في 27 نوفمبر 2024، أعلنت المعارضة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام عن بدء عملية عسكرية تحت اسم ردع العدوان، مستهدفة القوات السورية والميليشيات الإيرانية، فقد توسعت العمليات في مدن سورية عدة، حيث حققت الفصائل تقدماً في ريفي إدلب وحلب، مع قصف الطيران السوري مناطق في إدلب مثل أريحا وسرمدا.
بحلول 8 ديسمبر، سيطرت المعارضة على دمشق بعد سلسلة انتصارات بدأت في حلب وامتدت إلى حماة وحمص، وسط معارك عنيفة مع الجيش السوري وقصف روسي مشترك، ثم أُعلن عن هروب الرئيس بشار الأسد، فيما أعربت الحكومة السورية عن استعدادها للتعاون مع القيادة الجديدة.
في مساء اليوم نفسه، أعلنت روسيا منح الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته حق اللجوء الإنساني، وأفادت وكالات الأنباء الروسية أن الأسد وعائلته وصلوا إلى موسكو، وأوضح مصدر في الكرملين لوكالتي “تاس” و”ريا نوفوستي” أن القرار جاء لدواعٍ إنسانية.
هذا التطور أثار جدلاً واسعاً حول أبعاده القانونية والسياسية، في ظل مطالبات دولية متزايدة بمحاسبة الأسد على الجرائم المرتبطة بفترة حكمه كما أثار التساؤلات حول الأساس القانوني الذي يمنح روسيا الحق في منحه اللجوء، وما قد يترتب على ذلك من تبعات قانونية وسياسية.
ما يجب الإشارة إليه أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك سلطة قضائية إلا على الدول الأعضاء في النظام روما الأساسي الذي اعتمد في عام 1998 بمثابة المعاهدة الدولية المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، ويمنح صلاحية محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم الدولية مثل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.
فبالتالي لا تملك المحكمة سلطة قضائية على سوريا، خاصه أنها ليست مصادقة على النظام، إضافة إلى أن سوريا لم تعلن من قبل قبول اختصاص المحكمة، ومجلس الأمن لم يحل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية من الأساس.
ولكن حتى في حال افتراض وجود اختصاص للمحكمة وصدور مذكرة توقيف في المستقبل، فإن روسيا ليست دولة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية وموقف روسيا من المحكمة صار أكثر عدائية بعد صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي نفسه.
لطالما كانت روسيا الحليف الأبرز لنظام بشار الأسد، حيث تدخلت عسكرياً بشكل مباشر منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، ولعبت موسكو دوراً محورياً في دعم الأسد للبقاء في السلطة، وتمكينه من استعادة السيطرة على معظم المناطق التي خسرتها قواته لصالح المعارضة المسلحة، ومع سقوط العاصمة دمشق، انتهى حكم عائلة الأسد الذي دام قرابة ستة عقود.
ورغم هذا الدعم، فإن روسيا تواجه التزامات قانونية دولية، خصوصاً بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي تُلزم الدول بتسليم أو محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم تعذيب، لكن روسيا، التي ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قد تواجه انتقادات أكثر من عقوبات قانونية مباشرة.
في السياق نفسه، تؤكد اتفاقية جنيف لعام 1951 على استثناء المتهمين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من حق اللجوء، ما يضع منح الأسد اللجوء في إطار حساس قانونياً، لا سيما إذا ظهرت مطالبات دولية أو وطنية بتسليمه.
من الجدير بالذكر أن القانون الدولي يُميز بين اللجوء الإنساني الذي يُمنح لحماية الأفراد من الأخطار المباشرة، واللجوء السياسي المرتبط بالاضطهاد على خلفية المواقف أو الانتماءات السياسية، ومع ذلك، يظل كلا النوعين مشمولاً بمحددات قانونية، أبرزها عدم توفير الحماية للمتورطين في الجرائم الدولية الكبرى.
الجرائم المرتكبة في سوريا لا يمكن تجاهلها، ورغم غياب سوريا عن نظام روما الأساسي يعقد إمكانية الملاحقة القضائية عبر المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن بعض الدول التي تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية قد تسعى لملاحقة الأسد قضائياً، حتى لو كان تحت حماية موسكو.
قرار اللجوء يعكس استمرار روسيا في دعم حلفائها، حتى في الظروف الأكثر تعقيداً، ويرى محللون أن هذه الخطوة تحمل رسالة سياسية واضحة، تعزز بها موسكو نفوذها الإقليمي، خصوصاً في الملف السوري.
ورغم الدعم الروسي، يبقى مصير الأسد غير محسوم، إذ أن الضغوط الدولية لمحاسبته قد تتصاعد مستقبلاً، مما يضع روسيا أمام معادلة صعبة بين حماية حليفها التاريخي ومواجهة الانتقادات الدولية المتزايدة.
في النهاية، قد يُشكل قرار منح الأسد اللجوء اختباراً جديداً لمصداقية روسيا على الساحة الدولية، حيث تتقاطع السياسة والقانون في مشهد معقد يكتنفه الغموض بشأن مستقبل الرئيس المخلوع.





I discovered your blog site on google and check a few of your early posts. Continue to keep up the very good operate. I just additional up your RSS feed to my MSN News Reader. Seeking forward to reading more from you later on!…