لاشك أن بناء منزل العمر حلم يراود الجميع ويسعى لتحقيقه، فهموم الشباب تبدأ منذ الدراسة إلى العمل والوظيفة فالزواج، ثم البدء في رحلة بناء منزل الأحلام، ذلك المشروع الذي يبدو متعباً ومرهقاً ومعقداً جداً ولكن يمثل أهمية بل أولوية في تفكير كل من أقبل على إنشاء أسرة والاستقرار بعيداً عن بيوت الإيجار التي يتحكم فيها المؤجرون بأسعار العقارات حيث أصبحت الأسعار خيالية مقارنة برواتبهم، فالفرد يستقطع نصف راتبه إن لم يكن أكثر لدفع إيجار منزله، عندها يكون الانتقال من بيوت الايجار او الأهل إلى منزل بالتملك حلماً سيصرف عليه جميع مدخراته وفي كثير من الأحيان بعض القروض لبناء مسكن مريح له ولأسرته.
جدير بالذكر أن معظم دولنا الخليجية توفر تسهيلات للشباب المقبلين على بناء منازلهم وذلك بمنحهم أرض وقرض ميسر لبناء مساكنهم، ولكن هل نستطيع القول إن هنا حُلت جميع المشاكل وزال الهم الكبير وأصبح الحلم حقيقة؟
في الحقيقة تبدأ معظم المشاكل مع بداية الشروع في البناء وأكبر دليل على ذلك ما نراه في أروقة المحاكم التي تعج بمئات الدعاوى القضائية المتعلقة بالمقاولات.
فبادئ ذي بدء وعند الشروع في بناء بيت العمر سواء كان فيلا أو منزل، نمر بكثير من المراحل ونحتك بكثير من الشخصيات والوثائق والجهات بل ومواقع الانترنت، وهنا يجب على الفرد أن يكون على دراية بكل خطوات البناء من الصفر ليتم العمل بطريقة صحيحة بدلاً من التخبط والوقوع في الفشل، وعندها يتحول الحلم الى كابوس.
وفي حديث مع الدكتور ياسر المنياوي المستشار القانوني في مكتب المحامي راشد بن ناصر النعيمي للمحاماة والإستشارات القانونية تطرق إلى أمور مهمة يجب على المالك اتباعها من منظور قانوني، حتى يتفادى المشاكل التي غالباً ما ستوصله إلى ساحات القضاء وأروقة المحاكم، وبالتالي تعطيل البناء وما يترتب عليه من خسائر مالية ونفسية وإهدار للوقت.
يقول الدكتور المنياوي: “يجب على المالك في أولى خطواته نحو البناء أن يختار المهندس المعماري الذي يقوم بتصميم المنزل بدقة ومسؤولية، فالمالك يحدد ميزانيته وعليه يقوم المهندس بعمل تصميم يلائم المتطلبات، وفقاً للمعايير الهندسية والمواصفات الفنية المتعارف عليها حسب الموقع والحي والشارع، وبما يتناسب مع معايير البلدية الواقع في نطاقها العقار الجديد، وذلك لتسهيل استخراج رخصة البناء.”
كما يجب على المهندس المعماري الموهوب والمتمرس أن تكون له خبرة بهذه المتطلبات ويستطيع الاستفسار عما استحدث منها إن لزم.
يذكر الدكتور المنياوي أحد الأمثلة على اختيار المهندس المعماري الثقة فيقول “إن أحد القضايا كانت لأحد الملاك الذي حدد ميزانيته للمهندس و بعد أن أستلم التصميم وأعجب به قام بتشييد البيت، وما إن همَ بعمل التشطيبات وجد أن المبلغ المطلوب للتشطيب يكلف ثلاثة أضعاف ميزانية المالك.”
ويرى المنياوي أن الخطأ يسقط على المهندس الذي رسم تصميما لم يراعي فيه ميزانية المالك.”
اللوائح والقوانين
يشمل القرار الوزاري رقم (4) لسنة 1989 مجموعة من الإجراءات والنماذج الخاصة بطلبات تراخيص البناء والهدم والصيانة وإخطارات المراجعة وإنذارات إيقاف العمل ومحاضر ضبط المخالفات.
يشير القرار أنه لا يجوز البدء في أي أعمال بناء دون إصدار رخصة البناء، وأي شروع في البناء قبل الإصدار يعد مخالفة، وعندما يتم تقديم الطلب إلى الإدارة المعنية يجب إرفاق مستندات الملكية، وعندها ستتم مراجعة الطلب على ثلاث مراحل: تقديم الطلب إلى إدارة التخطيط العمراني، ثم موافقة مجمع رخص البناء، وأخيراً إصدار الرخصة.
في المرحلة الأولى، يتم تقديم الطلب مع مستندات الملكية للمراجعة الأولية، وقد تطلب الجهة المختصة مخططات إضافية، إذ يتم تقديم الطلبات المعتمدة للمراجعة التفصيلية من قبل قسم الشؤون الفنية أو قسم تنظيم المباني، متضمناً مخططات الموقع والرسومات المتعلقة بالخدمات للحصول على موافقة الإدارات المعنية (الكهرباء، المياه، الاتصالات، الإطفاء، الطرق، المرور).
يمكن البدء في البناء بعد إصدار الرخصة ومراجعة حدود الموقع، ويجب على حامل الرخصة وضع لوحة بمعلومات الرخصة في موقع العمل والاحتفاظ بنسخة منها.
ويمكن إلغاء الرخصة في حال حدوث مخالفات، أو تقديم معلومات خاطئة، أو عدم بدء البناء خلال 12 شهراً، وحينها يمكن تقديم طلب لتجديد الرخصة مع دفع الرسوم المطلوبة.
اما قانون تنظيم المباني رقم (4) لسنة 1985، الذي أصدره الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، فيحدد قواعد البناء في قطر.
ينص القانون على أنه لا يجوز تشييد أي بناء أو القيام بأعمال إنشائية مثل التوسيعات أو الهدم أو الصيانة دون الحصول على ترخيص من البلدية المختصة.
يحدد القانون أيضاً مسؤوليات البلديات في إصدار التراخيص، ويضع المعايير المعمارية والفنية اللازمة، كما يوضح عملية تقديم طلبات التراخيص والمستندات المطلوبة والمدة الزمنية للبت فيها، إضافة إلى واجبات المقاولين والمهندسين المرخصين في ضمان الامتثال للخطط والمواصفات المعتمدة.
كما يتضمن القانون عقوبات للمخالفات ويمنح البلديات سلطة إيقاف الأعمال غير المصرح بها ويفرض التصحيحات اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يسمح القانون باستثناءات في حالات محددة، ويشترط عدم توصيل المرافق العامة إلى المباني دون الحصول على الشهادات اللازمة.
تم تعديل وتحديث القانون وأحكامه عدة مرات لضمان الامتثال لمتطلبات العصر.
مرحلة بناء المنزل
تأتي الخطوة الثانية والأهم، ألا وهي مرحلة البحث عن شركة مقاولات مناسبة تتمتع بسمعة طيبة ومعروفة، وعلى الراغب بالبناء التأني وعدم التسرع عن اختيار الشركة، وعدم الاكتراث بالعروض والخصومات التي تعلن عنها بعض شركات المقاولات لاكتساب الزبائن.
المفترض أن يكون الاختيار حسب سمعة الشركة وما قدمته من إنجازات وأعمال تشييد وبناء سابقة، وهذا سيكون المعيار الأفضل للاختيار حسب قول الدكتور المنياوي، إنه “لابد على صاحب العقار ألا يوقع عقداً إلا بعد مراجعته مع قانوني محترف، بحيث يعرف ما له وما عليه وذلك لصالح أصحاب العقارات.”
هذه المراجعة ستجنب الطرفين النزاعات التي قد تنشأ بينهما لاحقاً، فالاستسهال في توثيق العقود يحولها إلى عقود عرفية غير مهنية لا تضمن حقوق المالك، وفي حال أخلت الشركة بأحد البنود، لن يستطيع المالك المطالبة بحقه أمام القضاء.
واسترسل الدكتور المنياوي في مسألة العقد فقال “يجب على المالك التفاوض قبل التعاقد، فالتسرع في توقيع العقد دون الاهتمام بمرحلة التفاوض التي تكون قبل التوقيع لا بعده قد تسبب مشاكل أثناء مرحلة البناء.”
ويستطرد قائلا “يجب أن يضاف الى العقد ملحق بجميع خامات مواد البناء المستخدمة والتفاصيل الإنشائية كنوع البلاط، وكميات ومقادير الخرسانة، ونوعية الأسلاك والتوصيلات الكهربائية، وأنابيب الصرف الصحي، وكذلك الأصباغ والدهان وعوازل المياه، وأكد قائلاً إن “الملاحق المرفقة مع العقد تعتبر جزءاً لا يتجـزأ منه، ويجب أن تشمل كل هذه التفاصيل، ففي حالة لم تلتزم الشركة بمطابقة المواصفات المُتفق عليها، سيكون من اليسير إثبات حق المالك أمام القضاء.”
التزامات المقاول
وضع القانون المدني القطري عدة بنود تحدد التزامات المقاول في القانون المدني رقم 22 لسنة 2004، وألزمته تجاه المالك بضمان جودة العمل وفقاً للشروط المتفق عليها، وفي الوقت المحدد في العقد، تجنباً لوقوع عيوب أو مخالفات، هذا إلى جانب ضمان عدم التأخير في تنفيذ الأعمال أو التأخير في إنجازها، كما ألزم المقاول بتعويض المالك عن الأضرار أو الخسائر الناجمة عن إخلاله بالتزاماته في عقد المقاولة.
تلزم المادة 687 المقاول بإنجاز العمل وفقاً للشروط الواردة في العقد وخلال المدة المتفق عليها، أما المادة 688 فتشير إلى أنه يجب على المقاول عدم تنفيذ الأعمال بشكل معيب أو مخالف للعقد، ويجوز للمالك إنذاره لتصحيح طريقة التنفيذ خلال أجل معقول، وإذا لم يصحح المقاول الوضع، يجوز لرب العمل طلب فسخ العقد أو الحصول على ترخيص من القضاء لتنفيذ الالتزام على نفقة المقاول.
كذلك يوضح القانون أنه إذا تأخر المقاول في بدء أو إنجاز العمل أو أظهر نية عدم تنفيذ التزامه، يمكن للمالك طلب فسخ العقد، ولا يحق للمقاول المطالبة بالمستحقات إذا هلك العمل بسبب حادث مفاجئ قبل تسليمه، أما إذا كان المالك هو المسبب في تعطل البناء، فلا يمكنه المطالبة بحقه إلا إذا كان المقاول مخلاً بالتزامه.
اختيار الاستشاري الأنسب للبناء
لا يقتصر الشروع في بناء المنزل على اختيار شركة المقاولات، بل يجب اختيار الاستشاري المناسب الذي يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً في ضمان نجاح المشروع، فهو المشرف على تنفيذ الأعمال في الموقع، ويجب أن يعين من قبل المالك.
يمثل الاستشاري المالك في الموقع امام المقاول وكادره، ويشرف على سير العمل وجودة المواد الخام ومواد البناء، ويقوم بزيارات تفقدية للموقع، لمعاينة طريقة التنفيذ حسب المخططات المتفق عليها.
وقد يكون اختيار الاستشاري المناسب أمراً صعباً ولا يقل أهمية عن اختيار شركة المقاولات، فيجب التأكد من أن لديه الخبرة والتجربة والاحترافية اللازمة لإنجاز العمل بفعالية.
الاختيار الخاطئ والعشوائي للاستشاري قد يؤدي إلى أخطاء لا يمكن تصحيحها، سواء في التصميم أو التنفيذ، فإن تقييم التكلفة والفوائد التي تحصل عليها من توظيف استشاري جيد أمر رئيسي لضمان سير العمل بشكل صحيح.
يقول الدكتور المنياوي في هذا الصدد إن اختيار الاستشاري يجب ان يكون منفصلاً عن شركة البناء وليس له علاقة بالمقاول، ويضيف أن “بعض الملاك عندما يهمون بالتوقيع مع شركة البناء قد تعرض عليهم استشارياً معيناً وهذا ما يرفضه العقل والمنطق، فكيف يكون الحكم والخصم سواء؟!”
اختيار الاستشاري المناسب لمشروع البناء أمر حيوي، يتطلب انتباهاً دقيقاً لعدة عوامل أولها أن لا تكون هناك علاقة مباشرة بين الإثنين، ثم الأخذ بعين الاعتبار الخبرة والسمعة والأمانة.
إن الشروع في بناء المنزل وإخراجه بأفضل صورة ليس عملاً سهلاً، خاصة إن كان هذا المشروع منزل العمر، ومما لا شك فيه أن أخطاء البناء وتزايدها مشكلة عالمية وليست محلية فحسب، بل ربما من المستحيل أو الصعب جداً إلغاؤها تماما، لكن يمكن تقليلها إلى أدنى مستوى بتطبيق المعايير الهندسية والمواصفات الفنية المتعارف عليها التي تقرها الدولة.
لا نبالغ إن قلنا إن أخطاء البناء تتزايد بشكل ملحوظ، وذلك ينعكس على كم القضايا في المحاكم المتعلقة بمجال البناء، ولكن الاختيار الأنسب للمهندس والمقاول والاستشاري وتضافر الجهود فيما بينهم، والوقوف على العمل والإشراف عليه من المالك بنفسه يجعل العمل يسير على المسار الصحيح.