spot_imgspot_img
بيتتاريخأوهام حول قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية

أوهام حول قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية

قتل الإخوة أمر موجود في التاريخ منذ بداية الخليقة، فقد يحدث عندما يدب خلاف بين الأب وابنه والأخ وأخيه والعم وابن أخيه، فيقتلون بعضهم بعضاً، وأول جريمة قتل حصلت في التاريخ كانت بين الأخوين هابيل وقابيل أبناء سيدنا آدم عليه السلام.

والقتل مستمر في الحدوث، رغم أن الشريعة الإسلامية ترفض ارتكابها بدون ذنب أو جريرة، فالإسلام كرم الإنسان ودمه، وقول الله تعالى واضح في سورة الإسراء عندما قال “وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”.

لكن هناك من يدعي أن السلاطين العثمانيين سنوا قانوناً يسمح لهم بقتل الإخوة، وجعلوه دليلاً لوصفهم بالهمجية، وأن ممارساتهم في إدارة دولتهم ليس لها علاقة وانتماء للثقافة الإسلامية، مما داعني للتحقيق والتحري ليتبين لي ما إذا كان هذا الادعاء كاذب أو صحيح، ويبدو لي أن هناك ملابسات سمحت لسلاطينهم باقتراف هذا الجرم، وفي نفس الوقت تبين لي أن كل هذه الطرح مستحدث.

بدايةً مما لا شك فيه، يجب أن نفرق ما بين قتل الإخوة في يوم اعتلاء العرش، وقتل الإخوة لأسباب أخرى، فبعض السلاطين العثمانيين بالفعل قتلوا إخوتهم لأسباب مختلفة، إما لخروج الأخ على أخوه فتقوم بينهم حرب ويتقاتلون، أو لوجود شك في تدبير مؤامرة، أو خوفا من استغلال المعارضين له من أن يعزلوه ويضعوا الأخ مكانه.

والحقيقة الأخرى، هناك خلط حدث عند المستشرقين نسب هذه التهمة للعثمانيين، فجميع الأحكام التي تسمح بقتل الإخوة مرتبطة بالبغي أو الخروج على الدولة، وهذا في الأصل جزء من الشريعة الإسلامية، وما يتم تداوله عن قانون قتل الإخوة ما هو إلا جزء من القوانين المرتبطة بالخروج على الدولة العثمانية.

سن العثمانيون قوانين مرتبطة بالخروج على الدولة يخضع لها العامة وفيه تفصيل خاص للأمراء، كون مؤسسي الدولة العثمانية قبليون، وطبقاً لعادات وتقاليد النظام القبلي يصعب جداً قتل الأخ حتى لو كانت الدولة ستنهار.

وما أن انتقل العثمانيون من نظام الدولة القبلية إلى نظام الدولة العليّة التي تخضع تحتها الأمة الإسلامية تغيرت النظرة التي ترى أن الأخوة أهم من الدولة إلى أن الدولة أهم من الأخوة، ولهذا وضع هذا القانون والتفصيل الخاص بالأمراء لكيلا يكون هناك حرج في قتل الأخ لو خرج على الدولة، ويصبح لزاماً أن يحارب.

يصف القانون الخارجين على الدولة بالبغاة، أي المسلمين العصاة الذين أعلنوا عصيانهم على أوامر الحكومة، ولا يعتبر القتل هو الخيار الوحيد، بل يصبح حكم الإعدام نافذاً إذا أصر هؤلاء على البغي والعصيان، والأصل أن تتم التهدئة منعاً لسفك الدم.

هذه العقوبة ليست غريبة على تلك العصور وحتى في عصرنا الحالي وفي الدولة المدنية الحديثة، وأفعال الخروج والانقلاب وإثارة القلاقل على الدولة والنظام العام في القوانين الوضعية تندرج تحت الخيانة العظمى الذي يعاقب عليها في دول كثيرة بالإعدام.

المادة المتعلقة بقتل الأمراء البغاة تنص على التالي “إذا تيسرت السلطنة لأي ولد من أولادي فيكون مناسباً قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم، وقد أجاز هذا معظم العلماء فيجب العمل به”، أي محاربة الأخ للحفاظ على أسس النظام العام، والعالم يعني الأمة والدولة الإسلامية.

وهذا القانون أطلق عليه اسم قانون قتل الإخوة حديثاً، عندما تم الرجوع للوثائق المنسوخة من القانون الأصلي في المكتبة الملكية في فيينا، وبنيت عليها قصص كثيرة من وحي الخيال عن قتل الإخوة والأبناء وأبناء العمومة والأطفال.

وكثيرون نسبوا القانون للسلطان محمد الثاني، المعروف كذلك بالفاتح، رغم أن في عهده كان المماليك يحكمون مصر وكان الخليفة العباسي في ضيافتهم، ولم تنشأ الدولة العلية العثمانية إلا في عهد سليم الأول، ولم تكن قبل ذلك تمثل العالم الإسلامي كله، والأنسب هو أن سليمان القانوني هو من وضع هذا القانون.

ويمكننا إنكار هذه الروايات عندما نرى أن  سلاطين عثمانيين كثر كان لهم إخوة تولوا الحكم بعدهم دون اضطرابات ونزاعات، مثل السلطان مصطفى الأول الذي تولى الحكم في عام 1617 بعد وفاة أخيه السلطان أحمد الأول، والسلطان إبراهيم الأول الذي تولى الحكم بعد أخيه السلطان مراد الرابع في عام 1640، وهناك أحمد الثاني الذي تولى الحكم في عام 1791 بعد وفاة أخيه سليمان الثاني، والسلطان عثمان الثالث الذي تولى الحكم بعد أخيه محمود الأول في عام 1755، والأمثلة كثيرة عن تولي الأخ بعد أخيه.

والأمر الآخر أنه عند العودة لكتب المؤرخين الذين عاشوا أثناء الدولة العثمانية مثل الجبرتي، لا نجد أي ذكر لقانون قتل الإخوة، ولو افترضنا أن الجبرتي عثماني وقد يتجنب ذكر ذلك، فهناك من المؤرخين من كان يكره العثمانيين ولم يذكر القانون مثل ابن الياس الذي كان حاقداً على سليم الأول لشنقه لطومان باي، فقد وصف ابن الياس سليم الأول بأبشع الأوصاف، فلو كانت هذه المادة موجودة وحقيقية لكان ألصقها بالسلطان سليم واحتج بها على فساد السلاطين العثمانيين.

إضافة أنه لم يظهر أي من كبار الأئمة والعلماء أحد يستنكر ويحتج على القانون طوال فترة الخلافة العثمانية، وهذا دليل آخر على أن أنه دلس حديثاً للإساءة لهم.

لا ننكر أن قتل الإخوة عند تولي العرش حدث مرتين: الأولى عندما تولى السلطان مراد الثالث الحكم، والمرة الثانية مع ابنه محمد الثالث، وهذه الفترة كان يطلق عليها اسم عصر سلطنة الحريم، وفيها سيطرت نساء القصر على زمام الحكم.

فقد روى مجموعة من المؤرخين ومنهم المستشرق الكريزي أن السلطانة صفية زوجة السلطان مراد هي من دبرت عملية اغتيال أبناء السلطان الثمانية عشر ليخلو العرش لابنها فقط بالتعاون مع مملوكها آغا دار السعادة المسؤول عن إدارة القصر.

جميع أهل العلم يجمعون أن القتل جريمة، والله سبحانه وتعالى لا يحل قتل المسلم دون ذنب، وحتى فقهاء الدولة العثمانية كانوا يستهجنون هذا الأمر ويستنكرونه، وإن كانت هناك بعض الفتاوى الضعيفة المتملقة للسلاطين، ولكن لا يمكن التعميم على إطلاقه، فهي حالتين فقط من مجموع 35 سلطاناً، أما الباقي فقد قتلوا لأسباب أخرى.

وما نسب للسلطان محمد الفاتح، ذلك السلطان العظيم من قتله لأخيه الرضيع أحمد لا بعدو إلا أن يكون محظ افتراء غير منطقي، والعجيب أننا نأخذ تاريخنا عن مؤرخين أوروبيين لا يمكن أن يعول عليهم تاريخنا المحلي استمرأوا إلقاء التهم على عظمائنا جزافاً.

فالسلطان محمد الفاتح من أعظم سلاطين الدولة العثمانية، ولكن الأوربيين حاولوا تشويه صورته، ووصفوه بأبشع الأوصاف، فهناك مؤرخ يدعى ستيفين رونسيمان، وهو مؤرخ ومستشرق إنجليزي اتهم الفاتح في كتابه الحضارة البيزنطية أنه كان يمارس اللواط، إذ يقول رونسيمان أن الفاتح عندما فتح القسطنطينية، جاء بعض النبلاء البيزنطيين ليسلموا عليه، فأعجب بأحد الأولاد فأخذه عنده.

هذا بالتأكيد ادعاء سخيف، واتهام باطل، وأيضاً ما نسب إليه من قتله لأخيه الأمير أحمد وهو لم يتجاوز العامين.

فالأمير أحمد توفي أصلاً طفلاً رضيعاً في حياة أبيه قبل أن يتولى الفاتح الحكم، وهناك من يقول إنه مات غريقاً وجاريته تغسله في الحوض، أما ما قيل عن قتل السلطان الفاتح له فلا يصح أبداً.

لا يمكن أن نأخذ تاريخنا من المستشرقين الأوربيين، وخاصة فيما قيل عن السلاطين العثمانيين، فهم يكنون الكره لهم وإلى ما وصلوا إليه، وعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ولا ندع السياسة واختلاف الدول تكون سبباً في تحريف التاريخ.

Yousif Al Hamadi
Yousif Al Hamadihttp://www.qawl.com
مستودع أفكار لا تنتهي، بعضها وجد السبيل إلى أرض الواقع والآخر لا يزال، جميعها في ميدان الإعلام، مدعياً أنه أصبح فوق مستوى التأهيل.
مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية