مسؤولية، وأهدي لأصحاب الصوت المرتفع نصيحة الإمام مالك رضي الله عنه لفتى من قريش: “يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم”.