spot_imgspot_img
بيتالمرأةنساء في هيئة رجال تحدياً للقيود المجتمعية

نساء في هيئة رجال تحدياً للقيود المجتمعية

الست “علي” بائعة الأنابيب، أشاهدها منذ قرابة عشر سنوات، تسير بعربتها الكارو في الأزقة والشوارع الضيقة، وهي تصيح بأعلى صوت (أنابيييب)، مع الخبطات الشهيرة المميزة لصوت الطرق على إسطوانات الغاز ، لتبدأ بعدها موجة من النداءات  الارتدادية.. (يا علي، عايز أنبوبة هنا). 

نعم اسمها علي، هكذا يعرفها الجميع وينادونها بهذا الاسم، تأتي بحمولتها يومياً في تمام الثامنة صباحاً، وتبدأ في البحث عن قوت يومها، وذلك بعد أن أجبرها زوجها على أخذ مكانه، فهو يفضل النوم والسجائر والمخدرات على العمل. 

تزوجت علي في سن صغيرة للغاية، وأنجبت 6 أطفال بؤساء مثلها، أكبرهم هو علي الذي أخذت اسمه لنفسها، حيث ترى أنه من العيب أن يناديها الناس باسمها، وبعد أن قبلت العمل بتلك المهنة الشاقة، ورضخت لظلم زوجها، وظلم المجتمع الذي فضل أن تتحول في مخيلته إلى ذكر، عوضاً عن كونها مطلقة،

تحولت “علي” من تلك الفتاة البريئة إلى امرأة بمظهر خشن قريب من نظرائها من الرجال، تحمل على كتفيها هموم 6 أطفال ووالدهم، أما هي فلا حق لها في أن يحمل أحد همومها. 

وعلى مر التاريخ، سنجد الكثير والكثير من حكايات النساء المقهورات اللاتي عانين من ظروف ظالمة، وحولن وأُجبرن على ترك أنوثتهن على عتبة العمل والكدح، في تشبه بالرجال ممجوج. 

وعلى الرغم من اختلاف الأسباب التي دفعتهن لذلك، إلا أن النماذج التالية ضربن أمثلة عظيمة في الدفاع عن حقوقهن المهدرة، وتحدي المجتمعات الظالمة، بل وتمكنّ رغم الصعوبات من كتابة أسمائهن على صفحات التاريخ بأحرف من ذهب، لن تصدأ ولن تزول.

ففي عالم يُسمح فيه للرجال فقط بالنجاح، قُمن بكسر القيود، وأنجزن أشياء قد لا يتمكن بعض الرجال من تحقيقها. 

تشويه الجسد للتخفي

ولدت دوروثي لورانس في الرابع من أكتوبر عام 1896، وعُرفت في التاريخ بأنها المرأة الإنجليزية الوحيدة التي شاركت في الحرب العالمية الأولى.

حلمت دوروثي دائماً بأن تكون صحفية مميزة ذات صيت واسع، وكانت موهوبة للغاية، ولديها قلم يسحر القراء، ولكن فرص النساء في ذلك الوقت كانت شبه معدومة، فقررت أن تحفر طريقها بنفسها، وتسعى لخلق فرصة ذهبية.

خططت دوروثي للانضمام للخطوط الأمامية في الحرب كمراسلة حربية، كي تتمكن من كتابة قصص مشوقة عن الجنود وتجاربهم على الجبهة، وكانت البداية من خلال سعيها لنشر أعمالها في بعض الصحف والمجلات المشهورة، مثل صحيفة التايمز، ومجلة نشز بال مول. 

وعندما بدأت الحرب، كتبت إلى عدد من الصحف تعرض خدماتها كمراسلة حربية، حيث كانت تعتقد أن هذه ستكون أفضل طريقة لكسب الاعتراف بمواهبها، لكن لم تُرسل أي صحفية امرأة إلى الخطوط الأمامية، فقد كان هذا العمل ممنوعاً على النساء آنذاك.

سافرت لورانس إلى فرنسا عام 1915م، وحاولت الانضمام إلى المساعدة التطوعية، لكن طلبها قوبل بالرفض، وأثناء محاولتها دخول منطقة الحرب عبر القطاع الفرنسي كعاملة مستقلة، ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليها على بعد 3 كيلو متر فقط من خط المواجهة.

وعادت إلى باريس، حيث استنتجت أنه فقط من خلال التنكر في هيئة رجل يمكنها تحقيق حلمها، وكتابة قصتها.

أقنعت لورانس جنديين من الجيش البريطاني التقت بهما في مقهى في باريس بتهريب زي الجيش الكاكي لها، وأطلقت على الرجال العشرة الذين ساعدوها اسم “شركاء الكاكي”.

ثم تدربت على تحويل نفسها إلى جندي ذكر من خلال حلق شعرها على الطراز العسكري، وقامت بتسطيح جسدها باستخدام مشد منزلي الصنع، واستخدام الخيش والصوف القطني لزيادة حجم كتفيها.

واستخدمت مادة كيميائيّة مصنوعة من برمنغنات البوتاسيوم لتغير لون بشرتها للأغمق، وقامت بكشط جلد وجنتيها لإنتاج طفح جلدي يشبه الناتج عن الحلاقة، ثم طلبت من أصدقائها الجنود تعليمها كيفية استخدام السلاح.

وحصلت على أوراق هوية مزورة باسم الجندي دينيس سميث من الكتيبة الأولى لفوج ليستر شاير وتوجهت إلى الخطوط الأمامية.

في طريقها التقت بعامل مناجم الفحم توم دون الذي عرض عليها المساعدة بعد أن علم حقيقتها، ووفر لها كوخاً مهجوراً للنوم فيه، وكانت تعود إلى هناك كل ليلة للنوم على مرتبة رطبة، وتتغذى على أي حصص يمكن أن يوفرها دون.

بسبب ضغوط الموقف والظروف الصعبة، أصيبت لورانس بقشعريرة مستمرة وروماتيزم، ثم نوبات إغماء، وبعد 10 أيام من الخدمة، لحماية الرجال الذين ساعدوها، كشفت عن نفسها بأنها أنثى، وتم اعتقالها على الفور.

تم نقلها إلى مقر قوة المشاة البريطانية واستجوابها كجاسوسة، وتم إعلانها أسيرة حرب، وشعر الجيش بالحرج من أن امرأة قد خرقت الأمن، وكانت هناك مخاوف من تولي المزيد من النساء أدوراً ذكورية أثناء الحرب إذا خرجت قصتها إلى العلن.

 وأمر القاضي ببقائها في فرنسا خوفاً من أنها قد تكشف عن معلومات استخباراتية حساسة، وأُجبرت أيضاً على القسم بعدم الكتابة عن تجاربها ووقعت على إقرار بذلك لتتجنب إرسالها إلى السجن، ثم أُعيدت إلى لندن.

وبمجرد وصولها، حاولت الكتابة عن تجاربها لمجلة العالم الواسع ولكنها اضطرت إلى إلغاء كتابها بناءً على تعليمات وزارة الحربية استنادا إلى قانون الدفاع عن المملكة المتحدة لعام 1914.

تمكنت لورانس بعد عدة سنوات من نشر كتابها عقب عودتها إلى لندن، ولكنها لم تحقق النجاح المرجو، وبحلول عام 1925، كانت حالتها النفسية قد ساءت للغاية، بسبب أهوال ما رأته من تعذيب ومعاناة وقهر، وتم وضعها تحت الرعاية، واعتُبرت لاحقاً مجنونة.

وعن عمر ناهز 67 عاماً توفيت دوروثي لورانس بسبب جلطة دماغية في 29 أغسطس 1964، ودُفنت في مقبرة عامة للفقراء.

أيقونة للجراحة ومدافعة عن حقوق الإنسان

ولدت مارغريت في عام 1789 لأسرة فقيرة تعيش في مقاطعة كورك بأيرلندا، وكان والدها إرميا بولكلي يمتلك محل بقالة صغير.

كانت مارغريت تحلم بأن تكون طبيبة بشرية، وتتخصص تحديداً في مجال الجراحة، وكانت متفوقة دراسياً للغاية، ولكن للأسف في ذلك الوقت لم يكن مسموحاً للنساء بمثل هذه الأحلام، حتى حصولها على قدر قليل من التعليم كان أشبه بالمعجزة.

ومع الظروف الاقتصادية السيئة التي كانت تمر بها عائلتها، قرر الأب أن يستثمر مدخراته القليلة، في تعليم ابنه الأكبر جون، وبالفعل تمكن من إلحاقه بالجامعة لدراسة الحقوق، وبعد تخرجه دفع له أموالاً طائلة ليتدرب في مكتب محام كبير في العاصمة دبلن، تعلقت الأسرة بأكملها بأحلام وردية، على أمل أن ينتشلهم جون من الفقر.

لكن تحولت تلك الأحلام إلى كابوس، بعد أن هرب جون من المنزل، وسرق أخر ما تبقى من نقود في البيت، وذلك ليتمكن من الزواج بفتاة ثرية، وترك أسرته غارقة في الديون التي بسببها دخل والده السجن، وبقيت أمه وشقيقته مارغريت بمفردهما.

في عام 1806م، تلقت والدة مارغريت خبر وفاة شقيقها جيمس باري الرسام والأكاديمي الملكي في لندن الذي ترك لهما أموالاً وممتلكات طائلة، وانتقلت مارغريت ذات الثمانية عشرة عاماً حينها مع والدتها إلى لندن، والتقتا بأصدقاء خالها الراحل، ولفت انتباههم ذكاء مارغريت الشديد، واهتمامها بالتعليم.

في ذلك الوقت كان الجهل ينتشر في تلك الدول، ومُنعت النساء من معظم التعليم الأساسي ولم يسمح لهن بممارسة معظم المهن، وعلى رأسها مهنة الطب، التي كانت ترغب مارغريت بشدة في امتهانها، ومع تأكد شغفها وقدراتها العلمية، وضع أصدقاء باري خطة لمارغريت لتتمكن من التعليم، وكانت الخطة هي انتحال اسم خالها الراحل، والتنكر في زي رجل.

واختارت مع أصدقاء خالها، السفر لأدنبرة لدراسة الطب هناك، باعتبارها المكان المناسب لأي شخص يرغب في دراسة الطب، حيث كانت تُعد أرقى كلية طب في المملكة المتحدة، وواحدة من أفضل الجامعات في العالم.

في نوفمبر 1809، أبحرت سفينة من لندن متجهة إلى العاصمة الأسكتلندية أدنبرة، وكان على متنها مارغريت وهي في هيئة شاب ذو شعر أحمر، يسافر مع عمته، التي كانت هي والدتها في الأصل.

عانت مارغريت كثيراً أثناء محاولاتها للتنكر، فكانت تخفي جسدها داخل معاطف ثقيلة باستمرار، بغض النظر عن الطقس، وكانت ترتدي أحذية رجالية عالية لتزيد من طولها، وحرصت طوال الوقت على استخدام صوت مستعار مميز عالي النبرة، مما أرهق حنجرتها بشدة.

ومع كل ذلك الحرص، إلا أن بنيتها الصغيرة وبشرتها الناعمة أثارت شكوك الكثيرين، واعتقد البعض أنها طفل صغير، ولم يسمح لها بحضور امتحانات الكلية، ولكن تدخل أحد اللوردات الذي كان على صلة بأصدقاء خالها، فسمحوا لها بمتابعة دراستها وحصلت على شهادة الطب وهي في عمر 22 عاماً. 

بعد تخرجها واجتياز امتحانات الكلية الملكية للجراحين التحقت جيمس بالجيش وعملت كمساعد جراح، وتمكنت من خلق مسار مهني مميز، حيث ترقت إلى منصب المفتش العام للمستشفيات وخدمت في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية.

عُرف عنها أنها كانت مدافعة عن الرعاية الصحية للسجناء ومرضى الجذام، وكانت أيضاً مبارزة بارعة، واستمرت مسيرته المهنية المبهرة لمدة 50 عاماً من بريطانيا إلى جنوب أفريقيا، ثم منطقة البحر الكاريبي إلى كندا.

كانت مهارات باري الطبية غير مسبوقة، فقد قام بإجراء أول عملية قيصرية ناجحة في القارة الأفريقية، حيث نجت الأم والطفل، في وقت كانت فيه الولادات القيصرية تُجرى في الغالب لتوليد أطفال أحياء من أمهات متوفيات.

استمرت باري في الترقي أثناء سفره حول العالم، وفي عام 1857م، وصل إلى رتبة المفتش العام المسؤول عن المستشفيات العسكرية.

وظهرت إنسانيته الشديدة عند محاربته للظلم الواقع على المستعمرين الأفارقة، وطالب بصرف صحي مناسب في المستعمرات، كما طالب أيضاً بحياة إنسانية ورعاية طبية مناسبة لمرضى الجذام، الذين كانوا يعانون من إهمال وسوء معاملة في ذلك الوقت.

قبل خروجه للتقاعد، نال جيمس باري العديد من الترقيات كتكريم على مجهوداته الجبارة ليصبح مفتشًا طبيًا على جميع المستشفيات العسكرية، وهو المنصب الذي يُعد ثاني أهم منصب في اختصاص الطب بالجيش البريطاني.

قبل خروجه للتقاعد، نال جيمس باري العديد من الترقيات كتكريم على مجهوداته الجبارة ليصبح مفتشًا طبيًا على جميع المستشفيات العسكرية، وهو المنصب الذي يُعد ثاني أهم منصب في اختصاص الطب بالجيش البريطاني.

توفي جيمس باري يوم 25 يوليو 1865م، متأثراً بمرض الزحار، وهو مرض معوي معد، وكانت آخر أمنياته أن يُدفن بالملابس التي مات فيها، لكن تلك الرغبة كانت مخالفة للمعتقدات السائدة حينها.

وعندما خلعت الممرضة ملابس الطبيب لتحضيره للدفن، اكتشفت أنه أنثى، والمفاجأة الكبرى أنهم اكتشفوا وجود علامات التمدد على البطن، التي تُظهر أنها أنجبت مرة واحدة على الأقل.

عانت مارغريت من صراع نفسي شديد بداخلها، حيث سُحقت بين أنوثتها وطموحها، وظهر ذلك من خلال سلوكها السيء مع من حولها.

حيث كان باري ذا مزاج سيء طوال الوقت، ويتعامل مع الناس بأسلوب خشن فظ، وذلك ليصرف النظر عن مظهره الأنثوي.

كما اشتهر باري بالصراخ على المرضى، وكان يتجادل كثيراً مع رؤسائه، ويقوم بإلقاء زجاجات الدواء على الحائط من كثرة العصبية، ومعظم الوقت يقوم بتوبيخ العاملين معه إلى الحد الذي وصل أحياناً إلى الإهانة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا

الأكثر شعبية