في مطلع عام 2025، وضعت مجلة قول فصل بصمتها الواضحة على المشهد الثقافي القانوني، مستهلة العام بعددها الأول الحافل بالمقالات الجديدة والبرامج الإعلامية المبتكرة، إذ لم تكن الانطلاقة مجرد تحديث شكلي، بل جاءت معبرة عن رؤية متجددة تمزج بين العمق المعرفي والأسلوب التفاعلي المعاصر، لتعزز من رسالتها في تبسيط المعرفة القانونية والاجتماعية.
شهد العدد الأول نشر عشرة مقالات تنوعت موضوعاتها بين القانون والتاريخ والآراء الاجتماعية، بالإضافة إلى خمس مقالات رأي تناولت قضايا معاصرة برؤية نقدية جريئة، كما أطلقت المجلة برنامجين جديدين: برنامج تعال أقولك الذي اعتمد أسلوباً قصصياً مرحاً، لتبسيط القضايا القانونية والاجتماعية، وبرنامج ملح الكلام الذي جمع بين الحوار الثقافي وإعداد أطباق من المطبخ العالمي، في تجربة فريدة قادتها الإعلامية هدى محمد.
نشرت مجلة قول فصل في يناير مجموعة من المقالات التي تناولت موضوعات عالمية ومحلية متنوعة، اُفتتح العدد بمقال عن اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، في باب الأيام العالمية، ناقش فيه الكاتب أحمد عقب الباب كيف استُخدمت معاناة اليهود لخدمة مآرب سياسية، مستعرضاً استغلاهم لبعض الدول لتعويض الضحايا، والجدل القائم حول المصطلحات المستخدمة في توصيف معاداة اليهود.
في السياق الإنساني، تناولت الصحفية شايستا فاطمة في مقال بعنوان صمود النساء في المعارك والحروب في باب المرأة قصصاً حقيقية للاجئات من فلسطين وسوريا، مسلطةً الضوء على معاناتهن في مناطق النزاع، وعلى التحديات النفسية والاجتماعية والجسدية التي تواجههن، رغم الاتفاقيات الدولية التي يفترض أن تحميهن.
في الشأن الرقمي، ناقش مقال تلغرام: توازن الخصوصية والحرية والامتثال التحولات التي شهدتها المنصة فيما يتعلق بسياسات الخصوصية، عرض فيه للعقب الباب تفاصيل عن اعتقال مؤسس التطبيق في فرنسا عام 2024، وتحول تلغرام من منصة مقاومة للضغوط إلى منصة بدأت بالامتثال التدريجي للابتزازات الدولية.
يقول عقب الباب إن “ما يعجبني في مجلة قول فصل هو تنوع الطرح فيها، بين القانون والمجتمع والفكر، بطريقة تحترم عقل القارئ وتفتح له نوافذ متعددة للرؤية، حيث أنني استطعت من خلال المجلة إبداء رأيي حول استغلال اليهود لقضية المحرقة لتثبيت إدعائاتهم التي أدت إلى تأسيس الكيان الغاشم”.

تناولت المقالات المبوبة خلال شهر فبراير موضوعات متنوعة جمعت بين القانون والتاريخ والمجتمع، حيث ركز عقب الباب على المجال الاقتصادي، حين استعرض في مقال له بعنوان البيتكوين عراب العملات المشفرة نشأتها وأثرها على النظام المالي التقليدي، وتناول المقال تجربة مصرف قطر المركزي في تطوير عملته الرقمية، وناقش وجهات النظر المتباينة بين المؤيدين والمعارضين لفكرة البيتكوين كوسيلة للحرية المالية أو كخطر على الاستقرار النقدي.
أما في باب التاريخ حاول الباحث يوسف الحمادي إبراز شخصية ابن تيمية في مقاله ابن تيمية: بين الجدل والتأثير، متناولاً تأثيره العلمي الكبير وصداماته الفكرية والسياسية، حيث أنه وُلد في زمن الفوضى وعاش حياة مليئة بالمحاكمات، بسبب آرائه في قضايا العقيدة والفقه، ورغم سعة علمه، إلا أن حدة أسلوبه كانت سبباً في صراعاته مع السلطة والعلماء، حتى وافته المنية في سجنه عام 1328.
أما في باب المرور، فقد تناولت الإعلامية هدى محمد في مقالها التحفص بين الخطر والانضباط تطور رياضة التحفيص في قطر، حيث انتقلت من ظاهرة عشوائية محفوفة بالمخاطر إلى تنظيم بطولات رسمية داخل حلبات مخصصة، ولم تغفل الكاتبة عن العقوبات المشددة للمتهورين، وبرامج التوعية المنظمة، لتحويل هذه المهارات إلى طاقات رياضية آمنة.
كما سلط أيضاً عقب الباب في مقاله عندما يتحول الإنسان إلى وحش باسم الهوية الضوء على أكثر المجازر دموية في التاريخ الحديث في باب الحوادث، بداية من فظائع الخمير الحمر في كمبوديا، مروراً بمجازر نانجينغ في الصين، ووصولاً إلى إبادة البوسنيين في سريبرينيتسا، حيث عرض الكاتب كيف تطغى العنصرية على الفطرة، مستعرضاً شهادات حية ووقائع دامية، داعياً إلى نشر فكر مضاد يستند إلى قوة الحق بدلاً من حق القوة.
وكان للحمادي مقال رأي بعنوان الفنون والهوية الوطنية يعرض فيه دور الفنون والآداب والموسيقى في ترسيخ الشعور بالانتماء الوطني، من خلال استعراض أمثلة من الفنون العالمية التي وثّقت الحروب وعززت للهوية الوطنية خلال الصراعات.
وفي الجانب الاجتماعي تحت باب الطفل أثارت الكاتبة رند سعد في مقالها الزواج عند البلوغ ضرورة فطرية أم تحدٍ اجتماعي، قضية الزواج المبكر، وناقشت بشكل تحليلي التحولات الاقتصادية والتعليمية التي أدت إلى تأخر سن الزواج، مستعرضةً الآراء الداعية إلى العودة للنموذج التقليدي للأسرة الممتدة، باعتبارها ركيزة لدعم الاستقرار الاجتماعي.
تقول رند سعد “تقدم مجلة قول فصل طرحاً قانونياً واجتماعياً متزناً يبتعد عن الخطاب الدعائي، ويقترب من هموم المجتمع بلغة عقلانية تجمع بين العمق والوضوح في زمن تتبدل فيه المفاهيم، وتبقى الكلمة الجادة فعل مقاومة، وما يميز قول فصل أنها تحترم عقل القارئ، وتفتح له نوافذ على قضايا العصر بلغة مبسطة دون أن تُفرِّط في جودة الطرح.”

في شهر مارس نشرت المجلة مقالاً آخر للكاتبة رند سعد بعنوان قانون تنظيم ومراقبة الإعلانات في قطر (1980 – 2025)، مرت فيه على تشريعات تنظيم الإعلانات في الدولة، عارضةً كيف تطور تنظيمه من اللافتات البسيطة إلى منظومة معقدة تشمل الإعلانات الرقمية والمجسمات التذكارية، ولم تغفل عن العقوبات، وإجراءات التراخيص، وحماية حقوق العلامات التجارية، والمعايير الجمالية، واللوائح التنفيذية التي استمرت في التطور على مر السنوات.
كذلك استطاعت مجلة قول فصل أن تقوم بنقلة نوعية في شهر مارس، وتزامناً مع شهر رمضان، حيث أطلقت برنامجيها الجديدين تعال أقولك وملح الكلام، بالتعاون مع شركة ريد دوت فلمز، وبرعاية المدينة الإعلامية، وليفانتي كيتشن.
يقدم برنامج تعال أقولك الإعلامي حسن المندني، حيث يناقش القضايا القانونية والاجتماعية بأسلوب قصصي تفاعلي يمزج بين الطرح الجريء واللغة البسيطة، ويركز البرنامج على تبسيط المفاهيم وإيصالها للشباب عبر حلقات قصيرة، وخلال شهر استطاع فريق قول فصل نشر أربع حلقات بعنوان: أطفال الشقاق، والنشوز، والحصار الجنسي، والنسوية، وجميعها مستوحاة من مقالات سبق نشرها في المجلة.
استضاف برنامج ملح الكلام الذي تقدمه الإعلامية هدى محمد، في حلقته الأولى، الدكتور صالح الفضالة لمناقشة كتابه الوكالة التجارية، وقد تناول اللقاء التغييرات التشريعية التي أعادت تشكيل العلاقة بين التاجر والوكيل، وكان للدكتور الفضالة تصريح حول احتمالية إلغاء قانون الوكالات التجارية في ظل تطور عمليات البيع والشراء العابرة للحدود عبر التجارة الإلكترونية.
وفي الحلقة الثانية، استضاف البرنامج الباحثة مريم الضميد لمناقشة كتابها الملكية الفكرية في العصر الرقمي، وتطرق الحوار إلى التحديات التي تواجه حماية حقوق الملكية الفكرية مع تسارع التطور التكنولوجي، وتضمن الحوار أهمية تحديث القوانين لتواكب متطلبات العصر الرقمي.
تقول الإعلامية هدى محمد إنها “مؤمنة بضرورة تقديم القضايا القانونية والاجتماعية بلغة قريبة من الناس، تجمع بين الجدية والبساطة، وتجعل الحوار تجربة معرفية وتفاعلية ممتعة ومؤثرة، تسهم في ترسيخ الوعي، وتفتح مساحة للنقاش الحر، وتكسر الجمود التقليدي، لتصل الرسالة إلى كل فئات المجتمع بوضوح ودفء.”

استأنفت مجلة قول فصل نشر مقالاتها خلال شهر أبريل، وجاءت العودة بسلسلة من الموضوعات التي تناولت قضايا قانونية واجتماعية وثقافية معاصرة.
تناول الباحث الحمادي في مقال بعنوان التطور التاريخي لمهنة المحاماة في قطر المراحل التي مرت بها هذه المهنة منذ تأسيس المحاكم العدلية عام 1971، وصدور أول قانون للمحاماة عام 1980، وصولاً إلى تحديثات القوانين في 1996 و2006، مع إبراز دور جمعية المحامين القطرية في تطوير المهنة.
أما عقب الباب فقد قدم أطروحة بعنوان الوقف الإسلامي بين الماضي والحاضر في باب الإسلاميات، مشيراً إلى أن الوقف الإسلامي من أدوات التكافل الاجتماعي التي أرساها الإسلام لضمان استمرار الخير، ومنذ بداياته كان الوقف مبادرة فردية خالصة بعيدةً عن سلطة الدولة، مما ضمن له الاستقلال والديمومة، وأسهم في ازدهار التعليم والصحة والعمران في العالم الإسلامي، ورغم محاولات الاستعمار لإضعافه، إلا أن العصر الحديث شهد جهوداً لإحيائه، إدراكاً لدور الوقف في بناء مجتمع متكافل ومتطور.
أما الإعلامية هدى محمد، فقد نشرت مقالاً في باب المحليات بعنوان حكاية البريد والطوابع في قلب قطر، قدمت فيه سرداً شخصياً عن ذكرياتها مع مبنى البريد العام في الدوحة، مستعرضة تطور خدمات البريد في قطر، من استخدام الطوابع البريطانية إلى تأسيس بريد قطر وإدارته الحديثة للخدمات البريدية.
وفي المجال السياسي، تناول الحمادي مقالاً بعنوان أين نحن من التطبيع؟، ناقش فيه الانقسامات العربية حول التطبيع مع إسرائيل، محذراً من خطر تطبيع الصمت والقبول التدريجي بالواقع المرير رغم استمرار الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
ينبه الحمادي إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في احتمال تحوّل الوعي العربي من رفض الاحتلال تحت وطأة التخاذل إلى التسليم به ضمنياً، مشدداً على أن السكوت الشعبي والنخبوي عن الانتهاكات اليومية يمثل تطبيعاً من نوع آخر أخطر من التطبيع الرسمي.
وبذلك استطاعت مجلة قول فصل في عددها الأول لعام 2025 رسم ملامح جديدة للوعي القانوني والاجتماعي والسياسي بإنتاجها المتنوع، محافظة على خطاب عقلاني موضوعي متزن، يواكب قضايا العصر بلغة تفتح النوافذ للمعرفة والحوار.