أفضل وصف يمكن تقديمه للاقتصاد الفلسطيني هو أنه اقتصاد أسير ومقيد بفعل المعيقات والتشريعات الإسرائيلية والاتفاقيات المبرمة مع السلطات الإسرائيلية، لذلك، من الضروري دراسة القوانين الإسرائيلية لفهم مدى تأثيرها على الحياة التجارية والاقتصادية للفلسطينيين، خصوصاً أولئك القابعين تحت سلطة الاحتلال.
في هذا السياق، قامت مجلة قول فصل بإعداد ملخص لأهم القضايا المتعلقة بقانون تحديد استخدام النقد في إسرائيل الصادر بناءً على توصيات “لجنة لوكر”، إذ أن القانون يؤثر بشكل كبير على الفلسطينيين في مناطق الداخل والقدس، وكذلك على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
قانون تقليص استخدام النقد
في نهاية عام 2018 وبداية عام 2019، قرر الكنيست الإسرائيلي تقليص استخدام النقد من خلال إقرار قانون جديد يحدد مقدار النقد المسموح به في المعاملات التجارية ويفرض قيوداً إضافية على استخدام الشيكات.
يهدف القانون إلى تعزيز الرقابة المالية على المعاملات التجارية، الحد من التعاملات المالية غير المسجلة، ومكافحة التهرب الضريبي وغسل الأموال.
بدأ سريان هذا القانون في كافة المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية اعتباراً من صباح يوم الثلاثاء، 1 يناير 2019، وكان له تأثير كبير على معظم المعاملات التجارية والنقدية على مستوى الشركات والجمعيات والأفراد.
وتفرض الاتفاقية الموقعة بين الفلسطينيين وإسرائيل التي تشمل اتفاق باريس الاقتصادي، على استقبال تل أبيب الأموال بالشيكل بسبب عدم وجود بنك مركزي فلسطيني، وفي الوقت نفسه، ينص القانون على “عودة العملة إلى موطنها الأصلي”، مما يعزز دور الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال.
تفاصيل القانون
تحديد استخدام النقد
يحظر القانون على أصحاب المهن، بما في ذلك المؤسسات غير الربحية، دفع أو استلام دفعة نقدية في المعاملات التجارية أو التبرعات أو الأعمال الخيرية تتجاوز 10% من حجم الصفقة أو 11,000 شيكل، أيهما أقل.
- مثال 1: صفقة قيمتها 7,000 شيكل يمكن إتمامها كاملة باستخدام النقد.
- مثال 2: صفقة قيمتها 30,000 شيكل، يسمح للبائع أو المشتري استلام أو دفع 10% منها نقداً، أي 3,000 شيكل، والباقي 27,000 شيكل يجب استلامه أو دفعه عبر بطاقات الائتمان أو الشيكات أو التحويلات البنكية.
- مثال 3: صفقة قيمتها 130,000 شيكل، يسمح استلام أو دفع 11,000 شيكل نقداً (لأن 10% من الصفقة يزيد عن 11,000 شيكل) والباقي يجب استلامه أو دفعه عبر بطاقات الائتمان أو الشيكات أو التحويلات البنكية.
القيود على السياح
يحظر القانون أيضاً على أصحاب المهن من استلام أي مبلغ نقدي يتجاوز 55,000 شيكل من السياح الأجانب مقابل معاملة مالية.
التعاملات بين الأفراد
يحظر القانون على الأفراد من التعامل مع أفراد آخرين في صفقات غير تجارية، مثل شراء الممتلكات الخاصة كالسيارات أو العقارات، باستلام أو دفع مبلغ نقدي يزيد عن 10% من حجم الصفقة أو 50,000 شيكل، أيهما أقل.
في حال مخالفة القانون، يتعرض المخالفون لغرامات مالية بناءً على مقدار المخالفة:
- إذا كان مبلغ الصفقة أو الشيك 25,000 شيكل أو أقل، تكون الغرامة 15% من مبلغ المخالفة.
- إذا كان مبلغ الصفقة أو الشيك أكبر من 25,000 شيكل وحتى 50,000 شيكل، تكون الغرامة 20% من مبلغ المخالفة.
- إذا كان مبلغ الصفقة أو الشيك أكبر من 50,000 شيكل، تكون الغرامة 30% من مبلغ المخالفة.
الاستثناءات
- المحامون والمحاسبون يمكنهم قبض دفعة حتى 50,000 شيكل نقداً مقابل خدماتهم.
- السياح يمكنهم الدفع نقداً حتى مبلغ 55,000 شيكل.
- لا ينطبق القانون على استخدام النقد بين الأقارب (ما عدا الدفع مقابل أجرة العمل).
- لا ينطبق القانون على بعض سلطات الدولة مثل دائرة التنفيذ والهيئات الأمنية.
- لا ينطبق القانون على صفقات تم التوقيع عليها حتى تاريخ 31 ديسمبر 2018، باستثناء الصفقات المتواصلة للحصول على خدمة أو اتفاقيات استئجار.
مشاكل وتحديات الاقتصاد الفلسطيني
التأثير على السيولة المالية
يؤدي تقليص استخدام النقد إلى تقليص السيولة المالية المتاحة للفلسطينيين، خصوصاً في المناطق التي تعاني من نقص في البنوك والبنية التحتية المالية، مثل المناطق الريفية والنائية، وقد يكون من الصعب الحصول على الخدمات المصرفية الأساسية مثل فتح حسابات بنكية أو استخدام بطاقات الائتمان، وأدي ذلك إلى تقييد قدرة الأفراد والشركات الصغيرة على إجراء المعاملات التجارية اليومية.
زيادة التكاليف الإدارية
يتطلب تطبيق القانون إنشاء نظام رقابي معقد يتطلب تقنيات مالية متقدمة، بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في فلسطين، وبالتالي يصعب تغطية تكاليف تحديث أنظمة الدفع والتقارير المالية.
قد تؤدي أيضاً هذه التكاليف الإضافية إلى تقليص الأرباح وزيادة التكاليف التشغيلية، مما يؤثر سلباً على قدرتها التنافسية في السوق.
التأثير على الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية
تعتبر الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية جزءاً كبيراً من الاقتصاد الفلسطيني، حيث يعتمد العديد من الأفراد والشركات على المعاملات النقدية كوسيلة لتفادي القيود المالية والبنكية، ولتقليص استخدام النقد يجب دفع هذه الأنشطة إلى الظل الاقتصادي، مما يزيد من صعوبة ضبط الأنشطة غير القانونية ويقلل من قدرة الحكومة الفلسطينية على جمع الضرائب بفعالية.
تأثر القطاعات الاجتماعية
تأثير القانون يمتد إلى القطاعات الاجتماعية أيضاً، حيث إن الكثير من الفلسطينيين يعتمدون على المعونات النقدية والتبرعات في مجالات مثل التعليم والصحة والإغاثة الإنسانية، فإن فرض قيود على استخدام النقد يعقد عملية تقديم الدعم للأفراد والأسر المحتاجة، مما يؤثر سلباً على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
التحديات في المناطق ذات الوضع الاقتصادي الهش
في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية مثل الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث الاقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية وأزمات إنسانية، أدى تطبيق القانون إلى تفاقم الوضع المتأزم، اساساً المواطنين في هذه المناطق يواجهون بالفعل صعوبات في الوصول إلى الخدمات المصرفية الحديثة، وتقييد استخدام النقد يزيد من التحديات المالية التي يوجهونها.
التأثير على الاقتصاد الفلسطيني
بذريعة مكافحة “الإرهاب” وغسل الأموال والجريمة في الأسواق، توقفت إسرائيل عن استقبال النقد من البنوك الفلسطينية منذ عامين، بعد اقرار قانون “لوكر” الذي دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2019، والذي يفرض تقييداً على المعاملات النقدية التي تتجاوز 11 ألف شيكل، ويجبر العملاء على إجراء المعاملات إلكترونياً.
على الرغم من أن هذا الإجراء يبدو ظاهرياً كوسيلة لتنظيم المعاملات المالية النقدية وضبطها، فإنه يحمل في طياته “نوايا خبيثة” فقد سعت إسرائيل من خلاله إلى فرض مزيد من الضغوط على الفلسطينيين وتقييد حريتهم، بهدف إرضاخهم سياسياً، خاصة وأن قرار البنوك الإسرائيلية سيوقف استقبال الشيكل تزامناً مع إعلان الاحتلال عن مشاريع استراتيجية دولية مثل صفقة القرن.
تؤثر هذه الإجراءات بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، حيث أعاقت قدرة الفلسطينيين على التعامل بالنقد في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مما زاد من تحديات التفاعل التجاري والمالي للفلسطينيين تحت الاحتلال، ومن هنا تظهر أهمية الاطلاع على تفاصيل هذا القانون وتفادي أي أضرار قد تلحق بالاقتصاد الفلسطيني الضعيف أصلاً.
بالإضافة إلى ذلك، يرفض البنك المركزي الإسرائيلي دفع فوائد على الأموال المودعة، مما يستنزف أرصدة البنك الفلسطيني وفائض سيولته التي تمكّنه من ربط ودائع والحصول على تمويلات من بنوك خارجية.
تشير المعلومات الموثقة إلى أن العمال الفلسطينيين في إسرائيل يودعون ما بين 10 إلى 12 مليار شيكل سنوياً، وأن نحو 5 مليارات شيكل ينفقها فلسطينيو الداخل في الضفة الغربية سنوياً.
ووفقاً للاتفاقيات الموقعة بين سلطة النقد والبنك المركزي الإسرائيلي، من المفترض أن يستقبل الأخير فائض الشيكل كل ربع سنة بمقدار 4 مليارات شيكل.
تأثير تكدس الشيكل ظهر بوضوح في البنوك الفلسطينية التي تعتمد أساساً على استقبال الأموال ودفع فوائد للمودعين بمختلف العملات، ثم تعيد ضخها في السوق على شكل قروض، عادة ما تتم بالدولار والدينار الأردني، وأقل منها بالشيكل، وهذا يؤدي كما هو واضح إلى تفاوت كبير بين إيداع الشيكل وصرفه، مما يتسبب في تراكم خسائر البنوك، لأن الشيكل المودع لا يستثمر داخل السوق الفلسطيني.
علاوة على ذلك، تمتلك بعض البنوك الفلسطينية حسابات لدى نظيراتها الإسرائيلية لأغراض التجارة الخارجية والمستندات والاعتمادات المالية.
ونتيجة لعدم استقبال البنوك الإسرائيلية للشيكل، تصبح حسابات البنوك الفلسطينية بلا رصيد، مما يؤثر بشكل كبير على المودعين، وتُجبر البنوك الفلسطينية على فرض رسوم على إيداع الشيكل، لكن بنسب متفاوتة لتفادي استقباله، ولا يمكنها ربط الودائع المودعة لأجل لتحقيق فوائد للمودعين.
كل هذه العوامل تساهم في زيادة السيطرة والضغط على الاقتصاد الفلسطيني، مما يجعله مرتبطاً بشكل مباشر بالتغيرات السياسية أو أدوات الابتزاز السياسي.